بايدن يكافئ الاستبداد الإيراني ويعاقب الإصلاح السعودي!
بقلم عماد الدين أديب
إدارة بايدن تتعامل بمنطق المعايير المزدوجة مع السعودية وإيران في ملف حقوق الإنسان!
تتجه إدارة بايدن إلى معاملة خشنة مع الرياض لجريمة واحدة هي مقتل جمال خاشقجي، وتقوم الآن بإعادة تأهيل طهران التي قامت وتقوم بمليون جريمة أفدح من جريمة خاشقجي!
علمنا التاريخ أنّ الجريمة جريمة واحدة لا يوجد فيها هوى شخصي يجعل من واحدة لا تغتفر والأخرى -مهما كانت- ومهما كان عدد ضحاياها يمكن التغاضي عنها!
تعالوا نرَ ماذا فعلت الرياض في السنوات الأخيرة مقارنة بما فعلت طهران أثناء حكم الملالي؟
تقول سجلات منظمة العفو الدولية، وتقارير حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة، وتقرير للخارجية الأمريكية السنوي عن حقوق الإنسان في العالم الآتي:
١- تمنع حرية التعبير والتجمّع وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها.
٢- تمنع الحياة الاجتماعية الطبيعية وتهاجم الاحتجاجات والحفلات الخاصة والندوات الفكرية.
٣- تمارس بتوسّع وبلا رحمة إصدار أحكام الإعدامات ضد معارضي الرأي.
٤- ارتكبت مخالفات جسيمة في توفير محاكمات عادلة.
٥- تمارس السلطات كل أشكال التعذيب الممنهج ضد المعتقلين والمسجونين، وتنتزع منهم اعترافات كاذبة تحت ضغط التعذيب.
٦- تمارس السلطات الإيرانية الاضطهاد والقمع ضد الأقليات الدينية مثل البهائيين والمسيحيين واليهود والصابئة والزرادشتيين والسنّة المسلمين.
ووصفت “هيومن رايتس ووتش” هذه الممارسات بأنها “واحدة من كبرى حملات القمع ضد الأقليات الدينية في تاريخ إيران”.
٧- لا توجد لدى أي متهم الضمانات المتعارف عليها في التحقيقات أو المحاكمات.
٨- يتم اضطهاد وترويع المحامين الذين يتطوّعون أو يتولون الدفاع عن معتقلي الرأي.
المذهل أن هذه الممارسات بدأت واستمرت منذ العام ١٩٧٩ حتى يومنا هذا، ورغم ذلك فإنه طوال خمس سنوات من المفاوضات الطويلة الشاقة بين ما يُعرف بـخمسة زائد واحد لم يتم ذكر مسألة حقوق الإنسان في إيران، ولم يتم إبداء الرغبة في الربط بينها وبين رفع العقوبات عن إيران رغم أنّ هذه المفاوضات تمّت في عهد إدارة باراك أوباما الديمقراطية، وهي ذاتها التي طالبت الرئيس المصري حسني مبارك بالرحيل بعد ١١ يوماً من المظاهرات!
في الوقت ذاته، لم تسمع كلمة واحدة في وسيلة إعلامية أمريكية، أو مركز دراسات أمريكي، أو في لجنة من لجان الكونجرس، عما حدث من إصلاحات منذ العام ٢٠١٥ في السعودية حتى تاريخه.
الآن المرأة السعودية تقود سيارتها، بعدما كانت هذه المسألة هي السؤال الأول لكل مسؤول أو إعلامي أمريكي حينما يتم الحديث عن السعودية خلال نصف قرن مضى.
الآن هناك مواطنة متساوية للمرأة السعودية في الحقوق والواجبات مع الرجل السعودي بلا تمييز.
الآن تستطيع المرأة السعودية الانتقال من البلاد والسفر إلى الخارج دون مصاحبة أو ضمانة أحد أفراد أسرتها من الذكور.
الآن الأماكن العادية وأماكن الترفيه العائلي مفتوحة أمام الجميع بلا قيود أو تمييز أو عزل بين الرجال والنساء.
