هذه أسباب الحرب على قائد الجيش
كان عهد جوزيف عون ناصعاً، مترفّعاً، لا انزلق في المال ولا تدحرج في السياسة. بقيت بزّته نظيفة من تلوّثات بعض السياسيّين، وخصوصاً من كانوا أقربهم إليه، بعد أن سعوا إلى خنقه بطلباتهم وسيطرتهم وشروطهم.
كتب ناشر “هنا لبنان” طارق كرم:
استقلالٌ آخر في بلدي يأتي ناقصاً، ثقيلاً، حتى نكاد نخجل من الاحتفال به. حتى العرض العسكري، ولو كان خجولاً، غاب هذا العام مع غياب الرئيس، واحتجاب الضمائر، وبدل رفع العلم ارتفعت الشروط الرئاسيّة وبرزت جماعة “أنا أو لا أحد”.
يرتبط عيد الاستقلال في وجداني بالجيش اللبناني. كنّا، صغاراً، نرتدي البزّة العسكريّة ونحمل علماً ورقيّاً نرفرف به. وأصبحنا، كباراً، ننظر إلى الجيش كأملٍ ينقذنا من جماعة السياسة وقد أوصل بعضهم البلد إلى أسوأ مصير.
يعاني الجيش اليوم، لا من ندرة المدخول. هو قادرٌ على الصمود في وجه الأزمة، كما صمد مراراً في الماضي. هو يعاني من عواصف السياسة التي سعى قائده، منذ اليوم الأول لتسلّمه قيادة الجيش، إلى حمايته منها، فمنع تدخّل السياسيّين حتى في تشكيلٍ عسكريٍّ من موقعٍ الى آخر، بعد أن كان الجيش مراراً ملاذاً لخدمات السياسيّين الانتخابيّة.
كان عهد جوزيف عون ناصعاً، مترفّعاً، لا انزلق في المال ولا تدحرج في السياسة. بقيت بزّته نظيفة من تلوّثات بعض السياسيّين، وخصوصاً من كانوا أقربهم إليه، بعد أن سعوا إلى خنقه بطلباتهم وسيطرتهم وشروطهم.
أرادوه ضدّ الشعب في مرحلة ١٧ تشرين، لكنّه اختار أن يقف إلى جانب العسكري الذي دمعت عيناه حين رأى ثورة الناس، أهله الجائعين والخائفين على مصير بلدهم.
أرادوه أداةً، لكنّه اختار أن يكون صاحب قرار، فلا تنازل ولا تهاون ولا قبل بالمسّ بصلاحيّاته عبر وزراء الدفاع الذين استُخدموا لحصاره.
ولأنّ جوزيف عون هو على هذه الصورة التي لا تشبههم بشيء، هم يخوضون اليوم هذه المعركة ضدّه.
لو كان أداةً لطالبوا بالتمديد له، سنةً بعد أخرى، وما سألوا عن قانونٍ ولا صلاحيّات، تماماً كما يغفلون اليوم عن حقوق المسيحيّين حين يطالبون بتعيين قائدٍ للجيش في غياب رئيس الجمهوريّة.
ما همّهم إلا مصالحهم، وما همّ جوزيف عون إلا الجيش. ما همّهم إلا إزاحته عن طريق بعبدا. حذارِ أن يصل جوزيف عون فيبني بلداً ويطبّق القانون. هذه لا تناسبهم. هذه تفضح عهدهم الذي مضى بلا أن تجد لبنانيّاً واحداً يترحّم عليه حتى في هذه الأيّام الصعبة.
وبعد، هل نحلم بالاستقلال الحقيقي؟ نعم، سنبقى نحلم. وسنبقى نواجه من يشوّهون صورته ومن يستهدفون جيشه، بأكثر من وسيلة. وسنبقى إلى جانب الحقّ، ولو هُزم مرّات.
“يحتاج الحقّ إلى رجلين: واحدٌ لينطق به، والآخر ليفهمه”. القول لجبران. جبران خليل جبران، كي لا يسيء أحدٌ الفهم…
مواضيع مماثلة للكاتب:
ما بعد الحرب… هزيمة أو انتصار؟ | ويبقى الجيش هو الحلّ… | جبران: رِدّ الصاروخ |