لا معتكف ولا متفرج
يسهل الاستنتاج أنّ الرئيس الحريري لم يغادر اعتكافه السياسي، لكنه ليس في موقف المتفرج على ما يعيشه البلد، وتفاوت عديد الوفود يعكس مستوى الترحيب بمجيئه بعد غياب عام
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
حسم الرئيس سعد الحريري كل نقاش في شأن عودته إلى الحياة السياسية العامة حين أنهى كلمته في جمهور “المستقبليين” في ساحة الشهداء، يوم 14 شباط من هذا العام، بالقول: كل شي بوقته حلو. وتفسير ذلك، عملياً، أنّ موعد عودته إلى لبنان للاستقرار ليس قريباً، وإن كان مطروحاً على النقاش، في المستوى الداخلي، والمستوى العربي، فيما حديثه عبر محطة الحدث العربية عن دور حزب السلاح في اغتيال والده الشهيد رفيق الحريري أقرب إلى إحياء ربط النزاع في سيادة الدولة الذي كان هو شخصياً من بادر إلى تبريده بتصريحه عند باب المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، في لاهاي الهولندية، بعد صدور حكمها في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في منتصف آب 2020، وقال إنه يريد القصاص للقاتل، ومن شاركه في الجريمة، ولا يسعى إلى الانتقام.
يومها أكد نجاح رهانه على العدالة الدولية وسمّى حزب الله كمرجعية لمن نفذ عملية الاغتيال، وطالبه بالتزام الحكم الدولي كون المحكمة راعت كل مقاييس العدالة وأعطت كل الفرص للمتهمين للدفاع عن أنفسهم، وتأكيد براءتهم. ولتأكيد حرصه على سلامة البلد، فصل التعاطي السياسي مع الحزب عن الجريمة ولجم ذيولها.
عملياً، أعاد الرئيس سعد الحريري ربط النزاع مع حزب الله في كل تفاصيل الحياة العامة، من تقويض بنى الدولة إلى استلاب قرارها، وربطه بالخارج، وبدا واضحاً أنّ موقفه مبني على ضرورة تجنب أي محاولة لجرّ لبنان إلى حرب داخلية أو على الحدود.
يسهل الاستنتاج أن الرئيس الحريري لم يغادر اعتكافه السياسي، لكنه ليس في موقف المتفرج على ما يعيشه البلد، ولا يكفي القول إن “الحجيج” السياسي، والشعبي، إلى بيت الوسط هو للتهنئة بزيارة أرض الوطن، فتفاوت عديد الوفود يعكس مستوى الترحيب بمجيئه بعد غياب عام، ويمكن أن يقاس به مستوى الود والخصومة السياسيين. أما عربياً، فمن الواضح أنّ الرياض في 14 شباط، من هذا العام، ليست ما كانته في شباط الفائت، في الشكل والمضمون، ولعل الاستنتاج المنطقي الذي تفرزه الوقائع المحيطة بذكرى استشهاد الرئيس الأب، تشي بأنّ سعد الحريري يفتح صفحة جديدة في تجربته السياسية، يستجمع مقوماتها مما يسمعه من زائريه، خصوماً وأصدقاء، سابقين وراهنين، بدايتها طول إقامته اليوم، مقارنة بزيارته السابقة، واتساع مروحة لقاءاته.
لن يعمر وهج الزيارة طويلاً إن لم يرفق بتغيير سياسي تنظيمي، يتخطى التهاني بالعودة، ولو زيارة، إلى الوطن، ولن ينفع تغيير الزي والهندام في تجديد الآمال في مشروع النهوض الوطني الذي أرساه الحريري الأب بالصبر والصمت والصمود، والعمل الدؤوب. ذلك يقتضي إعادة رفع مستوى الحوار مع القوى السياسية الحليفة، وغير الحليفة، والرسو على مبادئ 14 آذار، والأهم عدم غض الطرف عن ناهبي المال العام، وقاضمي بنية الدولة، والساعين إلى تغيير هيكليتها برهبة سلاح الأمر الواقع.
لكن ذلك، وحده، لن ينقذ لبنان من التخبط، إن لم ينطلق من انتظام عمل المؤسسات، وطليعتها انتخاب رئيس للجمهورية بات الحديث فيه أقرب إلى انتخاب “مستر ليبانون”، فبدل الاتفاق على مشروع لإعادة بناء الدولة، يتهافت النقاش في “مواصفات” الرئيس العتيد، ولا ندري ما هو المقصود، أحُسن ملبسه، أم “جمال محيّاه؟
وعد الرئيس الحريري جمهوره ألّا يسكت عن أي خطأ أو مغالطة وطنية، مشيراً إلى أن ليس في ذلك خروجاً على الإعتكاف السياسي.
كلام سيعطي معنى لقوله “كل شي بوقته حلو”، بينما المنطقة تتقاذفها المشاريع السياسية الكبرى، والتحالفات الدولية، التي تطبخ على نار باردة، لكنها نار في كل حال قد تشتعل عند أي تصادم بين اثنين من ثلاثة عربي- فارسي- صهيوني.
مواضيع مماثلة للكاتب:
أعجوبة إلهية | انتهى | الجرموز |