الفوسفور الأبيض سمّم تربة الجنوب… “على عينَك يا مجتمع دولي”
خسائر فادحةٌ مُنِيَ بها القطاع الزّراعي في لبنان، نتيجة القصف المتبادل على الحدود الجنوبيّة منذ نحو 4 أشهرٍ، ما أرخى بثقله على الاقتصاد الّذي يجاهِد لتنفّس الصّعداء
كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:
امتدت الحرب في غزة منذ السّابع من تشرين الأوّل إلى جنوب لبنان، حيث لحقت أضرار جسيمة بالبيئة والأراضي الزّراعيّة في عشرات القرى الحدوديّة، فأُتلفت محاصيل زراعيّة، وحُرقت أكثر من 40 ألف شجرة زيتون؛ وسُمّمت التّربة لسنواتٍ مقبلةٍ بالفوسفور الأبيض.
خسائر فادحةٌ مُنِيَ بها القطاع الزّراعي في لبنان، نتيجة القصف المتبادل على الحدود الجنوبيّة بين “حزب الله” وإسرائيل منذ نحو 4 أشهرٍ، ما أرخى بثقله على الاقتصاد الّذي يجاهِد لتنفّس الصّعداء. وقد تمّ رصد نحو 620 حريقًا على مساحة 210 كيلومترات من الأراضي الزّراعيّة جنوبي لبنان، بحسب وزير الزّراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن، والقضاء على عشرات آلاف الدّونمات الزّراعيّة، فضلًا عن نفوق الآلاف من الماشية.
والفوسفور الأبيض مادّة كيميائيّة صلبة شمعيّة، تشتعل فورًا عند تعرّضها للأوكسيجين، وتسبّب أضرارًا جسيمةً لكلّ ما يلامسها، إذ تصل حرارتها إلى أكثر من 800 درجة. ويُعدّ الفوسفور الأبيض من الأسلحة الحارقة المحرّمة دوليًّا، بموجب اتفاقيّة جنيف لعام 1980.
مخاطر هذه المادّة على التّربة والبيئة لا تُعدّ ولا تُحصى، إذ يوضح رئيس قسم الكيمياء في كليّة العلوم في جامعة القدّيس يوسف البروفيسور شربل عفيف، في حديث لـ”هنا لبنان”، أنّ “الفوسفور الأبيض يمكن أن يتسبّب باحتراق مساحاتٍ واسعةٍ من الأحراج والأشجار، وبعدها يتسرّب إلى التّربة أو المياه. وإذا كانت كميّته كبيرةً، فهو يُلحق أضرارًا جسيمةً بالأراضي الزّراعيّة ويحوّلها إلى غير منتِجةٍ، أي غير صالحةٍ للزّراعة ولا تعطي المواسم المرجوّة، وذلك لفترة طويلة نسبيًّا قد تمتدّ إلى أشهرٍ أو سنةٍ أو أكثر؛ بحسب تركيز (concentration) المادّة”.
ويشير إلى أنّه “إذا تسرّب الفوسفور من التّربة إلى المياه الجوفيّة، بفعل الأمطار أو غيرها من العوامل، فهو سينتقل بعدها إلى الأنهار والينابيع، الّتي قد تُستخدم مياهها في الشّرب أو ريّ المزروعات… ونكون بذلك قد دخلنا في دورة أضرارٍ متراكمة”.
ويلفت عفيف إلى أنّه “إذا سقط الفوسفور الأبيض بكميّاتٍ كبيرةٍ في المياه، سواء في بحيرات أو أنهار، فسيسبّب أوّلًا إفراطًا في المغذّيات ويؤدّي بعدها إلى ظهور طحالب فيها”، مركّزًا على أنّ “بحسب المعايير الخاصّة بمياه الشّرب أو مياه الينابيع وغيرها، هناك نسبٌ محدّدةٌ من المواد الكيميائيّة الّتي يُفترض أن تتوافر فيها، ولا يجب تخطّيها. إذا كانت التّركيزات مرتفعة، فتصبح المياه مضرّةً بصّحة الإنسان”.
لا تزال إسرائيل تستخدم القذائف الفوسفوريّة في قصفها على الجنوب اللّبناني منذ أكثر من 115 يومًا، على مرأى من المجتمع الدّولي الّذي لم يتّخذ أيّ إجراءٍ رادعٍ، مقابل رفع بعض المنظّمات للصّوت عاليًا.
وكانت قد أكّدت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشّرق الأوسط وشمال إفريقيا في “منظّمة العفو الدّوليّة”، آية مجذوب، في 31 تشرين الأوّل 2023، أنّ “استخدام الجيش الإسرائيلي للفوسفور الأبيض بشكل لا يميّز بين المدنيّين والعسكريّين، هو فعلٌ مروّعٌ، وينتهك القانون الدّولي الإنساني”، مشدّدةً على أنّ “الاستخدام غير القانوني للفوسفور الأبيض في بلدة الضهيرة في لبنان في 16 تشرين الأوّل، عرّض حياة المدنيّين للخطر الشّديد، حيث نُقل العديد منهم إلى المستشفيات واضطُرّ سكان القرية إلى النّزوح، واحترقت منازلهم وسيّاراتهم. وهذا هجومٌ عشوائيٌ وغير قانوني، ويجب التّحقيق فيه باعتباره جريمة حرب”.
وعن مرحلة ما بعد القصف، يشرح عفيف أنّ “الوقت الكافي لاستعادة التّربة لعافيتها، يستند إلى نسبة تركيز الفوسفور فيها، وبالتّالي تتفاوت المدّة بين منطقةٍ وأخرى. وبسبب صعوبة وصول المزارعين إلى الأراضي والعمل فيها، لا يمكنهم اتخاذ إجراءات وقائيّة أو سريعة بعد إصابتها بالفوسفور، كخلط التّربة الّتي تتركّز فيها المادّة بنسبةٍ عاليةٍ بأخرى ذي نوعيّةٍ جيّدةٍ، لتصبح التّركيزات مقبولة. بالتّالي، الوقت هو العامل شبه الوحيد في الظّروف الحاليّة لضمان استعادة التّربة لصحتها”.
إلى حدّ الآن، لم يستطع الاختصاصيّون إجراء إحصاءاتٍ دقيقةٍ لحجم الخسائر الّتي لحقت بالبيئة والأراضي الزّراعيّة، نتيجة القذائف الفوسفوريّة، الّتي قابلتها السّلطات اللّبنانيّة بخطّةٍ للتّعويض على المتضرّرين، وبتقديم شكوى أمام مجلس الأمن الدّولي ضدّ إسرائيل لاستخدامها الفوسفور الأبيض. لكنّ أيًّا من الإجراءات لن تغيّر من حقيقة أنّ البيئة تلوّثت لسنواتٍ مقبلةٍ، وأنّ الآثار السّلبيّة الّتي ستتكشّف مع تقدّم الوقت لن توفّر أحدًا.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تحرير سعر ربطة الخبز… إلى 65 ألف ليرة سِر! | في سيناريوهات الحرب: مصير لبنان النّفطي معلّق بالممرّ البحري | جنود المستشفيات جاهزون للحرب… بشرط |