الضربات في اليمن.. مجرد تحذير؟
ترجمة “هنا لبنان”
كتب ميشال توما لـ “Ici Beyrouth“:
الأمر كان متوقعاً…كيف لا والضربات التي شنتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ليل الخميس ضد مواقع في اليمن تأتي بعد الهجمات المتكررة للحوثيين في البحر الأحمر؟ تأتي هذه الضربات التي استهدفت أكثر من اثني عشر منشأة وموقعاً عسكرياً تخضع لسيطرة الحوثيين المؤيدين لإيران، بما في ذلك العاصمة صنعاء وميناء الحديدة بعدما استثمر الحوثيون (الذين يعدون من أهم وكلاء الحرب لطهران بعد حزب الله و”الحشد الشعبي” في العراق) مسيّراتهم وحتى صواريخهم لتهديد حركة الملاحة البحرية والتجارية في منطقة باب المندب. أضف إلى ذلك أنّ البيان الصحفي الصادر عن البيت الأبيض حوالي الساعة 2:30 من صباح الخميس، شدد على تضرر أكثر من 50 دولة من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر مع اضطرار ما لا يقل عن 2000 سفينة إلى تغيير مسارها، مما تسبب بارتفاع تكاليف الشحن البحري، ومعها أسعار بعض المنتجات في عدد من البلدان.
وحتى وقت متأخر من مساء الخميس، كانت وسائل الإعلام الأميركية والبريطانية تشير بالفعل إلى احتمال شن عملية وشيكة ضد الحوثيين في اليمن، وهذا لوحده كفيل بمنح حلفاء طهران الوقت الكافي لاتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من الأضرار والخسائر. فهل يعقل أنّ هذه التسريبات الإعلامية مدبرة للحد من نطاق الضربات الأميركية والبريطانية ومنحها بعداً تحذيرياً جدّياً لأتباع الحرس الثوري الإيراني؟
يبدو أنّ أحد التصريحات يؤكد هذه الفرضية، فقد استبعد مسؤول أميركي كبير مساء الخميس أيّ “رغبة في التصعيد” بعد الهجوم المشترك.
وبغض النظر عما سيحدث تالياً، تؤكد الضربات التي شنتها القوات الأميركية والبريطانية، “بدعم من أستراليا وهولندا والبحرين وكندا”، وفقاً لمصدر رفيع المستوى في البنتاغون، ما يشكل حقيقة بديهية ويفضل مع ذلك بعض المراقبين حجبه، وعلى وجه التحديد، الطبيعة العالمية للصراع مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ويتطلب الصراع العالمي استجابة عالمية وجذرية. وقد أشار البنتاغون مؤخرًا إلى أنّ القوات والقواعد الأميركية في العراق وسوريا كانت هدفًا لـ 130 هجومًا منذ 7 أكتوبر.
الحقيقة أنه في مثل هذه المواقف، يشكل رد الفعل المحدود والدقيق حافزًا للخصم ويؤدي حتماً لتصعيد الأعمال العدائية… خصوصاً إذا كانت هذه الأخيرة مدعومة بأيديولوجية (ثيوقراطية كذلك) ورؤية جيوسياسية لا تراعي المصالح الأساسية لسكان البلدان الأخرى التي يفترض أنها “حليفة” إلا قليلاً. وكثيراً ما ننسى أن الباسداران (الحرس الثوري الإيراني) وضع لنفسه هدفاً استراتيجياً في أعقاب وصول آية الله الخميني إلى السلطة في العام 1979، وسعى منذ البداية، لتصدير الثورة الإسلامية. ولهذه الغاية، رسخ أدواته لإنشاء دولة داخل الدولة: جيش موازٍ قوي، وأنشطة اقتصادية مستقلة واسعة النطاق، والسيطرة على الموانئ الهامة وشركات الطيران وجهاز المخابرات والدوائر المالية (التي تحيط بها الشكوك على الأغلب) وما إلى ذلك.
وتأكد الحرس الثوري من إقران القول بالفعل، إذ أدت عملياته الواسعة لتصدير الثورة الإسلامية، والتي استهلها بتصميم واحترافية في أواخر السبعينيات، لزعزعة الاستقرار في المنطقة بأكملها بشكل تدريجي. ونجح باعترافه الخاص، بفرض سيطرته على العراق واليمن وسوريا وغزة ولبنان طبعاً، علماً أنّ محاولاته أجهضت في البحرين، بالتوازي مع حملته الإعلامية والسياسية الحثيثة ضد السعودية.
وهكذا غرز الحرس الثوري مخالبه ببطء ولكن بثبات تدريجياً، وصولاً لمرحلة السيطرة على مراكز صناعة القرار. ويتّضح أنّ الحرب في غزة والاشتباكات في الجنوب اللبناني والاضطرابات الأمنية في العراق وسوريا، فضلاً عن التوترات التي هزت المنطقة برمتها منذ تشرين الأول الماضي، هي العواقب المباشرة والمتوقعة للتوسع التدريجي والممتد على مدى أكثر من أربعة أعوام.. عقود من محاولات ترسيخ الإمبراطورية الفارسية الجديدة.
كل ذلك يعني أنّ الصراع عالمي وشامل. وبالتالي، لا بد من أن تأتي الإستجابة عالمية وأن تتجاوز “الإنذار” بأشواط. وإلا سيستمر التوسع الخطير لمشروع زعزعة الاستقرار إن لم يتم إيقافه بشكل جذري. والآن بات من الضروري أكثر من أي وقت مضى، فرض نظام إقليمي جديد على ملالي طهران المتطرفين. حينها، ربما تستسلم رؤوس الحربة في الجمهورية الإسلامية لطريق السلام الدائم وللانفتاح على “الآخر”.. وتحديداً في لبنان…