رزق الله على إيام الـ Marron glacé
كم تغيرت الأعياد! إشتاق الجنوبيون إلى إطلاق المفرقعات في المناسبات، بدلاً من الكاتيوشا، وصواريخ بركان ذاهبة وقذائف فوسفورية راجعة.
كتب عمر موراني لـ “هنا لبنان”:
في غابر الأزمان، قُبيل الأعياد المجيدة والكريمة كنت أدخل إلى إحدى المؤسسات لا لتفقّد إستثماراتي الفاشلة بل للسلام على الأحبة. صواني الشوكولا كانت تصطف كفرقة موسيقية ترحيباً بالزبائن/ الأصدقاء. آخذ حبة. تخرج المديرة بكل عطرها وتدعوني لتشريفها في المكتب. بوجه يفيض فرحاً وإغراء تقدم إلي هدية، وتخبرني أن هذه الهدية فقط للأصدقاء، أصدقاء المؤسسة الأوفياء. هي أكثر من مفكرة جيب وأقل بكثير من قلم “مون بلان”. ولا تقبل المديرة، الرحبة الصدر، إلّا أن آخذ حبة Marron glacé من علبة فاخرة مغلّفة بورق الذهب. تودعني المديرة على الباب وتتمنى لي أعياداً حلوة وتحمّلني سلامات إلى أفراد العيلة.
في خروجي من بيتي الثاني، أتناول حبة أخرى من الشوكولا المحشو بـ “كونياك المحبة والبندق”.
في الأمس لمحتُ المديرة نفسها خارجة من المؤسسة. بدا لي أنها استبدلت بشاشتها بوجه جاف أقرب ما يكون إلى سيماء حسن فضل الله، عضو مصلحة تشخيص النظام اللبناني. نزلت من سيارتي الهرمة هرعت إليها تسبقني فرحة كبرى. عايدتها. كشّرت. ثم هزّت برأسها وكأني مجرّد عابر سبيل أو معجب ثقيل.
كم تغيرت المديرة. كم تغيرت الأعياد!
علب الهدايا تحت الشجرة. ماركات ماركات. هدايا للتاتا وجدّو، وللأعمام والخالات وأبناؤهم “الجلطين” وللخادمة المتفانية ومساعدتها في العزائم. وعلى قدر أهل العزم و”العزايم” تكون الهدايا. أما سفرة الميلاد فـ “بيندقّلها نوبة” والنبيذ المُراق وصل للركب. أو الأصح “كان” يصل إلى الرُكَب. الآن لن يصل أحمره إلى الشفاه ولا حتى الأبيض الرخيص.
بطلب خاص من الياس أبو شبكة “أرجِع لنا يا دهرُ / ما كان في لبنان”.
إشتاق اللبنانيون إلى زمن كان الواحد فينا يدفع فيها 2000 دولار لسماع العلامة الفارقة في واحد من فنادق العاصمة، وإن كانت مدقرة معه يحجز لسهرة مع “أسد المسرح” أو “قنبلة الرقص الشرقي” بـ 435 دولار على الراس.
بالمناسبة، وليد توفيق، ملهم العشاق على مرّ الأجيال، وين عم يغني؟
إشتاق الجنوبيون إلى إطلاق المفرقعات في المناسبات، بدلاً من الكاتيوشا، وصواريخ بركان ذاهبة وقذائف فوسفورية راجعة.
إشتاق فقراء الحال إلى “حبشة العيد” تتوسط الطاولة مع “قلوباتها”. منذ أعوام أخلت مكانها على سُفْراتهم لرأس لقطين محشي أرز مصري. مع اللقطين، بصراحة، مش ماشي الحال.
إشتاق الموظفون إلى الشهر الثالث عشر. راح. غادر ولم يعد.
وافتقد الإعلاميون والإعلاميات منذ سنوات كرم أصحاب السعادة والمعالي ودولة الرئيس وأصحابه الأثرياء.
وافتقدوا للسنة الثانية على التوالي إطلالة من يحبهم كثيراً: بيّ الكل.
آخ ثم آخ. لست آسفاً على شيء مضى ولا أتحسّر على شيء انقضى. ولا أفتقد أي شيء مادي. إنما في حلقي جملة عالقة لا بد أن تُقال للسيدة المديرة: رزق الله على إيام الـ Marron glacé..
مواضيع مماثلة للكاتب:
مش كل صهر سندة ضهر | شبيحة “الحزب” بالمرصاد | أبو الجماجم |