هل يتجاوب “الحزب” مع هوكشتاين
مهمة هوكشتاين ليست سهلة كسابقاتها، وتأتي على إثر اندلاع حرب عبثية متبادلة توسعت لتصل نيرانها إلى المنطقة، واستنفرت فيها إيران كل أذرعها في المنطقة لفرض توتر إقليمي
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
جاء هوكشتاين إلى بيروت َن تل أبيب، رغم كل الصعوبات والمطبات الإسرائيلية وإصرار نتنياهو على عملية قتل وإبادة الفلسطينيين، أتى رغم أنّ مهمته هذه المرة ليست لبنانية تحديداً، وليست حدودية فقط ولا علاقة لها بترسيم الحدود البحرية التي أنجزها في السابق.
إنها هذه وتلك، صعبة ومعقدة وشبه مستحيلة، تفرض عليه التعاطي مع المواجهة بين لبنان وإسرائيل ووقف النزف المستمر على الحدود الجنوبية اللبنانية-الإسرائيلية ومحاولة إقناع الطرفين بتسوية معقدة ومركبة، أي حل النقاط الثلاث عشرة العالقة من ترسيم الحدود عام ٢٠٠٠ بعد انسحاب إسرائيل، وكذلك في الوقت عينه محاولة وقف تهديد نتنياهو باقتحام لبنان وإدخاله في معركة القضاء على “حماس” إذ أنه رغم أهدافه التوسعية التدميرية فهو يريد أن يثبت أنّ الجنوب اللبناني هو القاعدة الخلفية للتنظيم الفلسطيني ذي الصبغة الإسلامية. وهو يسعى في الوقت عينه لإغراق اللبنانيين وتحويل الصراع إلى صراع طائفي عبر إثارة الفتنة بين المسيحيين والمسلمين وليس بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من خلال التركيز على قصف القرى المسيحية إذ أنّ “حرب الله” قدم له الذريعة بانتشار عناصر مسلحة منه في هذه القرى، ونصب في بعضها مثل قرية رميش منصات صواريخ لإطلاقها نحو إسرائيل.
إذاً مهمة هوكشتاين ليست سهلة كسابقاتها، وتأتي على إثر اندلاع حرب عبثية متبادلة توسعت لتصل نيرانها إلى المنطقة، سواء من عنف وهمجية نتنياهو وتخطيط إيران في استنفار كل أذرعها في المنطقة وتوظيفهم في فرض توتر إقليمي يجعل الدول العربية تحت رحمة طهران.
غير أنّ هوكشتاين دبلوماسي محنك وصاحب نفس طويل يركز على الحلول السلمية ووسائل الإقناع وعلى المصالح المشتركة كما فعل عندما أقنع الطرفين بترسيم الحدود البحرية في خريف عام ٢٠٢٢ بما فيهم “حزب الله” الذي كانت موافقته أساسية عندما مهّد لحليفه ميشال عون صاحب الصلاحية الرئيسية في هذا المجال من موقعه في رئاسة الجمهورية، وعندما كانت الحكومة تتمتع بصلاحياتها كاملة، فيما اليوم لا رئيس جمهورية في قصر بعبدا ولا حكومة أصيلة بل حكومة تصريف أعمال ولبنان في ظل حالة حرب.
إنّ ما يعمل عليه هوكشتاين هو السعي لفرض تطبيق القرار الأممي ١٧٠١ الذي أقِرّ عام ٢٠٠٦ والذي يجعل من الجنوب منطقة هادئة تحت سيطرة الجيش اللبناني الشرعي والقوات الدولية (“يونيفل”) التي ترتبط منذ ١٩٧٨ بالجنوب والتي تم تعزيزها في عام ٢٠٠٦ بحوالي ١٥ ألف جندي كي تقوم بدور حماية الحدود اللبنانية وإبعاد الميليشيات المسلحة عن الحدود أي منع أي تواجد غير شرعي شمال نهر الليطاني، وهذا يشمل عملياً ميليشيا “حزب الله” الذي لم يحترم هذا القرار والذي يستبيح وجود الدولة كونه الحزب الوحيد المسلح والذي يعلن ولاءه لإيران بكل صراحة. فهل سيتجاوب الحزب مع مهمة هوكشتاين كما فعل في المرة الماضية؟ هناك من يراهن على براغماتيته كونه الذراع الأساسية لطهران التي تتكل عليها في أكثر من دور ومهمة في المنطقة، ولأنه يعرف تماماً أنها لا تريد الحرب والغرق في حرب عبثية، خاصة بعد أن تبين أنّ هناك مفاوضات مع واشنطن التي أرسلت لها رسالة “شديدة اللهجة” في هذا الخصوص كما أكد الرئيس جو بايدن!
إلا أنّ هذا لا يعني أنّ طهران ستتراجع عن سياسة الاستمرار في الضغط والاستفزاز على مجمل الوضع وتحديداً على أذرعها المنتشرة في المنطقة بدءاً من اليمن، مروراً بالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين. خصوصاً بعد القمة العربية-الإسلامية التي أظهرت أنّ السعودية التي تلعب دوراً متوازناً هي تقود زمام المبادرة على الصعيد الدولي وتتصدر الموقف الذي يطالب بوقف إطلاق النار في غزة. وكانت إيران قد حرضت “حماس” على خوض معركتها في ٧ تشرين الأول وفاجأت الجميع بالإعلان عن تبنيها والقول إنها تشكل ثأراً لقاسم سليماني الذي اغتالته الإدارة الأميركية السابقة، ثم اضطرت بعدها للتراجع عن هذا التبني. وبعدها قامت بعض المليشيات العراقية بمهاجمة قواعد عسكرية أميركية، عدا ما يقوم به “حزب الله” سياسياً وعسكرياً في لبنان وسوريا والمنطقة. واخيراً الحوثيين في اليمن الذين فتحوا معركة تعطيل الملاحة الدولية عبر ضرب السفن التجارية التي تشحن البضائع على أنواعها وتنقل المشتقات النفطية والمواد الغذائية والاستهلاكية. وقد استرسل الحوثيون في هذا التصرف اللامسؤول إلى أن جاءهم الرد البريطاني وتبعه الأميركي اللذين قاما بقصف أكثر من موقع وتجمع للحوثيين في صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية، ودعمتهم معظم الدول الأوروبية، فيما لم يلقَ الحوثيون حتى الدعم من الروسي خصم الولايات المتحدة وبريطانيا الذي أدان الضربة، ولكنه أدان في الوقت نفسه تعطيل الملاحة في البحر الأحمر من قبل الحوثيين. فهل هذا يعتبر دعماً للفلسطينيين؟ وهل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وبطش نتنياهو تكون بالرد العشوائي وممارسة العنف على العالم وفي أي اتجاه كان؟ وهل مواجهة الاحتلال والقهر والاستبداد تكون بممارسة نفس الأساليب لا بل أبشع منها؟ وهل لا رأي عام في معظم الدول الأوروبية لا يستحق الاهتمام والتوجه له بشرح القضية وممارسة أساليب حضارية توثر فيه وتجعله مؤيداً ومتعاطفاً مع الشعب الفلسطيني ومع مفاهيم العدالة والحرية والاستقلال كما حصل مؤخراً في لندن وباريس وغيرها من العواصم الأوروبية؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |