لبنان… مكب للنفايات السياسية
كتب أحمد الغز في “اللواء”:
أصبحت الكتابة عملية شاقة لعدم القدرة على مواكبة التحولات السياسية والعسكرية المكثفة والسريعة التي يشهدها لبنان والمنطقة والعالم، وأصبحت متابعة الحماقات السياسية تشكل خشبة خلاص لوسائل الاعلام المكتوبة والمرئية، وأصبحنا كل مساء امام عملية تجميع اعلامي للنفايات السياسية اليومية الرئاسية والحكومية والبرلمانية والحزبية والصحية والامنية والقضائية والتربوية والمالية مع اهوال المجاعة التي يعانيها معظم اللبنانيين.
ان مأساة لبنان هذه الايام تتمثل بالنخبه السياسية السلطوية الطائفية والمليشياوية والمدنية التي تفهم السياسة كونها اعادة تكوين السلطة بمعزل عن الدولة واسبابها وتبحث عن مواجهات وتموضعات ووصايات وعن انتصارات وهمية مما يتسبب بتعاظم مظاهر التسمم السياسي والاصابات الوبائية السياسية التي اصبحت اكبر بكثير من اصابات كورونا وضحاياها مع تعاظم مظاهر العجز والوهن وعدم قدرة الطبقة السياسية على استعادة اي شكل من مظاهر الهيبة او القدرة على مواجهة ابسط الضرورات من غذاء وكهرباء وماء وبطالة، والايام والساعات القادمة تنذر بالكثير من مظاهر العنف والفوضى مع عدم قدرة اي جهاز او حزب او تيار على التحكم بما ستؤول اليه الامور مع عودة الناس الى الشارع بعد ان اصبح الجوع احد مكونات الهوية الوطنية والشارع المكان الوحيد الذي يجمع بين اللبنانيين.
ان الغموض الكثيف الذي يخيم على واقع التحولات التي تحدث في المنطقة لا يجب ان تأخذنا الى المراجعات واستحضار التجارب السابقة، لان تلك المراجعات لا يمكن ان تقدم اي مساعدة في استطلاع ما هو قادم على لبنان والمنطقة، وتلك المراجعات هي احدى مظاهر السياسات المنتهية الصلاحية وهي اشبه بسياسات دول المنطقة التي تلذذت بمشاهدة مرارات تجربة النزاع اللبنانية ولم تحاول الاستفادة من دروسها، وتلك الدول تتجرع هذه الايام مرارة تحولها الى مجتمعات نزاع وتعاني من العبث في مكونات هوياتها الوطنية الطائفية والمذهبية والقومية وتعم الحرائق في ارجائها و على حدودها.
ان محاولة استشراف المستقبل اللبناني عملية بالغة الدقة والصعوبة لاننا لا نعرف مصير الجوار الجغرافي السوري والاسرائيلي، والذي يشكل العامل الاول والمؤثر في عملية اعادة استقرار لبنان وتحديد وظيفته، وخصوصا ان الازمة السورية المتعاظمة لا تزال امام الافق المسدود للخروج من المأساة التي يعيشها الشعب السوري بعد تموضع كل الصراعات الاقليمية والدولية والايديولوجية على ارضه، وكذلك التحديات الاسرائيلية المستجدة بما هي غير مؤهلة بنيوياً لان تكون دولة طبيعية في المنطقة، لانها في اصل تكوينها قامت على العنصرية والقهر والعدوانية وتعميق الكراهية وتسببت في كل مآسي المنطقة، وهي غير قادرة على تغيير صورتها لدى شعوب المنطقة مما ادخلها في تحديات وجودية عميقة، ومع تعقيدات الجوار الاسرائيلي والسوري تصبح عملية استشراف مستقبل لبنان عملية بالغة الغموض والصعوبة.
خطاب الحياد هو دعوة لفصل ازمة لبنان عن ازمات المنطقة كما كان الحال عشية الدعوة لاتفاق الطائف، والذي تجمد بعد اصطدامه بتقاطعات سورية واسرائيلية التي تلاقت مع رغبات سلطوية محلية وعدم وجود ارادة حقيقية بالخلاص الوطني ثم كانت الدعوة للحياد عبر اعلان بعبدا التي تلاشت مع الانخراط بالنزاع السوري، والدعوة الى الحياد اليوم تصطدم بوجود مكونات لبنانية تربط قوة وجودها بالنزاع والسلاح او بالانقسامات والخصومات وهي تحتاج الى امتلاك شجاعة التحول الذاتي باتجاه التكامل الوطني الداخلي وتقديم الشراكة الوطنية على الارتباطات الخارجية ، والدخول في عملية انصهار وطنية ونهائية وصناعة واقع وطني جديد يجعل من لبنان النموذج المشرقي الاول في الانتظام العام بعد ان اصبح لبنان مكب للنفايات السياسية المنتهية الصلاحية.
مواضيع ذات صلة :
الجيش الإسرائيلي: هذا ما استهدفناه صباحاً في الضاحية | “تجدد” في دارة بخاري | “لهوكشتاين الضوء الأخضر”.. أجواء إيجابية من تل أبيب حول اتفاق وقف إطلاق النار! |