ماذا ينتظر لبنان سنة 2024؟
هل سيتخلص لبنان سنة 2024 من صيغة التوافق التي يكذب عبرها النواب على من انتخبهم؟ ولا يسألهم ناخبهم لماذا لم يُسأل من قبلهم أي رئيس يريد؟
كتب محمد سلام لـ “هنا لبنان”:
ثلاثة استحقاقات تحدد مستقبل لبنان في العام 2024، وكابوس زلزالي قد يطيح بمفاعيلها لإبقاء البلد أسير الماضي المهين.
الإستحقاقات المصيرية هي:
1- تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701 نصاً وروحاً وإخلاء المنطفة جنوبي نهر الليطاني من أي وجود لمسلحي حزب الإحتلال الفارسي.
2- تفعيل جدي حاسم وجذري لمكافحة صناعة وترويج المخدرات التي حظرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متعهد سلامة النظام السوري فنقلها أصحابها من سوريا إلى سفوح سلسلة الجبال الشرقية المحاذية للحدود السورية.
3- إختيار رئيس جمهورية بإنتخاب تنافسي حر بين عدد غير محدود من المرشحين وفي جلسات متتالية وليفز من يحصل على العدد الأكبر من الأصوات ما يعني إلغاء صيغة “التوافق” المهينة للشعب اللبناني.
أمّا الكابوس الزلزالي فيرجّح أن يكون عملية إغتيال شخصية لبنانية مرموقة تحقق نتائجها الحؤول دون دخول لبنان حقبة مستقبل الشرق الأوسط الجديد وتبقيه نزيل سجن الطاغية الفاسد كما حصل بعد إغتيال الرؤساء الشهداء رفيق الحريري، رينيه معوض، بشير الجميل ورشيد كرامي الذي فُخخت المروحية التي كانت ستقله إلى بيروت في ملعب طرابلس الأولمبي من قبل جهاز مخابرات غير لبناني، كان ضالعاً في اغتيال الآخرين كما تحالف الجهاز نفسه مع ميليشيا غير لبنانية في عملية إغتيال الحريري.
وفي ما يتعلق بتطبيق القرار 1701، لا يمكن أن تنتهي الحرب التي أطلقتها حركة حماس من غزة في 7 تشرين الأول الماضي واستوردها حزب الإحلال الفارسي إلى جنوب لبنان بعد يوم واحد بالعودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل اندلاعها.
في غزة السؤال هو من سيحكم أرض ما قبل حرب سنة 1967، وهل ستكون حماس، إذا ما زالت موجودة، جزءاً من تحالف سلطة فلسطينية جديدة مدعومة عربياً ودولياً ومقبولة إسرائيلياً، أم سيتم ترحيل بقاياها إلى لبنان لتساهم مع حزب الإحتلال الفارسي في مواجهة الضغوط العربية والدولية لمحاولة عرقلة تطبيق القرار 1701؟
القرار 1701 الصادر في 11 آب سنة 2006 يحظر وجود أي قوى مسلحة غير الجيش١ اللبناني واليونيفل جنوبي نهر الليطاني، علماً بأنّ حزب الإحتلال الفارسي هو القوة العسكرية التي تدير واقعياً أمور الشريط الحدودي منذ إنسحاب إسرائيل سنة 2000.
فهل سيقبل الحزب بالإنسحاب من جنوبي الليطاني بطيبة خاطر، خصوصاً بعدما تطعّمت قوته بحلفاء من طراز حماس والجهاد الإسلامي والإخوان المسلمين وغيرهم؟
وهل ستقبل إسرائيل ببقاء مقاتلي التحالف الإيراني الإسلاموي في الجنوب اللبناني ما يهدد سلامة قرابة 100 ألف إسرائيلي تم إخلاؤهم من المستوطنات الشمالية ويرفضون العودة طالما بقي الحزب في جنوب لبنان؟
وهل سيبقى حزب الإحتلال الفارسي ومتشعباته الإسلاموية في الجنوب بعد ما قتلت غارة إسرائيلية على منطقة السيدة زينب قرب دمشق مسؤول الدعم اللوجستي لقواعد الحرس الثوري الإيراني في سوريا ولبنان العميد ركن رضي موسوي، الذي كان في لبنان في الأسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني الماضي متفقداً قواعد الحزب وإحتياجاتها، وهي المسؤولية التي كان يتابعها عن كثب مشرفاً على ترميم ما هدمه الزلزال التركي السوري في شهر شباط الماضي من منشآت الحزب في الجنوب.
