الحدود اللبنانية الإسرائيلية: نزاع ثلاثي حول نفق رأس الناقورة
كتبت Natasha Metni Torbey لـ”Ici Beyrouth“:
تتناول Ici Beyrouth في سلسلة من المقالات، ثلاثة عناصر رئيسية في سياق النزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل، بالإضافة إلى عنصر رابع طي النسيان. في هذا المقال، عودة إلى نفق رأس الناقورة الذي حولته إسرائيل إلى منطقة سياحية على الرغم من أن السجل العقاري يؤكد ملكيته للدولة اللبنانية (تحت الرقم 28/الناقورة).
بالتزامن مع المفاوضات الجارية لإنهاء الصراع في غزة واستعادة الهدوء في جنوب لبنان، لا بد وأن تأخذ أي “صفقة شاملة” في الحسبان مسألة ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل. وطفت هذه القضية مجدداً إلى السطح مع اندلاع حرب غزة بعد هجوم 7 تشرين الأول. وأثار المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، مسألة الحدود مراراً خلال زياراته العديدة إلى بيروت في معرض الجهود التي يقودها لإيجاد مخرج للأزمة. ووفقاً لمصادر مطلعة، المباحثات حول هذه المسألة على قدم وساق، وستترجم بمجرد انتهاء الحرب بين إسرائيل وحماس.
ومن جملة النقاط الخلافية التي ينبغي حلها في هذا السياق، نفق رأس الناقورة، الذي تحتل إسرائيل جزءاً منه، والذي تطالب به الحكومة اللبنانية. وتبيّن الوثائق الرسمية ملكية الدولة اللبنانية لنفق رأس الناقورة، النقطة الحدودية التي تربط لبنان بفلسطين، ومع ذلك، فهو يقع تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي الذي أغلقه بجدار اسمنتي من الجانب اللبناني.
وتعتبر هذه النقطة واحدة من النقاط الـ 13 المتنازع عليها على طول الخط الأزرق (“خط الانسحاب” الذي وضعته الأمم المتحدة بعد خروج القوات الإسرائيلية من لبنان عام 2000) والنقاط الـ 18 المتنازع عليها منذ أن قامت القوات الإسرائيلية بتركيب حاجز تقني خلف الخط الأزرق. ومن أجل أن نفهم كيف أصبحت هذه المنطقة نقطة نزاع ثلاث مرات، يجب العودة إلى تاريخ ترسيم الحدود بين البلدين. فالحدود بين لبنان وإسرائيل تمتد من رأس الناقورة إلى نهر الوزاني، ومع سوريا من نهر الوزاني إلى الجولان المحتل من الإسرائيليين حالياً. ومع ذلك، يشهد التاريخ على ثلاث ترسيمات للحدود بين لبنان وإسرائيل، وهي كالتالي:
خط بوليه-نيوكومب
أبرمت الحكومتان الفرنسية والبريطانية في 7 آذار 1923، أي عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، اتفاقاً لترسيم الحدود بين لبنان وسوريا من جهة وفلسطين من جهة أخرى، بهدف تقاسم هذه البلدان التي كانت خاضعة للحكم العثماني. وبنت الاتفاقية (التي تحمل اسمي المقدمين الفرنسي ن. بوليه والإنجليزي ستيوارت نيوكومب) على 71 نقطة: 38 نقطة محددة بين لبنان وفلسطين و33 بين سوريا وفلسطين. وتبدأ نقاط الترسيم كما أوضح قائد قطاع جنوب الليطاني سابقًا العميد الركن المتقاعد خليل الجميل في مقابلة مع Ici Beyrouth عند النقطة BP1، عند رأس الناقورة، غرباً، وتنتهي شرقاً، عند النقطة BP38، عند الجسر الروماني، على نهر الوزاني. وهذا يعني أنه ما بين بداية المفاوضات بين ن. بوليه وس. نيوكومب وإبرام الاتفاقية، “خسر لبنان سبع قرى، كانت تعتبر لبنانية عام 1920، لصالح فلسطين”.
