تل أبيب وطهران.. “فالس” مع اللاعقلانية
كتب ميشال توما لـ “Ici Beyrouth“:
بلغ “صراع الديوك” أوجّه بين اللاعقلانية والبراغماتية على الساحة السياسية والدبلوماسية الإقليمية، والمحلية حكماً. ومن المؤسف أنّ الشعبين اللبناني والفلسطيني، بل وحتى الإسرائيلي، هم الذين يتكبدون الأثمان الباهظة.
استؤنف السباق مع الزمن بين السياسة والمغامرات الحربية في بعض المناطق، مجدداً وبشكل واضح في ظل المواقف الحادة من الجانبين. وأكد كل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وكبار مسؤولي حماس علنًا في الأيام الأخيرة معارضتهم لحل الدولتين الذي ينادي به المجتمع الدولي والدول العربية.
يؤكد ذلك على تحالف موضوعي في سياق اللاعقلانية بين حكومة نتنياهو وحركة حماس. ومثل ذلك ليس بجديد، بل يعود إلى التسعينيات عندما قدم اليمين الإسرائيلي، وتحديداً نتنياهو، دعماً قيماً للمنظمة الجهادية بغية تقويض السلطة الفلسطينية ومشروع الدولة الفلسطينية، من خلال التمديد لاتفاقية أوسلو. وبعد ثلاثين عاماً تقريباً، ما زال الطرفان في معسكر العرقلة نفسه حيث يمارس كل منهما الحرب بطريقته الخاصة، دون أن يقترح أي بديل يتيح تسوية سياسية دائمة، حسب ما أكد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الاثنين الماضي.
ويشهد السياق الحالي على الميل المزدوج للحليفين الموضوعيين اللذين يصران على استدامة مناخ الصراع الدائم بغياب أي أفق.
وبينما يؤكد قادة حماس العسكريون على تصميمهم على مواصلة القتال حتى الرمق الأخير في غزة، يلوح نتنياهو، أكثر من أي وقت مضى، بالتهديد بشن حرب شاملة، على نطاق واسع ضد حزب الله، على أمل إبعاد الأنظار عن الأزمة السياسية والحكومية الداخلية العميقة التي يواجهها والتي تهدد بوضع حد لمسيرته السياسية.
وفي رحلة البحث عن “نصر” يعوض بشكل أو بآخر التعثر الحالي للجيش الإسرائيلي في غزة، يطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بدفع حزب الله للتراجع إلى شمال الليطاني، تطبيقاً للقرار الأممي رقم 1701، ولكن بغياب حل سياسي عملي للصراع في الشرق الأوسط، لا شيء ولا أحد يستطيع أن يضمن عدم عودة الحزب الموالي لإيران لممارساته بعد التصويت على القرار الأممي، ونشره بشكل تدريجي وماكر، ميليشيات إلى جانب الحدود مع إسرائيل كي تتمكن إيران من الاستمرار في استغلال خريطة الجنوب اللبناني، كلما شاءت، لخدمة مصالحها الاستراتيجية.
وبانتظار التوصل لاتفاق عالمي افتراضي بين طهران وواشنطن، وهو هدف استراتيجي حقيقي تتوخى إيران من خلاله الظفر بالاعتراف بها كقوة إقليمية، يبقى وضع “اللا حرب واللا سلام” الخيار الأمثل للجمهورية الإسلامية الإيرانية. ويسمح مثل ذلك الوضع لإيران بأن تستغل في سياق أجندتها الخاصة، أتباعها الإقليميين: حزب الله وحماس والحوثيين في اليمن و”الحشد الشعبي” في العراق… بالإضافة إلى غيرهم من الحلفاء المخلصين والخاضعين لسيطرة الحرس الثوري عن بعد، دون الذهاب إلى حد المواجهة الشاملة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة. وهكذا نشهد تفعيل بؤر التوتر تارة في البحر الأحمر وطوراً في الضفة الغربية، وبشكل مستمر في جنوب لبنان، ناهيك عن الهجمات ضد المواقع الأميركية في العراق وسوريا، بشكل يعكس التنسيق الذي يقوم به الحرس الثوري عن بعد..
أما على المستوى اللبناني، وبغياب حل عالمي، خطير هو هذا الواقع لأنه يمنح حزب الله القدرة على التركيز على الساحة المحلية تماماً كما فعل في أعقاب حرب 2006: وهذا يعني التصعيد السياسي وتفكيك النظام والمزايدة والخطابات الشعبوية والمساومة لانتزاع مكاسب دستورية وزيادة تآكل هياكل الدولة والترهيب والتهديد (بالفعل وغيره)، لفرض أمر واقع وممارسات تتعارض مع خصوصيات لبنان التاريخية ورسالته.
وبغياب صفقة شاملة بين واشنطن وطهران، بما في ذلك إسرائيل والدول العربية، لن تهمد مناطق التوتر الواقعة تحت سيطرة الحرس الثوري. وهذا يعني أنّ الأحزاب السيادية وأصحاب شعار “لبنان أولاً” يواجهون بموازاة رأس الحربة الإيراني في لبنان، تحدياً كبيراً: ضرورة تقديم جبهة تعددية موحدة تتجاوز الانقسامات الحزبية والطائفية والغرور الشخصي والحسابات الاختزالية الصغيرة، بهدف إحباط محاولات حزب الله المتكررة لتشويه وجه بلاد الأرز التعددي والليبرالي والإنساني.
مواضيع ذات صلة :
هوكشتاين ينفي الحصول على ضوء أخضر إسرائيلي: “ليس دقيقًا” | معاريف: إسرائيل قد تقصف مبنى البرلمان اللبناني | إسرائيل: سنواصل العمل بحزم ضد “الحزب” |