بغض النظر عما يقبله أو يرفضه المعسكر الإيراني في لبنان، يبقى سؤال أساسي:
هل تقبل إسرائيل ودول الغرب والعرب (كل لأسبابه) بصيغة تسوية تبقي وجوداً رمزياً لقوى المعسكر الفارسي في الجنوب لقاء انسحاب إسرائيلي من أراض لبنانية محتلة منذ حرب العام 1967؟
العرب لن يوافقوا على بقاء أي وجود، ولو رمزي، للمعسكر الفارسي في جنوب لبنان لأنه يعني اعتراف العرب بحق نظام طهران بالتواجد على اراض عربية.
الغرب لن يقبل ببقاء ممثلين للمعسكر الفارسي، مسلحين أو عزّل، في جنوب لبنان لأنه يعني إعتراف الغرب ومعه تل أبيب بشرعية وجود نظام الولي الفقيه في غلاف إسرائيل العربي، ما يعكس المساواة بين إسرائيل ومن تقاتلهم.
ويقول دبلوماسي يمثل دولة عربية كبرى إن إسرائيل، بالنسبة للغرب، هي “حارس البستان الذي أسكنوه في المنطقة مع بداية اكتشاف النفط، وبالتالي فإن بقاء قوى إيران في غلاف إسرائيل العربي يعني بالنسبة لهم قتل الحارس وتسيّب البستان، لذلك أرسل الغرب أساطيله إلى بحار العرب، لا لاستعراضها، بل لمنع تسيب ما يعتبروه بستانهم.”
وزاد الأمر تعقيداً “إفلات إيران لحلفائها الحوثيين لتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر ما يهدد أيضاً وتحديداً الإقتصاد المصري لأنه يحوّل الملاحة الدولية إلى رأس الرجاء الصالح ما يحرم مصر من عائدات قناة السويس،” وفقاً للدبلوماسي.
مملكة البحرين هي الدولة العربية الوحيدة المشاركة في تحالف “حارس الإزدهار” بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لتولي مهمة ردع إيران عن تحريك مسيّرات حوثييها لضرب الملاحة الدولية، إلا أن دولاً عربية “متمكنة عسكرياً ستتولى ضرب الحوثيين مباشرة، من دون الدخول في حلف حارس الإزدهار كي لا تتهم بأنها تستفز إيران”، وفق ما كشفه الدبلوماسي.
أما في تفعيل مكافحة صناعة وترويج المخدرات، فالموقف العالمي الموحد يعتبر أنّ صناعة وترويج المخدرات، إضافة إلى كونها إحدى آفات الجريمة المنظمة، تساهم بشكل مباشر في تمويل الإرهاب، ومن ضمنها التنظيمات المسلحة التابعة لإيران وحرسها الثوري والمتهمة بالإرهاب، وتسعى لمحاربتها على مختلف الصعد لتعدد أسباب العداوة معها من إجتماعية إلى سياسية.
وليس سراً أنّ مصانع مخدر الكبتاغون ومراكز عصابات تهريبه قد نقلت من سوريا إلى سفوح سلسلة لبنان الشرقية ويتم تهريبه منها باتجاهين، شرقاً عبر الأراضي السورية إلى الأردن كوجهة أولى، وغرباً عبر مرافئ لبنان إلى دول العالم.
هكذا انتقل ثقل مواجهة هذه الآفة إلى لبنان، ويتوقع أن تنشط هذه المواجهة وتكتسب دعماً دولياً بعد وصول السفيرة الأميركية الجديدة ليزا جونسون إلى لبنان بداية العام المقبل، كونها عملت في لبنان سابقاً بين عامي 2002 و 2004 عندما كان السفير الأميركي لدى لبنان فنسنت باتل، وكوّنت علاقات مع مسؤولين لبنانيين وتعرف كيفية التعامل مع الوضع اللبناني.
وكانت جونسون قبل نقلها إلى لبنان تشغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية لأوروبا وآسيا في مكتب وزارة الخارجية “لمكافحة المخدرات الدولية وشؤون إنفاذ القانون”.
ولن يكون مستغرباً أن تستخدم جونسون ثقل دولتها لإقناع لبنان بإصدار قرار سياسي يجيز إستخدام سلاح الجو في ضرب تصنيع وتهريب المخدرات، ما يعني استخدام طائرات سوبر توكانو البرازيلية الصنع والمصممة أساساً لتقديم الدعم الأرضي في متابعة وضرب مصانع المخدرات وعصابات التهريب في غابات أميركا اللاتينية.
