المالية العامة.. “قصة كبيرة”

ترجمة هنا لبنان 24 كانون الثاني, 2024

ترجمة “هنا لبنان”

كتب نيكولا صبيح لـ”Ici Beyrouth“:

تعج الصفحات الأولى بالكلام عن المالية العامة، كيف لا وقد بزغ فجر عهد جديد وسجّل إنجاز أسطوري: الموازنة العامة قد عرضت وربما يتم إقرارها في موعدها لأول مرة منذ 20 عاماً! أنظار العالم كلها شاخصة، الخطب الاحتفالية تتضاعف ومعها الهمهمات على المصورين. فهل عادت الساعة المالية للعمل في لبنان؟ هذا إن وجد مثيل لها في مجال الدولة..

• بالنسبة لنجيب ميقاتي، الذي تشع عيناه فخراً بتسييره لشؤون الدولة، يرى أن العام 2023 قد شهد فائضاً في المالية العامة، لأول مرة منذ عقود. ولكن تجدر الإشارة أولاً إلى أن هذا لا يعني أنّ الكل مجبر على تصديقه، ففي الواقع، لم يعرف لبنان منذ العام 2005، أي “إقفال حسابات”، ونعني به الوثيقة التي يجب التحقق منها حسب الأصول والموافقة عليها من قبل ديوان المحاسبة والبرلمان، عملاً بما نصّ عليه الدستور. وبالانتظار، الكلام ليس ملزماً لأحد..

• وعلى افتراض صحة ما سبق، لن يكون الفائض نتيجة لممارسة مالية تتوخى التقشف، بل سيأتي أقرب للغش. ففي سياق محاولتها خفض الإنفاق، تمنعت الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها بشأن اليوروبونات أو الفوائد على سندات الخزينة (بالليرة اللبنانية) للبنك المركزي، ولم تعد توفر سبل العيش للبلديات والمستشفيات والمدارس والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي… وجيشها الخاص من موظفي الخدمة المدنية. ولم تعد تكلف نفسها عناء ترقيع النقاط المتهالكة على الطريق السريع أو فتح مصارف مياه الأمطار أو إضاءة الأنفاق. كما أنها لا تحسب “سلف الخزانة” التي توزعها على الوزارات، على افتراض أنها قابلة للاسترداد مع أنها لن تكون كذلك أبداً.

حتى أن ميقاتي تفاخر في دافوس بقدرته على “إدارة” البلاد عام 2022 بنفقات تبلغ 750 مليون دولار، فيما بلغت موازنة 2019، 17.2 مليار دولار. لكن ذلك يطرح سؤالاً جوهرياً: إذا تمكنا من إدارة البلاد بـ 750 مليار دولار، فهل يعني ذلك أننا أهدرنا 16.5 مليار دولار في عام 2019؟

وفي كل الأحوال، حتى لو أعيدت صياغة موازنة 2024 من قبل البرلمان، أو الحكومة إذا تعذر ذلك. لن يتغير شيء، باستثناء الضرائب الثقيلة التي ستزيد من التهرب الضريبي. ومع ذلك، لا يزال المسؤولون متفائلين ويتوقعون تحوّل العجز إلى فائض لسببين واضحين على الأقل: الأول، العثور على مصدر جديد للأموال في وزارة المالية، أو ربما مجرد خطأ في الحسابات.. وربما هو خطأ الآلات الحاسبة نفسها.

أما المصدر الثاني للإيرادات، فيتعلق بإعادة طرح مسألة سجلات العقارات بصفتها مصدراً رئيسياً للأموال. والمدهش في الموضوع أن جل ما تطلبه الأمر، دعوة عبر عنها وزير المالية للعودة إلى العمل.. دعوة تأتي متأخرة بعد 14 شهرًا من الإضرابات وتراكم 50 ألف ملف.

ولكن لماذا توجب انتظار كل هذا الوقت لحل العقدة؟ يبقى ذلك لغزاً بالنسبة للبعض. لكن، الحقيقة ليست كذلك في الواقع، بل تخفي وسيلة أخرى، مجدداً، لمعاقبة إحدى المناطق (جبل لبنان) التي تشكل القلب الاقتصادي للبلاد، ولمواصلة العمل على تفكيك الدولة.

في ما يتعلق بالإنفاق، لا تتوقع الموازنة أي شيء تقريباً في عنصر الاستثمار، وتحديداً نوع الإنفاق الذي يعزز النمو. وحتى أن المشاريع المزمع تنفيذها لسنوات عدة ستصطدم بطريق مسدود. حتى أن وزير الأشغال العامة، لم يخف صرخة اليأس على الرغم من عدم كفاءته الصارمة. وستغطي ميزانية 2024، 20% فقط من الحد الأدنى من احتياجات صيانة الطرق.. الحفر التي تسببت بانفجار الإطارات في العام 2020 ما زالت مكانها والهبوط في الطريق على أوتوستراد شكا ما يزال يعيق حركة المرور.

للتعويض عن التقصير في تلبية الاحتياجات، تلجأ الحكومة على الدوام للمساعدات الدولية، باعتبارها حقاً مكتسباً. لكن المجتمع الدولي بدأ يمل من تمويل هذا الإدمان في بلد لا يعرف كيفية إدارة شؤونه بالحد الأدنى.

الجدل استعر مع برنامج أمان لمساعدة الفقراء. لم يتوانَ وزير الشؤون الاجتماعية عن الكلام عن فضيحة لدى سماعه بتخفيض مبلغ الـ147 مليون دولار سنوياً إلى 33 مليوناً. الأمر الذي يعني أن الأموال المتوفرة تكفي حتى نهاية شهر آذار/مارس فقط. حتى أنّ الوزير ذهب حد التظاهر بالصدمة!

فهل كان الأجدى أن نشرح له أن أماكن أخرى من العالم تشهد أحداثاً دراماتيكية وأن المآسي الهائلة تتطلب كل مساعدة ممكنة، وأن ميزانيات الدول المانحة قد تقوضت بالفعل بسبب التضخم، وأن شعوبها تخسر أصلاً من قدرتها الشرائية.. وفي تلك الحالة، ربما لأجاب: “وما ذنبي في ذلك؟!”

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us