لبنان الفدرالي: هل يكون الحل؟
بين الحفاظ على دستور الطائف والدولة التي تدار بمركزية شديدة، والرغبة في تطبيق نظام خصوصيات الجماعات اللبنانية المتنافرة، يدخل لبنان في أزمة عميقة. فهل سيكون النظام الفدرالي الحل الأمثل؟
كتب جوني فتوحي لـ”هنا لبنان” :
كلما ألمّت مصيبة بلبنان الكبير الذي تمّ الإعلان عن تأسيسه من قصر الصنوبر في العام 1920، علت الأصوات التي تنادي بتغيير الدستور والنظام، باتجاه تطبيق الحلّ الفدرالي، للوطن المتنوع طائفياً ومذهبياً، الذي يعاني منذ العام 1920 مروراً بالاستقلال وصولاً إلى الحرب الأهلية في العام 1975، من حروب باردة وساخنة، كانت كل منها تصدمه في كيانيته وأسس وجوده.
بين الحفاظ على دستور الطائف والدولة التي تدار بمركزية شديدة، والمسيطر عليها من سلاح الأمر الواقع، والرغبة في تطبيق نظام خصوصيات الجماعات اللبنانية المتنافرة، يدخل لبنان في أزمة عميقة، لا تتيح الانتقال إلى حل وطني مستدام، وقابل للحياة.
فهل سيكون النظام الفدرالي الحل الأمثل، وكيف يمكن تطبيق هذا النظام في ظل وجود السلاح القادر على تحقيق أرجحية داخل النظام والتركيبة اللبنانية؟
بارود: اللامركزية الموسعة هي الحل
أشار الوزير السابق زياد بارود في حديث لـ”هنا لبنان” أنّ “الفدرالية، مثل اللامركزية، هي شكلٌ من أشكال الحكم المحلي، ولكن الفرق بين النظامين كبير، على الرغم من أنهما ضمن دولة موحدة وليست دولة منفصلة. لذا، يظل كل منهما ملتزماً بمبدأ وحدة الدولة، لكن يحدث الفارق في التوسع، حيث تصل الفدرالية إلى مناطق تتمتع بحكم ذاتي، حتى على مستوى التشريع والضرائب والقضاء. بينما تبقى اللامركزية تحت سلطة مجلس النواب في ما يتعلق بالضرائب، دون وجود تفويض محلي”.
وأضاف، “من بين الإصلاحات التي وردت في اتفاق الطائف، الإصلاح الذي ينص على اللامركزية الإدارية الموسعة، وأؤكد على كلمة “موسعة”، لأنها تحمل الأهمية باتجاه التنمية. لم يتم تطبيق هذا الإصلاح حتى اليوم، بعد مرور 34 عاماً على اتفاق الطائف، لذا انتقل البعض إلى مفهوم أبعد، وهو الفدرالية”.
وشدد بارود على تأييده للامركزية الموسعة، “على الرغم من أنني من محبذي اللامركزية الموسعة، ورغم ترأسي لجنة وضع مشروع القانون في عام 2014، إلا أنني لا أنكر أهمية مناقشة الفدرالية كأداة أخرى للحكم المحلي. ويمكن مناقشة هذا الموضوع بشكل مفتوح، وفي رأيي، الأهم هو اتخاذ الخطوات الأمثل للبلاد في الوقت الحالي، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها”.
وقال: “اللامركزية في اتفاق الطائف كانت محل اتفاق واسع، ولكن كيف يمكن لإصلاح مُتفق عليه عمره 34 عاماً ألّا يتمّ تنفيذه؟ إذا كان مجلس النواب لا يزال غير قادر على إقرار اللامركزية الإدارية الموسعة، فهل سيقبل البعض باللجوء إلى الفدرالية؟
وأضاف: “إذا كانت اللامركزية ستظل مجرد شكل دون توفير الموارد المالية، فلا داعي لتطبيقها، يجب أخذ العبرة من معاناة رؤساء البلديات اليوم، والسبب ليس نقص الصلاحيات، بل نقص الموارد المالية لتنفيذ هذه الصلاحيات. لذا، تبقى قضية اللامركزية أو الفدرالية، مرتبطة بقدرة الدولة على توفير الموارد المالية اللازمة”.
وأضاف بارود: “يجب أن يكون النقاش حول نظام الحكم المحلي مفتوحًا لكل اللبنانيين، وأن يركز على كيفية جعل لبنان يعمل بشكل أفضل على مستوى مؤسساته. الهدف الأبرز والأهم هو تحسين حياة الناس وضمان عيشهم بشكل أفضل”.
وأعتبر أنّ إدارة التنوع تشمل التنوع الطائفي والسياسي والثقافي والفكري، ويجب أن نركز على كيفية جعل جميع المواطنين، جزءاً من المعادلة، بدلاً من التركيز على الأقليات كمجموعات طائفية. فإدارة التنوع تسهم في تعزيز الحياة الوطنية.
