انتحلوا صفة “مخابرات”.. خطفٌ يشبه الأفلام البوليسية
رحلة خطفٍ بدت شبيهة بالأفلام التي يحبك المخرجون فصولها بطريقةٍ معقّدة، جعلت المخطوف يعيش لحظاتها العصيبة، قبل أن يقع الجناة في مصيدة حاجز أمني
كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:
رحلة خطفٍ ما بين الكرنتينا وضهر البيدر، لم تكن طويلة بالمسافة لكنّها بدت شبيهة بالأفلام التي يحبك المخرجون فصولها بطريقةٍ معقّدة، جعلت المخطوف يعيش لحظاتها العصيبة، قبل أن يقع الجناة في مصيدة حاجز أمني كان سبباً في نجاته.
التخطيط للعملية دام نحو أربعة أسابيع، بدأت حلقتها الأولى مع المحرّض الرئيسي الذي كان رفيق السجن مع أحد الخاطفين، وكان واثقاً من أنّ والد المخطوف -الميسور ماديّاً- والذي كان يعمل سائقاً لديه سابقاً، سيدفع الفدية التي يطلبها الخاطفون مهما ارتفعت قيمتها.
المشهد الأول لـ “الفيلم البوليسي”، بدأ مع وصول سيارة هيونداي سوداء اللون إلى منطقة الكرنتينا على مقربة من مرفأ بيروت، حيث ركنها السائق بالقرب من محل يحيى للأراجيل، ترجّل منها أربعة أشخاص ملثمين يرتدون ستراتٍ تحمل كتابةً عليها “مديرية المخابرات”، دخل ثلاثة من الملثمين المحل، معرّفين عن أنفسهم أنهم من مخابرات الجيش، وقاموا بقوة السلاح باقتياد المدعي يحيى محمد يحيى ابن صاحب المحل، إلى السيارة المذكورة وانطلقوا به مسرعين باتجاه البقاع.
ما إن وصل الخاطفون إلى منطقة ضهر البيدر، حتى عمدوا إلى نقل المخطوف من سيارة الـ “هيونداي” إلى “ڤان” وتابعوا طريقهم فوراً، إلا أنهم وما إن وصلوا إلى الحاجز الأمني، حتى ارتاب بهم عنصر الأمن فدبّ الرعب فيهم. استغل “يحيى” خوف أفراد العصابة فقفز من السيارة وفرّ هارباً، وعاد إلى بيروت قاصداً مركزاً لقوى الأمن الداخلي. هنا أحيل التحقيق على شعبة المعلومات، حيث استمعت إلى المدعي فأفاد أنّ أربعة ملثمين كانوا يرتدون سترات سوداء اللون مكتوب عليها “مديرية المخابرات” ومسلحين بسلاح حربي نوع كلاشنكوف، دخلوا عند الساعة السادسة والنصف محل والده المعدّ للأراجيل، وسحبوه من الداخل تحت وطأة التهديد بالرشاش، ووضعوه في السيارة، وكبلوا يديه خلف ظهره وعصبوا عينيه حاجبين عنه الرؤية، ثم انتزعوا منه هاتفيه الخلويين ومفتاح سيارته وانطلقوا به. بعد مسيرة استغرقت ربع ساعة، توقفوا ونقلوه إلى سيارة “ڤان”، وبينما كان ممدّداً على معقد خلفي من “الفان” خفّف السائق من سرعته وقال “عوافي”، فانتاب المخطوف شعورٌ بأن السائق توقف على حاجز أمني، فعمد إلى الضغط على يديه حتى تمكن من فك وثاقه ثمّ أزال اللثام عن وجهه، وهنا شاهد ثلاثة أشخاص، السائق وآخر بجانبه وشخص ثالث كان يجلس على المقعد الخلفي قرب الباب، فألقى بنفسه فوق الأخير، وفتح الباب وقفز من “الڤان”، وراح يركض بسرعة بعكس سير “الڤان” صارخاً “مخطوف مخطوف” فأقلته شاحنة كانت متجهة إلى بيروت وسمح له سائقها بالاتصال بشقيقه.
بعد أربعة أيام على الحادثة، وبناء على المعلومات التي أدلى بها المخطوف، ألقت دورية تابعة لشعبة المعلومات في منطقة راشيا، القبض على المتهم عباس أحمد شكر، وكان يقود سيارة مرسيدس MB140 عمومي بيضاء، فاعترف باشتراكه مع علي محمد شكر ابن عم والده، وشقيق زوجته حسين شريف الفقيه، وعصام بسام جعفر، بخطف المدعي من محل الأراجيل، حيث كانوا ملثمين ومرتدين “جيليه” مكتوب عليها “مخابرات” ويحملون جهازاً لاسلكيّاً معطلاً، فيما حمل كل من “علي” و”عصام” بندقية كلاشنكوف “أخمس” وعمدوا إلى الإمساك بالمدعي وإخراجه من المحل ووضعه في السيارة، التي استأجرها “علي” قبل ثلاثة أيام من عملية الخطف، وأزال لوحتها الأساسية وقادها فيما جلس هو إلى جانبه في المقعد الأمامي وجلس “عصام” و”حسين” في المقعد الخلفي، وانطلقوا باتجاه منطقة ضهر البيدر حيث كان يركن “الڤان” العائد له عند الجسر الحديدي، وبوصولهم إلى هناك قال أنهم “أنزلوا المدعي من السيارة، وتابع المتهم علي شكر السير بها باتجاه البقاع وأصعدوه في “الڤان” بعد أن طلبوا منه أن ينبطح خلفاً على أرضه، وعمل هو (أي عباس) على قيادته وجلس “حسين” بجانبه و”عصام” خلفه.
وبوصولهم إلى حاجز ضهر البيدر حاول الحاجز تفتيش “الڤان”، فسيطر عليه الخوف فاجتاز الحاجز وانطلق مسرعاً، وبعد أن قطع المحلة المعروفة بـ “جسر النملية” توقف جانباً وأنزل المخطوف، وانطلقوا مسرعين وعمدوا إلى رمي السترات والأسلحة من الشباك خوفاً من أن يكون العنصر الأمني قد أبلغ عنهم حاجز شتورا وتوجه كل منهم إلى منزله.
واعترف المتهم أنه كان موقوفاً في نظارة مكتب مكافحة المخدرات في زحلة، وهناك تعرّف على السوري محمد زهير تراب، الذي أخبره أنّه كان يعمل سائقاً في محلات يحيى للأراجيل قبل أن يُطرد منه، وأعلمه بأنّ صاحب المحل محمد يحيى رجلٌ ميسور، وأنهم في حال خطفوا ابنه فسيدفع فوراً أي مبلغ يحدّده كفدية لإطلاق سراحه، بالفعل قرّر الشاب تنفيذ العملية وحضر لها مدة خمس وعشرين يوماً مع باقي المتهمين.
محكمة الجنايات برئاسة القاضي المنتدب نسيب إيليا، أنزلت عقوبة الأشغال الشاقة خمس سنوات وجاهياً بالمتهمين الموقوفين: عباس شكر وعلي شكر وحسين الفقيه، وجرّمت كلًّا من عصام جعفر ومحمد تراب غيابياً وأنزلت بكل منهما عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة وجرّدتهم من حقوقهم المدنيّة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
أطفال لبنان يعيشون كابوس الحرب ويُرعبهم صوت “أدرعي” | سجناء لبنان ينزحون أيضاً: قلقون على حياتهم وذويهم | سجناء “رومية” يصعّدون تجاه الأوضاع اللاإنسانية |