أي توقيت ستختاره إسرائيل للضربة في لبنان؟

العملية الإسرائيلية في لبنان يمكن أن تكون مسألة وقت، وما يجري اليوم على الحدود هو لعبة “عض أصابع” بين “الحزب” وإسرائيل وبديهي أن يصرخ أحد الطرفين قبل الآخر

كتب طوني عيسى لـ “هنا لبنان”:

فوجئ المتابعون بالموقف الذي صدر قبل يومين عن البيت الأبيض، على لسان الناطق باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، وجاء فيه بوضوح: “إننا لم نرَ “حزب الله” ينضم فعلياً إلى مساعدة “حماس” حتى الآن، بما يُمكن اعتباره توسيعاً للمعركة”.

والمفاجأة لا تكمن فقط في ما يؤشر إليه هذا الموقف من تفهّم تبديه إدارة جو بايدن لسلوك “الحزب” في الجنوب، بل في أنه يكشف الجهد الحثيث والعاجل الذي تبذله لمنع حكومة بنيامين نتنياهو من شن ضربة واسعة على لبنان ربما في الأيام القليلة المقبلة، وتحديداً مع مطلع شباط.

وهذا الاستعجال الأميركي يدعم المعلومات التي نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” قبل أيام، نقلاً عن مسؤول في واشنطن، وفيها أن حكومة نتنياهو أبلغت الأميركيين أنها ستمنح “حزب الله” مهلة قصيرة جداً لوقف عملياته، لا تتجاوز نهاية كانون الثاني الجاري. وبعد ذلك، سيتم الرد عليه بعملية عسكرية مدمرة.

حتى اليوم، لم يكن “حزب الله” يولي أهمية كبيرة للتهديدات الإسرائيلية بتنفيذ عملية عسكرية واسعة، ويعتبرها مناورة سياسية- إعلامية، لأن إسرائيل لن تفتح على نفسها حرباً قاسية في الشمال، فيما هي مربكة بالحرب في غزة.

وفي أي حال، هناك وجهات نظر متباينة داخل إسرائيل إزاء هذه المسألة. فوزير الدفاع يوآف غالانت يبدي حماسة لتنفيذها بشكل عاجل، فيما بقي نتنياهو يميل إلى التريث انتظاراً للتوقيت المناسب، بتأثير من الضغوط الأميركية التي تشجع الخيار السلمي.

ومنذ اندلاع الحرب في غزة، حاولت إدارة بايدن استغلال الفرصة للدفع في اتجاه تسوية على الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، على غرار تلك التي رعتها على الحدود البحرية. فهذه التسوية، بما تتضمنه من ترتيبات أمنية وضوابط في الجنوب اللبناني، من شأنها أن تريح إسرائيل، إذ تخلق حالة دائمة وثابتة من الهدوء على الحدود، وتفك ارتباط لبنان بغزة.

وقد حاول آموس هوكشتاين استثمار القناة التي فتحها في مرحلة سابقة مع “الحزب”، لتحقيق هذا الهدف. ولكن، تبين أن أوان التسوية المنشودة لم ينضج بعد لسببين:

1- عدم التوافق على الثمن الذي يجب أن يحصل عليه “الحزب” لكي يُخرج سلاحه ومقاتليه من الجنوب. وهذا الثمن يتجاوز الجنوب ليشمل التسويات السياسية في الداخل اللبناني.

2- لا تريد إيران أن تترك “حماس” وحيدة في الحرب. وهي ترفض التخلي عن مفهوم وحدة الساحات بين حلفائها في المنطقة.

ويراهن “حزب الله” على أن إبقاء الوضع الحدودي في وضعية “نصف حرب”، والاكتفاء بـ”مشاغلة” الجيش الإسرائيلي وتعطيل الحياة في شمال إسرائيل، سيكونان كافيين لمساعدة “حماس” من دون توريط لبنان.

