الحريري جاهز لكن التسوية عالقة
يرى البعض أن الحريري جاهز للعودة، ولكن في سياق تسوية سياسية متكاملة تعمل لها اللجنة الخماسية، وقد تنضج بالتوازي مع التسوية الحدودية التي يعمل لها آموس هوكشتاين
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
هناك معطيات حقيقية تدفع إلى ترجيح عودة الرئيس سعد الحريري إلى العمل السياسي. فالمتغيرات التي طرأت على المشهد في لبنان والإقليم، خلال العامين الفائتين، من شأنها أن تجعل هذه العودة نقطة تقاطع لدى غالبية اللاعبين.
ففي لبنان تعمّقت علامات الإرباك والفشل لدى فريق السلطة. وفي اليمن والخليج العربي، طرأت تحوّلات على طبيعة المواجهة، وجرى التوقيع على اتفاق بكين بين المملكة العربية السعودية وإيران. وأخيراً، اندلعت الحرب في غزة، وهي تقرع باب لبنان.
هذه المتغيرات أعادت خلط الكثير من الأوراق، ودفعت القوى النافذة إقليمياً، ولا سيما المملكة العربية السعودية، إلى مراجعة حساباتها حول مسائل عدة، ومنها مستقبل لبنان ودوره الإقليمي، وموقع الطائفة السنّية فيه، وتالياً الدور الذي يمكن أن يؤديه الحريري في المرحلة المقبلة. وعلى الأرجح، باتت عودة الحريري إلى موقعه السياسي واردة، ضمن تصور محدد.
وللإيضاح، لم يخرج الحريري من السياسة “دفعة واحدة” في كانون الثاني 2022، بل هو خرج على دفعات. الأولى في 4 تشرين الثاني 2017، يوم أعلن من الرياض استقالته الشهيرة. والثانية عندما انفجرت في وجهه ثورة 17 تشرين الأول 2019، وارتبك في مقاربتها قبل أن يقدم استقالته. وجاءت الثالثة ثابتة يوم أعلن تعليق العمل السياسي حتى إشعار آخر.
وبانسحابه، ترك الحريري فجوتين: الأولى على المستوى السنّي حيث عادت الطائفة “فسيفساء سياسية”، كما كانت قبل الحريرية. والثانية على مستوى التوازنات بين المحاور الداخلية. فصحيح أن الحريري سلك في السنوات الأخيرة سياسة كانت موضع انتقاد رفاقه (السابقين) في تحالف 14 آذار، إلا أن حضوره على الساحة اللبنانية كان يساهم في إرساء سياسي توازن معين بين القوى والمحاور.
كثيرة هي السيناريوهات التي يجري تداولها في مسألة العودة، ومنها أن الفرنسيين أقنعوا السعوديين بتسوية تعيد الحريري إلى رئاسة الحكومة، لأنه موضع ثقة منهم ولا يستفز “حزب الله”. وفي المقابل، يتم اختيار رئيس للجمهورية يحظى بثقة “حزب الله” ولا يستفز المملكة. وهنا تُطرح أسماء عدة، بينها سليمان فرنجية، لكنها جميعاً تبقى موضع نقاش مفتوح.
وحتى اليوم، يلتزم الحريري عدم التعليق على الكلام المتداول. ويبدو أنه سيترك الجميع في وضعية الانتظار حتى 14 شباط ليكشف خياراته. لكن البيئة القريبة منه تبدو واثقة في أنه سيعود. وواضح حجم التجييش المنظم في أوساط المحازبين والكوادر لاستقباله بحشود شعبية وازنة، لعلها تكون حافزاً إضافياً له كي يرجح هذا الخيار، علماً أن عودة الحريري ليست مرهونة برغباته، بمقدار ما ترتبط بزوال الأسباب التي دفعته إلى الانسحاب، وبطبيعة الصراع بين المحاور الإقليمية في لبنان والمنطقة.
ويُعتقد أن المملكة العربية السعودية أجرت مقاربة جديدة لهذا الصراع على أسس براغماتية، بعد اتفاق بكين، من اليمن والخليج العربي إلى شاطئ المتوسط ولبنان. واللافت أنها اليوم عادت إلى الانخراط في المعادلة السياسية اللبنانية، سواء إفرادياً أو من خلال اللجنة الخماسية، بعد انسحابها المدوّي في مرحلة سابقة.
فالحريري يمكن أن يشكل ضمانة لضبط الساحة السنّية مجدداً، بعدما أدى انسحابه إلى تشتتها. ولكن، بالتأكيد، لن يقع الحريري بعد اليوم في محاذير نموذج 2017- 2019، عندما اضطر إلى سلوك نهج لم يرق للمملكة. وعلى الأرجح، هو لن يعود إلى لبنان إلا بتصور كامل لدوره، سواء في ما يتعلق بالزعامة السنية أو برئاسة الحكومة. والتزامه هذا التصور من شأنه أن يعيد ترتيب علاقاته تلقائياً بالرفاق السابقين في 14 آذار، وفي مقدمهم الدكتور سمير جعجع. وملامح الترتيب بدأت تظهر من خلال عودة بعض التحالفات النقابية.
ولذلك، وفيما سارعت قوى السلطة إلى الترحيب بالحريري وتشجيعه على العودة، في ما بدا استدراج عروض مبكر للتعاون السياسي، فإن التحدي الذي سيواجهه الرجل سيكون: ما هو السبيل للانفتاح على الجميع من دون السقوط مجدداً في تكرار أزمة 2017؟
في تقدير البعض أن الحريري جاهز للعودة، ولكن في سياق تسوية سياسية متكاملة تعمل لها اللجنة الخماسية، وقد تنضج بالتوازي مع التسوية الحدودية التي يعمل لها آموس هوكشتاين. وهذا يعني أن إشارة العودة الحريرية قد انتقلت من الأحمر إلى البرتقالي. وأما انتقالها إلى الأخضر فمرهون بمناخات الإقليم.
فالتسوية الداخلية التي يشكل الحريري جزءاً منها قد تكتمل عناصرها قريباً، لكنها ستبقى محفوظة في الأدراج، ولن تأخذ طريقها إلى التنفيذ قبل أن تتوقف الحرب في غزة، لأن “حزب الله” ليس في وارد القبول بفك الترابط بين لبنان والملف الإقليمي.
ولذلك، إن عودة الحريري إلى الحياة السياسية ستنتظر انتهاء تلك الحرب. والانتظار قد يكون طويلاً إلى حدود زمنية غير معروفة، لأن أحداً لا يستطيع تقدير حجم التعقيدات، الواقعة والمتوقعة، في هذا الملف. فهي تبدأ بميدان المعركة العسكرية في غزة، ولا تنتهي بالمعارك السياسية المفتوحة في الداخل الفلسطيني وفي إسرائيل والولايات المتحدة، وفي المواجهات العاصفة مع طهران على مساحة الشرق الشرق الأوسط.
مواضيع مماثلة للكاتب:
صفقة بين ترامب والأسد تقطع السلاح عن “الحزب”؟ | لا سلاح في شمال الليطاني أيضاً | استنفار قيادي درزي منعاً لأي مغامرة |