وختم بالقول: “قوة السلطة المركزية في لبنان هي مصلحة وطنية، وتقويتها تساهم في تعزيز ازدهار المناطق. حتى إذا كنا ننظر إلى اللامركزية أو الفدرالية، يجب أن تظل السلطة المركزية قوية لضمان استقرار البلاد”.
سعيد: كنت وسأظل ضد الفدرالية
ومن جهته، شدد النائب السابق فارس سعيد على معارضته لنظام الفدرالية، وقال: “اليوم وأكثر من أي يوم مضى أعتبر أن لبنان الكبير، هو لبنان الذي نريد العيش فيه متساوين، في ظلّ دولة القانون والعيش المشترك. إنّ معنى لبنان هو العيش المشترك، وإلا فلا معنى له، وأضاف: أعتقد أن هذه الأرض هي أرض الجميع، وهي أرض العيش المشترك. والعيش المشترك لا يعني التطابق، بل يعني العيش بين أشخاص مختلفين سياسياً، ثقافياً، وفي جميع الجوانب. لقد اكتشفت التجربة اللبنانية مساحات مشتركة بين أشخاص مختلفين، وأدت إلى عيش مشترك، وأنا أؤيد هذه الحالة.
وأضاف في حديث لـ “هنا لبنان”: “نحن في لحظة إعادة ترتيب المنطقة، وحتى يكون هناك فيدرالية في لبنان، يجب أن تذهب المنطقة في هذا الاتجاه أيضًا. لا أعتقد أنّ هناك أي اتجاه إداري أو سياسي يتجه نحو الفيدرالية في سوريا، العراق، اليمن، أو في أي دولة من الدول العربية المجاورة”.
وأكمل، “لنفترض أن من يتحدث عن الفيدرالية ضاق صدره من السلاح الموجه عليه، وأن الحزب دعم الفيدرالية من أجل فرض شروطه على اللبنانيين، من هي دائرة النفوذ العربية أو الإقليمية أو الدولية التي تدعم فكرة الفيدرالية في لبنان؟ لا أحد”.
وأضاف: “كنت ضد هذه الفكرة، وما زلت ضدها، ولكن لا أتمتع بأي قدرة على إيقاف هذا المشروع. إذا كان لدي القدرة، لكنت قد فعلت ذلك. وعن انتقاده للأحزاب المسيحية قال: من يريدون دولة لبنان الكبير يجب أن يعلنوا تأييدهم للعيش المشترك. لا أرى السلوك الذي تحكم بوجهة نظر، أو بمبادرات سياسية ذهبت في هذا الاتجاه.
وختم: اللافعالية السياسية لا تقتصر على الأحزاب المسيحية فقط، بل على كل الأحزاب ما عدا حزب الله.
الرياشي: لتطبيق الفدرالية
وفي سياق متصل، قال الأمين العام للمؤتمر الدائم للفدرالية الدكتور الفرد الرياشي لـ “هنا لبنان” عندما ندعو إلى الفيدرالية، نطلب أيضاً تبني مفهوم الحياد. مشكلتنا السياسية هي أننا أسسنا دولة مكونة من طوائف عدة، وهذه الطوائف تحمل هويات جماعية، ولديها خصائص تاريخية، ثقافية، وسياسية. وبالتالي، يصبح من الصعب تكاملها مع بعضها البعض، وهو أمر شبه مستحيل. وبالتالي، يعد النظام الأكثر نجاحاً الذي أثر إيجاباً على البلدان ذات التنوع هو النظام الفدرالي الاتحادي.
وأضاف: هناك العديد من المناطق التي تحتوي على موارد كبيرة، وتلك الموارد لا تستخدم بشكل صحيح لعدة أسباب، أولاً، نظراً لسيطرة السلطة المركزية، ما قد يؤدي أحياناً إلى إدارة فاشلة. ثانياً، تؤدي الاختلافات بين المواطنين إلى اللجوء إلى مفهوم الزعيم، ويمكن أن يتسبب هذا الزعيم ومجموعته بالفساد. عندما تشعر الطوائف بالحصار من طوائف أخرى، يكون هناك حاجة ملحة إلى وجود زعيم، وبالتالي، عند اعتماد نظام فدرالي، يمكن الحفاظ على المقاومات الاقتصادية في كل منطقة.
وأضاف: في النظام الفيدرالي، لا يوجد مفهوم للجيوش، بل هناك جيش واحد. من جهةٍ أخرى، يجب تطبيق مفهوم الحياد، وإلا فليس هناك حاجة لتطبيق نظام فدرالي.
وبالنسبة للأقليات، قال: ستحصل الأقليات في الأطراف على حقوقها أكثر من اليوم في حال تطبيق الفيدرالية، من خلال ما يعرف بالـ”County System”، معتبراً أن الفدرالية هي العدالة للجميع.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجيش يضبط المطار: نموذج سيعمم على كل لبنان | إرث لبنان المهدد بين نيران الصراع وصمت العالم | سياحة على وقع الحرب ضربات متتالية على الرأس |