وفي داخل الحكومة الإسرائيلية، هناك من يقبل ببقاء “الحزب” ضمن هذه المعادلة، ولا يرى مبرراً للرد عليه بعملية واسعة حالياً. وفي المقابل، ترتفع أصوات تقول بضرورة حسم الموقف على الجبهة الشمالية. فإما التهدئة الحقيقية وعودة المستوطنين إلى حياتهم الطبيعية وإما عملية واسعة تنهي الوضع بسرعة.

ولكن، بمعزل عن الدوافع الآنية التي يطرحها المتشددون والتي بها يبررون مطالبتهم بعملية عسكرية واسعة في لبنان، ثمة دافع آخر أكثر عمقاً وغير ظرفي، أي إنه لا يتعلق بالحرب الدائرة اليوم في غزة. وخطورة هذا الدافع أنه يحظى بتوافق كامل في الداخل الإسرائيلي، وهو الآتي: امتلاك إيران لصواريخ دقيقة قادرة على ضرب أي مكان في إسرائيل، الآن أو في أي وقت في المستقبل، وتموضع إيران على خط التماس مع إسرائيل في لبنان وغزة من خلال التنظيمات الرديفة.

وإبعاد هذا الخطر هو هدف تتوافق عليه كل القوى السياسية في إسرائيل. كما يلقى الإسرائيليون دعماً لتحقيق هذا الهدف من الأميركيين وحلفائهم الأطلسيين في أوروبا.

ففي حساب الأوروبيين أن وجود الصواريخ الدقيقة التي تستطيع إيران تحريكها وتوجيهها، على الشاطئ الشرقي للمتوسط، من شأنه أن يهدد الأمن الأوروبي والأطلسي ومصادر الطاقة وخطوط إمدادها من الشرق الأوسط. وهم يريدون معالجة هذه المسألة بأي وسيلة، عاجلاً أو آجلاً، وسواء بالوسائل السلمية أو العسكرية.

ويعتقد المتشددون في إسرائيل أنّ الفرصة سانحة اليوم لجر الغرب إلى عملية جراحية دقيقة في لبنان تؤدي إلى إنهاء أي تهديد استراتيجي إيراني لإسرائيل وللمتوسط وأوروبا. وسقوط القرار 1701 هو الذريعة المثالية لذلك.

إذاً، العملية الإسرائيلية في لبنان يمكن أن تكون مسألة وقت. وما يجري اليوم على الحدود هو لعبة “عض أصابع” بين “حزب الله” وإسرائيل. وبديهي أن يصرخ أحد الطرفين قبل الآخر.

وعندما يُسأل قادة “الحزب”: ماذا لو لعب الإسرائيليون ورقة الحدود مع لبنان إلى الحد الأقصى، ففتحوا الجبهة على مصراعيها، هل أنتم مستعدون للحرب، وهل جهز البلد نفسه لمواجهة من هذا النوع؟

في رأي “الحزب” أن نتنياهو لن يفعلها، وأنه أعجز من فتح جبهتين في آن معاً، في غزة ولبنان. ولذلك، هم يرون أنّ “الحزب” يستطيع التجرؤ وممارسة الضغط على إسرائيل، من دون أن يخشى ذهاب الأمور إلى المجهول أو تكرار سيناريو 2006.

فهل تتجنب إسرائيل فعلاً خوض حربين في آن واحد، علماً أن جبهة غزة قد تشهد فسحات من التهدئة تطول لأسابيع من أجل التقاط الأنفاس؟ وإذا كان صحيحاً أن إسرائيل تخشى فتح الجبهتين معاً، فما هي حسابات لبنان للفرضية الأخرى، أي لاحتمال قيام إسرائيل بضربتها بعد انتهاء الحرب في غزة، خصوصاً إذا كان القرار بإبعاد التهديد الإيراني يحظى بتغطية أميركية وأطلسية؟

مواضيع مماثلة للكاتب:

صفقة بين ترامب والأسد تقطع السلاح عن “الحزب”؟

لا سلاح في شمال الليطاني أيضاً

استنفار قيادي درزي منعاً لأي مغامرة