خط الهدنة
بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948، وقع لبنان والدولة العبرية اتفاق هدنة في 23 مارس 1949 برعاية الأمم المتحدة. ونص الاتفاق في الفقرة 1 من المادة 5، على أن “خط الهدنة يتبع ما يفصل بين لبنان وفلسطين، أي خط بوليه – نيوكومب”، حسب الجميل. وهكذا تم الإبقاء على النقاط الـ38 الواردة في اتفاق 1923، مع إضافة 105 نقاط أخرى سميت بالنقاط الوسيطة، لمزيد من الدقة في التخطيط. وبالتالي، أصبح مجموع النقاط 143، مع الإشارة إلى أن نقطة البداية ليست النقطةBP1 المستخدمة كمرجع في اتفاقية بوليه-نيوكومب، بل النقطة B1 الأقرب إلى البحر، عند رأس الناقورة. وبتوقيع اتفاقية الهدنة”، خسر لبنان 16 كيلومتراً مربعاً بين خط بوليه – نيوكومب وخط الهدنة، كما أضاف الجميل.
الخط الأزرق
الخط الأزرق لا يشكل خطًا حدوديًا، بل هو خط انسحاب وضعته الأمم المتحدة وبدأ ترسيمه بالبراميل الزرقاء في العام 2000، بعد الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية التي احتلتها إسرائيل لمدة 22 عامًا. يبدأ الخط عند النقطة B1، عند رأس الناقورة وينتهي عند الوزاني، عند الجسر الروماني. وكانت الحكومة اللبنانية قد أبدت تحفظاتها على مسار الخط الأزرق الذي يبلغ طوله 121 كيلومتراً وتحديداً ما يتعلق بـ13 نقطة (ومن هنا النقاط 13 المتنازع عليها).
يضاف إلى هذه الخطوط الرئيسية الثلاثة، حاجز تقني، وضعته القوات الإسرائيلية عام 2007. وعلى الرغم من أنه لا يحظى بالاعتراف الرسمي، تتحجج به إسرائيل كوسيلة لضمان الحماية الأمنية. وتجدر الإشارة إلى أن 18 نقطة متنازعاً عليها أضيفت بعد بناء ما تعتبره سياجاً تقنياً، إلى النقاط الثلاثة عشرة السابقة (وهذا يعني 18 قرية يحتلها الإسرائيليون).
نفق رأس الناقورة
افتتح البريطانيون نفق رأس الناقورة، الذي شكل جزءاً من خط السكة الحديدية الذي يربط حيفا بطرابلس عبر الناقورة عام 1942. وقاموا ببنائه آنذاك لتسهيل نقل المعدات العسكرية بشكل أساسي. لكن النفق توقف عن العمل خلال حرب 1948، وفجرت القوات الإسرائيلية منشآته لمنع أي غزو من خلاله.
النفق الذي يبلغ طوله نحو ستين متراً، ملك للدولة اللبنانية – وهو مسجل في السجل العقاري تحت الرقم 28/ الناقورة – لكنه يقع حالياً تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي. وكانت القوات الإسرائيلية قد أغلقت مدخله بالكامل من الجانب اللبناني بالإسمنت عام 2000، بعد انسحابها وحولت الدولة العبرية المنطقة إلى منطقة يرتادها آلاف السياح كل عام. وبذلك، يتضح أن النفق هو فعلياً موضوع نزاع ثلاثي: فهو جزء من النقاط الـ 13 المتنازع عليها على طول الخط الأزرق، وهو أيضاً إحدى النقاط الـ 18 المتنازع عليها في السياج التقني كما أن إسرائيل تحتل 40 متراً من مساحته الداخلية.
لكن هل تل أبيب على استعداد للتخلي عن مثل تلك المنطقة الاستراتيجية؟ يطرح هذا السؤال وبقوة خصوصاً وأن إسرائيل حالياً لا توفر أي جهد لتحريك نقطة انطلاق الحدود (من النقطة B1) بحيث تتقاطع مع السياج التقني لتوسيع رقعة سيطرتها.