الإغتيال الثاني لرفيق الحريري
في اليوم الأخير من السنة الفائتة أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إنهاء عمل المحكمة الدولية، رحِم الله رفيق الحريري ، فتاريخ “إقفال” المحكمة الدولية هو تاريخ اغتياله الثاني
كتب جان الفغالي لـ”هنا لبنان”:
في كانون الأول من العام 2022، فجَّرت وزيرة الدفاع والخارجية الفرنسية السابقة ميشال أليو ماري، قنبلة قضائية تتعلق بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فأعلنت في حديث تلفزيوني أنّ الرئيس الفرنسي جاك شيراك كان مقتنعاً منذ البداية أنّ حزب الله، ومِن ورائه النظام السوري، هما من نفذا الاغتيال. وأشارت أليو ماري إلى أنّ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان خضعت لضغوط كبيرة من طرف النظام السوري حتى لا تظهر أسماء مسؤولين سوريين في الحكم النهائي للمحكمة، وهو ما يُفسّر صدور تقريرين مختلفين عن المحكمة لجهة الأشخاص المشتبه بتورطهم بالجريمة. وقالت رئيسة الديبلوماسية الفرنسية السابقة: الأسماء التي كان مطلوبًا سحبها، ذكرت في التقرير الأول للجنة التحقيق الدولية.
كلام إليو ماري جاء دحضًا متأخرًا لِما كان قضاة المحكمة قد تحدثوا عنه من أنه “لا يوجد دليل على تورط قيادة حزب الله أو سوريا في الهجوم”.
بعد سنة على هذه القنبلة، وتحديدًا في اليوم الأخير من السنة الفائتة، يعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إنهاء عمل المحكمة الدولية، المحكمة كانت توصلت إلى إصدار أحكام بالسجن المؤبد على ثلاثة من حزب الله وهم سليم جميل عياش، وحسن حبيب مرعي، وحسين حسن عنيسي. في المقابل، نفى مسؤولو حزب الله مراراً تورط أعضاء منه في عملية التفجير ورفضوا التعامل مع المحكمة، حتى أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وصف المتهمين بأنهم “قديسون، ونحن ليس لدينا مجرمون”.
لإنعاش الذاكرة، مفيد في هذا المجال أنّ المحقق ديتليف ميليس كان كشف في مقابلة مع صحيفة “وول ستريت جورنال” أنه دخل على الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي أنان، وسلَّمه تقريره متضمنًا أسماء معينة، لكن أنان طلب منه إزالة أكثر من إسم بينهم لبنانيون وسوريون. الواقعة ذاتها كشفتها مجلة “شتيرن” الألمانية، بعدما أجرت مقابلة مع ميليس. المجلة في تقريرها طرحت علامة استفهام بشأن الأمين العام للأمم المتحدة المنتهية ولايته كوفي عنان والذي كان ميليس أبلغه بخلاصة تحقيقاته قبل وقت قصير من تقديم تقريره إلى مجلس الأمن الدولي. وأشارت المجلة إلى أنه بعد خمسة أيام من حديث ميليس وعنان، قام المساعد الشخصي لعنان إبراهيم الغمبري بإبلاغ السفير السوري لدى المنظمة الدولية فيصل المقداد باكتشافات ميليس المقلقة، مستشهداً بوثيقة سرية للأمم المتحدة كمصدر لمعلوماته. وكتبت شتيرن تقول: “عرف السوريون بالتالي ما يجب عمله”.
يكشف ميليس أنه تعرَّض لتهديدات في لبنان، فيقول: “أبلغني مجلس الأمن الدولي أنه لا يمكنني أن أبقى أكثر من ذلك في لبنان لدواعٍ أمنية”، ويتابع ميليس: “عندما حضّرت التقرير الأصلي كنت أظن أنه سيكون سرياً، وأننا سنظهر للعيان وثيقة تتضمن معلومات أقل، ولكن تغير الوضع في نيويورك وعلمت أن أنان يريد إظهار هذا التقرير للعلن فعندها تدخلت وطلبت حذف بعض الأسماء”.
هل يطوي إنهاء عمل المحكمة كل هذه الالتباسات؟
كان اختصاص المحكمة يشمل ملفات أخرى تمّ تحديدها قضائياً على أنها “مرتبطة” باغتيال الحريري، وقد تركتها (أو أهملتها) المحكمة من دون البت فيها، وهي قضية اغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني، جورج حاوي، ومحاولتا اغتيال الوزير السابق إلياس المر، والنائب الحالي مروان حمادة، فهل تسقط هذه الملفات بإنهاء المحكمة؟
يقول مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، في محاولة لتخفيف وقْع ما حدث: ما حصل لا يعني نهاية القضايا التي أنشئت من أجلها المحكمة، فإذا تمكنت السلطات اللبنانية من توقيف أي من الذين أدانتهم المحكمة، سيعاد تحريك الملف من قبل الأمم المتحدة وأجهزتها المختصة، بعد التشاور مع السلطات اللبنانية المختصة”.
يعرف الأمين العام للأمم المتحدة أنّ هذه الفرضية مستحيلة، فالمتهمون طليقون، وفي ظل عدم القدرة على توقيفهم لمحاكمتهم، تبقى العدالة منقوصة، حتى وإنْ كُشِفت الحقيقة.
رحِم الله رفيق الحريري، فتاريخ 31 كانون الأول 2023، تاريخ “إقفال” المحكمة الدولية، هو تاريخ اغتياله الثاني.
مواضيع مماثلة للكاتب:
هل سقطت معادلة “الشعب والجيش و… إيران”؟ | راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها | لبنان أمام عشرة أسابيع حاسمة |