نسبة الجريمة إلى انخفاض.. والقلق وانعدام الأمان إلى ارتفاع
انخفضت نسب الجرائم بشكل ملحوظ وفقًا لآخر الإحصاءات الرسمية، إنما هذا الأرقام وإن حسّنت صورة لبنان في الخارج إلا أنها لم تستطع أن تنسف شعور الخوف وعدم الأمان الذي يقلق المواطنين
كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:
غالباً ما ترتفع نسب الجريمة في العالم كلّما زادت الأزمات الاقتصادية. ولكن لا يبدو الأمر في لبنان مشابهاً لدول العالم، فالبلد الفريد من نوعه، انخفضت فيه نسب الجرائم بشكل ملحوظ وفقًا لآخر الإحصاءات الرسمية، على الرغم من كل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية التي يعيشها المواطنون. أرقامٌ وإن حسّنت صورة لبنان في الخارج إلا أنها لم تستطع أن تنسف شعور الخوف أو تخفّف من وطأة “عدم الأمان” اللذين يقلقان المواطن كلّما حلّ الظلام.
على عكس كلّ التوقعات، وبعد أن بلغت نسبة الجرائم ذروتها بين عامي 2019 (تاريخ بدء الأزمة الاقتصادية) وعام 2021، عادت وتراجعت معدلاتها بشكل ملفت، وفي آخر تقرير إحصائي لمديرية العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي، انخفضت نسب الجرائم بشكل ملحوظ خلال العام 2023 مقارنة بالعام 2022 وبنسبة فاقت الـ 26%، لا سيما في ما يتعلق بجرائم القتل والسلب وسرقة السيارات والسرقات الموصوفة، فقد أوقفت الأجهزة الأمنية خلال العام الماضي نحو 12300 موقوف بجرائم مختلفة.
وبمقارنة بيانات قوى الأمن الداخلي خلال الأشهر السبعة الأول من العام 2022 بمثيلاتها في العام 2023، تراجعت سرقة السيارات من 876 إلى 666 أي بنسبة 23.97%، النشل من 352 إلى 168 أي بنسبة 52.27%، سرقات موصوفة من 3658 إلى 2030 أي بنسبة 44,5. كما شهدت نسبة الجريمة في شهر تموز من العام الماضي تراجعاً بنسبة 39.8% عن شهر تموز العام 2022.
وبالعودة إلى العام 2019، سُجّلت 89 جريمة قتل في الأشهر العشرة الأول مقارنة بـ 179 جريمة في الفترة نفسها من العام 2021. وارتفعت عمليات السرقة بنسبة 265% أي من 1314 عملية سرقة إلى 4804 في الفترة المذكورة.
وفي هذا الإطار كشف مصدر أمني رفيع لـ “هنا لبنان” أنّ المؤشرات الأمنية سجلت تحسناً في العام الماضي مقارنة بالأعوام السابقة، وقال “أن إحصاءات شعبة العلاقات العامة مبنية على محاضر التحقيقات التي تتولاها الأجهزة الأمنية إضافة إلى شكاوى المواطنين وعدد الموقوفين”، مشيداً “بالعمل الاحترافي الذي يقوم به رجال الأمن رغم كل التحديات المعيشية الصعبة، والذين تمكنوا من توقيف الآلاف من أفراد وشبكات ترتكب جرائم متنوعة وفي مقدمتها قتل وسرقات ونشل وترويج مخدرات وغيرها، وهذا العمل الدؤوب هو الذي قلّص نسبة الجريمة”.
وأصرّ المصدر الأمني على “مواصلة العمل لحماية المجتمع وأمن المواطنين ومكافحة الجريمة وملاحقة العصابات”.
وإذ أشار إلى “أنّ الأمن ليس “عملاً مجانياً” تقوم به القطعات الأمنية، بل هو عمل مكلف يُخطّط له ويكبّد الأجهزة الأمنية الكثير من اليقظة على مدار 24 ساعة ومن التضحيات والضحايا والشهداء”، إلا أنه رأى أنّ “المواطن دائماً غير ممنون” فحتى لو لم يكن يثق بالدولة عليه أن يثق بأجهزتها الأمنية” ودعاه “إلى التبليغ عن الجرائم التي يعلم بها أو يتعرّض لها لتكون العناصر الأمنية على أهبّة الاستعداد لتأمين حمايته وحماية كل مقيم على الأراضي اللبنانية والقيام بالإجراءات اللازمة لمكافحة الجريمة”.
بدوره رأى الدكتور في العلوم الجنائية والعقابية فضل ضاهر، أنه “من المنظور القانوني الجنائي، وفي ظلّ هذه الظروف الكارثية الاستثنائية، لا يمكن إلا الوثوق بالأرقام والنسب المئوية الناتجة عن مقارنة (مجامع الأرقام) ضمن فترات زمنية متساوية، إلا إذا كانت هذه الأرقام عائدة لمصادر متطورة ضمن المؤسسة الأمنية، أي مكتب المستندات والمحفوظات وغرف العمليات على سبيل المثال، وهذا ما أكاد أجزم بأنه ليس واقع الحال”، ورأى “أن هذه المقارنات لا ترتقي إلى مستوى الإحصاء الجنائي العلمي الذي يميّز بين معدلات الإجرام الظاهر (وليس مجاميع) التي تؤخذ من المؤسسة الأمنية، ومعدلات الإجرام القانوني التي تؤخذ من أقلام المحاكم وهي بالطبع أقل من الأولى، إضافة إلى معدلات الإجرام الحقيقي التي تكون الأعلى نسبة من سابقاتها كونها تتضمن الحالات التي لا يتم التبليغ عنها”.
ورأى أنّ “أهمية هذا التفريق تنطلق من التعريف العلمي لمفهوم الأمن من حيث هو حالة من الوعي والطمأنينة، ولا يمكن قياسهما إلا بقياس معدلات الجرائم الواقعية والمصنّفة ضمن توصيفات قانونية موحدة وفي معايير دقيقة (وهي غير محققة في لبنان حتى الآن) والتي يجب أن تشرف عليها مراكز دراسات وبحوث جنائية متخصصة، لطالما طالبنا بها منذ التسعينات مع الخبير الدولي المرحوم الدكتور مصطفى العوجي وسلّة من الخبراء، من أجل إنشاء مركز للبحوث الجائية والقضائية ضمن وزارتي الداخلية والعدل، يتولى مهمة إصدار نشرات دورية بالإحصاءات الجنائية التي تسمح بتفعيل أداء المؤسسات الأمنية وتطويرها من خلال توفير احتياجاتها عتاداً وعتيداً وضمن خطط وبرامج مرحلية منتظمة”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
أطفال لبنان يعيشون كابوس الحرب ويُرعبهم صوت “أدرعي” | سجناء لبنان ينزحون أيضاً: قلقون على حياتهم وذويهم | سجناء “رومية” يصعّدون تجاه الأوضاع اللاإنسانية |