التمديد للعماد عون.. جولة استراتيجية ذكية!
ترجمة “هنا لبنان”
كتب ميشال توما لـ”Ici Beyrouth“:
الجولة “حامية” والمواجهة استمرت حتى الثانية الأخيرة.. تابع اللبنانيون بترقب الجمعة على مسرح البرلمان اللبناني، جولة استراتيجية مدفوعة بزخم النواب السياديين (الذين تطلق عليهم تسمية نواب المعارضة)، انتهت بتصويت مجلس النواب على مشروع قانون للتمديد للضباط من رتبة عماد ولواء لمدة عام. هذا مع الإشارة بالطبع إلى أن القضية الأساسية تتمحور بطبيعة الحال، حول بقاء العماد جوزيف عون على رأس قيادة الجيش.
ويكتسب هذا التصويت البرلماني أهمية مضاعفة: فمن ناحية، يعكس الموقف المسؤول للمجموعات السيادية التي قادت اللعبة بشكل لافت في البرلمان وصولاً للهدف المنشود؛ ومن ناحية أخرى، يؤكد على الدور الاستراتيجي الذي ينتظر أن يلعبه الجيش في المرحلة المقبلة بهدف العودة للتطبيق الصارم للقرار1701.
على المستوى الاستراتيجي، يعتبر التمديد للعماد عون حيوياً في السياق الحالي، خصوصاً في ظل حرب الاستنزاف التي بدأها حزب الله وحلفاؤه في جنوب لبنان (الأصوليون الفلسطينيون وحماس والجهاد الإسلامي…)، والتي تقوض مهمة اليونيفيل بشكل مباشر. ولا يخفى على أحد أن الخروقات التي تسجل يومياً منذ هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، في منطقة عمليات اليونيفيل لا يمكن أن تستمر دون أن تشكل خطراً جدية على المنطقة بأكملها. وتتقاطع آراء مختلف المصادر المطلعة في هذا الصدد حول تصميم المجتمع الدولي على تحقيق الامتثال الصارم لأحكام القرار 1701، سواء بالرضا أو بالإكراه.
أما في الكواليس الدبلوماسية، فيدور حديث حول صفقة جيوسياسية برعاية أميركية على المدى القصير نوعاً ما. وتنص الصفقة على انسحاب حزب الله وغيره من المنظمات المسلحة إلى شمال الليطاني، كجزء من خطة التهدئة في جنوب لبنان. وفي حال ترجمت هذه الخطة إلى واقع، ستتم دعوة الجيش للعب دور رئيسي إلى جانب قوات اليونيفيل. ومن هنا أهمية الحرص على وجود قائد يتمتع بالمصداقية وبثقة المجتمع الدولي على رأس الجيش.
ولا شكّ بأنّ حزب الله كان ليفضّل في مثل هذا السيناريو، تولي جنرال “مطيع” لقيادة الجيش، بشكل يسمح له بالسيطرة بشكل أفضل على ميدان العمليات في الجنوب. لذلك، كان بإمكاننا أن نتوقّع أن يدعم الحزب الموالي لإيران بكلّ ما أوتي من قوة حملة زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل، ضدّ العماد جوزيف عون. إلا أن حزب الله لم يسلك هذا المسار، وهذا يعني أن هامش المناورة لديه قد تقلص في هذا السياق ولم يعد أمامه سوى القبول على مضض بتمديد ولاية جوزيف عون. وترجم ذلك في البرلمان بامتناع الحزب عن استخدام كل ثقله لمنع التصويت، لكنه حرص مع ذلك إلى إبداء تحفظه الشديد على مسألة التمديد، من خلال انسحاب نوابه من النقاش (الوجيز) في الجلسة البرلمانية حول التمديد للعماد عون وجنرالات آخرين.
ويمكن قراءة إنجاز الجمعة كمؤشر على الإتفاق الذي قد يلوح في الأفق عاجلاً أم آجلاً. وللتأكد أكثر، يكفي فك رموز اللعبة السياسية التي شكل البرلمان مسرحها في الأيام الأخيرة. ومن جملة التفاصيل، انسحاب حزب الله وقت التصويت لكن دون تطيير الجلسة، ومساهمة حركة أمل بزعامة نبيه بري في التصويت الذي أراده المجتمع الدولي، والذي أرادته بكركي والمعسكر السيادي بدورهم. وفي المحصلة، ظهر المعسكر الأخير باعتباره الرابح الأكبر في هذه المواجهة، بينما حصل زعيم التيار الوطني الحر على لقب الخاسر الأكبر.
ولا يمكن التغاضي عن الدور الذي لعبته المعارضة وحلفاؤها.. والجولة الإستثنائية التي جمعتهم في تعاون منسق بذكاء بين القوات اللبنانية (القوة الدافعة الرئيسية للعملية) والحزب التقدمي الاشتراكي والكتائب وكتلة تجدد النيابية (ميشال معوض وأشرف ريفي وفؤاد مخزومي) وتكتل الإعتدال الوطني (الذي يضم بشكل خاص النواب السابقين وحلفاء الحريري من شمال لبنان) الذين تمكنوا من الاتفاق للحصول على التصويت الذي طال انتظاره.
وتسجل خطوة ملحوظة أخرى لصالح المجموعات المسيحية الكبرى، حيث تجاوزت القوات اللبنانية والكتائب وغيرهم من النواب المستقلين (بما في ذلك ميشال معوض على وجه الخصوص)، من حيث المبدأ رفضهم المشاركة في أي جلسة تشريعية في ظل الشغور الرئاسي، حرصا على المصلحة العليا للدولة. وأتت هذه الخطوة لأن المخاطر الاستراتيجية كانت في الواقع أكبر من الاعتبارات الطائفية، بغض النظر عن شرعيتها. ومن البديهي أن رئيس مجلس النواب استغل هذا السلوك المسؤول للمعسكر السيادي للحصول على التصويت على عشرات التشريعات قبل التطرق لقضية الجنرالات. ومع ذلك، وفي سياق ممارسة هذه اللعبة، أظهر نواب القوات اللبنانية اتساقا في سلوكهم من خلال الامتناع عن المشاركة في النقاش والتصويت على النصوص القانونية المدرجة على جدول الأعمال، باستثناء اقتراح القانون الخاص مباشرة بقائد الجيش.
وهكذا انتهت اللعبة! أما حالياً، تتجه الأنظار نحو منطقة عمل اليونيفيل ومساعي التهدئة. وهنا تبدأ جولة طارئة جديدة تستدعي التحرك السريع كي لا يتكبد الشعب اللبناني مجدداً تكاليف حرب إقليمية لا ناقة له فيها ولا جمل!
مواضيع ذات صلة :
المجلس الدستوري يبتّ اليوم قرار الطعن المقدّم من “التيّار” | باسيل يعد خطّة “انقلابية” تقطع طريق انتخاب عون | “التيار” و”الحزب” الى القطيعة… بعد خيبة أمل ميشال عون من الحليف الاصفر |