لبنان يملك 6 طائرت سوبرتوكانو “توربينية” جديدة منذ العام 2018 صنعت في أميركا بمشاركة الشركة البرازيلية المصنعة الأم وتم دفع ثمنها من الهبة السعودية لمكافحة الإرهاب البالغة مليار دولار أميركي، وتم تدريب الطيارين اللبنانيين والفنيين على إستخدامها وصيانتها وتزويد لبنان بصواريخها وقذائفها وذخيرة رشاشاتها من الهبة الأميركية للجيش اللبناني، لكن لم يصدر، لأسباب مجهولة معلومة، أي قرار سياسي عن أي حكومة لبنانية بتكليف الجيش اللبناني بإستخدامها لضرب صناعة وتهريب المخدرات منذ إستلامها قبل خمس سنوات.
فهل سنشاهد سنة 2024 أرزتنا اللبنانية على طائرة السوبرتوكانو وهي تقصف وتطارد مصنعي ومروجي المخدرات؟
تحقيق هذه الأمنية سيكون من صلب مهام السفيرة جونسون حتماً أما الجواب فسيكون موجوداً بعد.
إختيار رئيس جمهورية بانتخاب تنافسي ينهى سيطرة مافيا التحاصص التي تعتمد أسلوب “التوافق” وهو ما لا يتضمن الدستور اللبناني أي إشارة إليه، ويقوم على إختيار “عرّاب” ليؤدي مهام الإشراف على حسن توزيع حصص الفساد على مكونات المنظومة التي تحتمى بمظلة التحالف مع سلاح الغدر.
المعارضات الوطنية المتعددة الطوائف تطالب بإنتخاب رئيس “صنع في لبنان” أي بالتنافس الحر بين عدد غير محدود من المرشحين وفي جلسات إنتخاب مفتوحة ومتتالية وليفز من يحصل على العدد الأكبر من الأصوات.
فهل سيتخلص لبنان سنة 2024 من صيغة التوافق التي يكذب عبرها النواب على من انتخبهم، ولا يسألهم ناخبهم لماذا لم يُسأل من قبلهم أي رئيس يريد. فهل يقترع النائب بصفته ممثلاً للشعب أم ممثلاً على الشعب؟
*الكابوس الزلزالي:
لبنان ساحة صراع بين عدوين، العدو الإسرائيلي جنوبي الخط الأزرق خارج الأراضي اللبنانية، والعدو الفارسي الذي يحتل ما بين الخط الأزرق ونهر الليطاني في الجنوب اللبناني كما مناطق لبنانية أخرى بالتحالف مع شرائح من طوائف متعددة مكّنت “إرادته” من الوصول إلى موقع رئاسة الجمهورية الماروني قبل شغوره، ومكنت إرادته أيضاً من إختراق موقع رئاسة الحكومة السني عندما رشّح زعيم السنة آنذاك لرئاسة الجمهورية نفس الشخص الماروني الذي يؤيده حزب الإحتلال الفارسي وهو نفس الشخص الذي كان قد إشترى للزعيم السني تذكرة سفر روحة بلا رجعة لأنه كان ضد تحالفه مع الإحتلال الفارسي.
وتُرك الشعب اللبناني يتساءل: هل أتحالف مع أحد عدويّ الإثنين ضد عدوي الآخر، علماً بأن أياً من العدوين عندما ينتصر على الآخر ستتحول سكينه إلى رقبتي كما سبق أن تحولت في عدة مناسبات ضد رقاب من كانوا حلفاء عدو وفق القاعدة البدائية الغبية “عدو عدوي صديقي.”
في مثل جو التزاحم هذا بين الأعداء على إقتسام الضحايا لتفادي فقدان الوصاية وبعد إغتيال موسوي في سوريا يرجّح تنفيذ كابوس إغتيال شخصية لبنانية يثير قتلها حرباً أو حروباً أهلية تمنع إنتقال لبنان إلى حقبة الشرق الأوسط الجديد وتبقيه أسير حكم البلطجية تحت وصاية تحالف سلاح الغدر والمال القذر.
وسط هذه الأجواء من تفشي البلطجة وتوسّع جهل المتلقي قياساً إلى خبث الفاعل أحسن سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان إذ أقفل أبواب التفاهة على بعض من تستهلك سياراتهم وقوداً بأكثر من قيمة رواتبهم ويضيع ميزان ألسنتهم كلما إرتقوا منبر الخطابة.
يبقى أن يقاضي سماحته الإعلام السوقي الذي يتبارى في الإساءة إلى كرامة الطائفة.. لعلهم يتعظون.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لا يطلب وقف النار إلا الخاسر | هديتان من سوريا في نفس اليوم | فوز ترامب أسقط مهمة هوكشتاين في لبنان |