الصراع الإقليمي: تصعيد “تحت السيطرة”
كتب ميشال توما لـ “Ici Beyrouth”:
لا يزال التصعيد الإقليميي المتزايد تحت السيطرة، أقلّه في المرحلة الحالية.. وهذا ما ترجم مؤخراً في حدث هو الأول من نوعه منذ 7 أكتوبر، حيث شنّ الحرس الثوري الإيراني هجوماً باليستيا مساء الإثنين على أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بالحكم الذاتي. ويأتي هذا الهجوم مكمّلاً لسلسلة من الهجمات الصاروخية التي نفذها حوثيو اليمن ضدّ السفن التجارية في البحر الأحمر.
ظاهرياً، يبدو وكأنّ المنطقة بأكملها تنزلق بلا هوادة نحو انفجار هائل وشامل.. فبؤر الصراع تنمو في أكثر من منطقة وتتوسع جغرافياً لتشمل مناطق جديدة، في أعقاب حرب غزة. وبعد أن كان التوتر خارج غزة محصوراً بالحدود اللبنانية الإسرائيلية، استهدفت مسيرات مواقع أميركية في العراق وسوريا، ثم في البحر الأحمر واليمن. كما توسعت رقعة الغارات والقصف الإسرائيلي تدريجياً لتطال مناطق جديدة من الجنوب اللبناني، شمال الليطاني وتحديداً إقليم التفاح. ومؤخراً، استهدفت أربيل بالصواريخ الباليستية.
وزاد دخول الحرس الثوري الإيراني إلى الساحة علناً، واعتباراً من الأراضي الإيرانية أيضاً، من حدة المخاوف من انفلات الوضع. الأمر الذي يدفع لطرح سؤال جوهري: لماذا إطلاق الصواريخ الباليستية على الأراضي العراقية، وليس على إسرائيل مباشرة، أو حتى على الأسطول الأميركي في البحر الأحمر؟ على الرغم من إعلان الحرس الثوري منذ البداية، استهداف مكتب للموساد في أربيل، سرعان ما نفى مصدر عراقي رسمي ومراقبون على الأرض هذه المزاعم، عبر إحدى القنوات الفضائية الناطقة بالعربية. ودفع ذلك الحرس الثوري الإسلامي للإشارة إلى استهداف منظمات كردية مناهضة لإيران. وفي الواقع، ربما يكون المستهدف أحد رجال الأعمال الأكراد وعائلته.
ويؤكد هذا التسلسل الزمني المقتضب للأحداث على حرص الأطراف الرئيسية المنخرطة في الصراع الحالي المسلح (أي الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران) على احتساب “تحركاتها” بعناية كي لا تستفز الخصوم أكثر من اللازم. وبانتظار ساعة التفاوض، يعكف كل طرف على تسجيل النقاط لتعزيز أو ترسيخ موقفه لكن دون تجاوز الحدود وبعض الخطوط الحمراء المتعارف عليها ضمناً.. انزلاق تحت السيطرة بعناية!
عمليًا، لا تتورع إسرائيل عن توجيه ضربات قاسية لحزب الله، لكن دون الذهاب (أقله في الوقت الراهن) إلى حد الحرب الشاملة، بالشكل الذي يسمح لحليف طهران بالتظاهر بأنه “مقاوم” وبتبرير انتشار ميليشياته في الجنوب.. هي ورقة تفاوض يحتفظ بها للوقت المناسب. أما “الحزب” فيحتسب من جهته ردوده بعناية أيضاً. والحال سيان في اليمن بالنسبة للحوثيين الخاضعين لسيطرة طهران عن بعد، فهم يهاجمون حركة الملاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر، مع تجنب مهاجمة السفن الحربية الأميركية بشكل مباشر. كما أنّ التوقعات حول الهجمات الأميركية والبريطانية الأخيرة على مواقع الحوثيين والبنية التحتية في أواخر الأسبوع الماضي تسربت تقريبًا قبل عدة ساعات في الليلة السابقة، من خلال وسائل الإعلام في واشنطن ولندن. وبالتوازي، من المؤكد أنّ الغارات الغربية ستقلل من حجم الضرر الذي يحدثه حلفاء إيران، لكن دون القضاء عليهم تماماً، مما سيسمح لطهران بالتعويض بسرعة عن الخسائر في المعدات العسكرية. أما عن تحرك الحرس الثوري، فهو لا يدخل إلا في نطاق مهاجمة كردستان العراق وليس إسرائيل.
الأمر أشبه بلعبة القط والفأر التي لا يلوح لها أفق.. يتمعن الخصم بإيذاء الخصم، بشكل أو بآخر حسب الظروف، ولكن مع توخي عدم القضاء عليه!
ومع ذلك يبقى الأمل في أن تفضي هذه اللعبة الشاملة في وقت ليس ببعيد للبحث عن تسوية عالمية وعقلانية ودائمة، قادرة على وضع حد للمحن القاسية التي يرزح سكان هذه المنطقة تحت وطأتها منذ عقود طويلة.
مواضيع ذات صلة :
بين الحياد واللامبالاة! | أربع حالات انتحار في أسبوع واحد.. ماذا بعد؟! | عبر “تبييض الأموال”… أفراد من “الحزب” يسيطرون على اقتصاد الكاميرون! |