الآن الصحف السعودية اليومية ووسائل الإعلام تناقش قضايا محلية بجرأة، وتنتقد جهات حكومية ومسؤولين.
الآن هناك هيئة ملاحقة للفساد لا تهمل أي بلاغ لمواطن أو مواطنة حول حالات فساد عام أو تعدٍّ على أملاك الدولة.
الآن تم إسقاط نظام الكفيل الذي كان يوصف من قِبَل الغرب على أنه نظام عمل فيه عبودية في علاقة صاحب العمل السعودي بالعامل أو الموظف المقيم.
الآن هناك تشريعات يتم إنجازها للحفاظ على الحريات الخاصة والعامة للمواطنين.
لا نقول ولا ندّعي إنّ السعودية أصبحت جنة الله على الأرض، أو أنها تنافس دول شمال أوروبا وسويسرا في الحقوق العامة أو الخاصة، ولكن نقول بكل الثقة إنّ هناك إيقاعا سريعا للغاية في إحداث إصلاحات حقيقية غير مسبوقة لتغيير نوعي شامل في حياة المواطنين والمواطنات في السعودية.
تسلم الملك سلمان مسؤولية الحكم، وعهد بإجراءات تنفيذية في الإصلاح الشامل لولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
السعودية هي دولة شاسعة مساحتها ٢ مليون و١٤٩ ألف كيلومتر مربع وعدد سكانها يبلغ ٢٧ مليون نسمة.
ويتألف المجتمع السعودي من ٣ تجمعات أساسية من بادية وريف وحضر، ويبلغ الذكور منهم ٥٠.٩٪ والإناث ٤٩.١٪، وتبلغ نسبة من هم تحت الثلاثين أكثر من ثلث السكان، وهؤلاء هم أنصار التغيير والإصلاح الحالي.
المجتمع السعودي يتكوّن من ناحية التكوين الإداري إلى ثلاث مناطق رئيسية هي الوسطى، الغربية، الشرقية، وهي مجتمعات ذات أصول قبلية، محافظة، يغلب فيها حكم العرف الاجتماعي والقِيَم المتأثرة بتكوينات يصعب للغاية تغييرها بسهولة.
لم تعد المؤسسة الدينية هي صاحبة الكلمة الفصل في تقرير اتجاه قرارات الدولة، ولكن أصبح جوهر الإصلاح والتغيير يقوم على رؤية أين تكمن المصلحة العامة للبلاد والعباد بما لا يخالف قواعد الشريعة وصحيح الدين دون غلو أو تطرّف.
لو قيل لأي مراقب ومتابع متعمّق في الشأن السعودي إنّه في خلال خمس سنوات سوف تتم هذه الإصلاحات وهذا الانفتاح داخل المجتمع السعودي لما صدّق هذا الأمر واعتبره نوعاً من الأحلام الوردية.
ذلك كله لا تضعه واشنطن في تقييمها -المفروض- أن يكون متوازناً وموضوعياً.
المنطق يقول إنّه كما ترى واشنطن ما تعتقد أنه أخطاء في أسلوب حياتنا وممارساتنا عليها أيضاً أن ترى حجم الإنجاز والإصلاح والتغيير غير المسبوق الذي يحدث في بلادنا.
المذهل أنها لا تكتفي بجريمة التقييم من جانب رؤية الخطأ فحسب، لكنها تقوم بجريمة أكبر وهي جريمة مكافأة إيران وعقاب السعودية!
الآن تسعى إدارة بايدن إلى إعادة إيران إلى مائدة التفاوض، ورفع العقوبات، والإفراج عن أرصدتها، وبالتالي المشاركة في بيع البضائع وإعادة الإعمار الشامل لها، بينما توقف شحنات السلاح وقطع الغيار للسعودية ومصر والإمارات.
الآن ترفع واشنطن تصنيف حركة الحوثيين الإرهابية من سجل الإرهاب، ما يشجعها على زيادة وتيرة الصواريخ الموجهة نحو مدنيين سعوديين أبرياء ومنشآت سعودية بُنيت من أموال وعرق الشعب السعودي.
الآن واشنطن تغض البصر بل تتعامى عن أدوات إيران في المنطقة في العراق وسوريا ولبنان.
نعم جريمة اغتيال الزميل جمال خاشقجي هي جريمة ضد الإنسانية، وغير مقبولة، وقد أدانتها الدولة السعودية من خلال تحقيقات النيابة العامة، وأحكام القضاء، وتصريحات ولي العهد السعودي.
كان الأمير محمد بن سلمان واضحاً حينما قال بصراحة وشجاعة لا تحتمل الالتباس:
“لقد حدث هذا الأمر في ظل ولايتي، وأنا أتحمّل كامل المسؤولية”.
ولكن الأمير محمد أكد مراراً وتكراراً اعتباره ما حدث لجمال خاشقجي جريمة، لكنه “لم يعلم بها مسبقاً ولم يأمر بها”.
ورغم ذلك قامت الاستخبارات الأمريكية بعمل تحقيقات بالتعاون مع السلطات التركية وانتهى إلى تقرير محفوظ لديها منذ العام ٢٠١٨.
والذي تسرّب من خلال أول اتصال هاتفي بين الرئيس بايدن والملك سلمان بن عبدالعزيز، أي بعد مرور ٣٥ يوماً على توليه الرئاسة، والذي تم يوم الخميس الماضي هو الآتي:
١- حسب ما ذكرته مصادر البيت الأبيض أنه سار بشكل جيّد.
٢- تم تأكيد أهمية العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
٣- إن المحادثة هي استكمال لاتصالات سابقة بين وزيري الخارجية في البلدين، وأخرى تمّت بين وزير الدفاع وولي العهد السعودي الذي يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع.
بالطبع لم تتوقف وسائل الإعلام الأمريكية عن الربط بين موعد المحادثة الهاتفية يوم الخميس الماضي الذي يصادف تسريبات عن قيام الإدارة الأمريكية بنشر مقاطع من تقرير الاستخبارات الأمريكية حول مقتل خاشقجي.
الأهم، إن ما تسرّب عن هذا التقرير لا يؤكد أو يعطي أي دليل ثابت أو مادي عن صلة ولي العهد السعودي أو مسؤوليته عن هذه الجريمة.
السؤال الآن هل المطلوب وضع النظام السعودي و٢٠ مليون مواطن ومواطنة على صليب جريمة قتل خاشقجي إلى الأبد، أم أن العقل والمنطق وواقع الحال، وحجم المصالح الاستراتيجية بين واشنطن والرياض يحتاج إلى نظرة أكثر عمقاً وعدالة ومنطقية؟
إنّ السياسة التي تقوم بها إدارة بايدن في التعجل بإعادة تأهيل إيران ووكلائها في المنطقة هي خطأ استراتيجي لا يُغتفر.
هذه السياسة التي تكافئ إيران وتعاقب الإدارة السعودية سوف تجعل التعاون الاستراتيجي الذي أرساه روزفلت والملك عبدالعزيز في خطر عظيم.
صحيح أنّ الولايات المتحدة هي -حتى الآن- القوة الأعظم في العالم، ولكن ويجب ألا تنسى واشنطن أنّ هناك الصين وروسيا اللتين على استعداد لفتح مخازن سلاحهما ومخازن بضائعهما على مصراعيها لدولة مثل السعودية لديها القدرة المادية على الشراء الفوري والدفع نقداً أو مقابل مخزونها من النفط والغاز.
لا أحد الآن يفهم كيف تعامل الصديق والحليف الاستراتيجي بخشونة، وتسعى لإعادة تأهيل عدوّك الاستراتيجي بكرم وهرولة غير مبررة!
مواضيع ذات صلة :
السعودية تُحبط محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب الكبتاغون | بخاري من بكركي: انتخاب الرئيس هو المدخل الرئيسي لكل الحلول | الدعم العربي للبنان متواصل… والمساعدات الإنسانية تتوافد إلى بيروت لمواجهة الأزمة |