سوريا “منزعجة” من.. السيادة اللبنانية
عملية إنشاء الأبراج تمت منذ أربعة عشر عامًا، من دون أن تثير أي اعتراض، لكن اليوم بالذات، قرر النظام السوري أن يعترض بواسطة مذكرة وصلت إلى لبنان عبر القنوات الديبلوماسية
كتب جان الفغالي لـ”هنا لبنان”:
لبنان الذي نال استقلاله عام 1943، لم تفتح سوريا سفارة لها فيه سوى في العام 2009، أي بعد ستة وستين عامًا على نيله استقلاله! هذا يؤشِّر إلى أنّ سوريا لم تعترف يومًا بسيادة لبنان، ولم تُقدِم على خطوة التبادل الديبلوماسي إلا “مكرهةً” لأنها دائمًا كانت تعتبر لبنان جزءًا منها، وبليغٌ الشعار الذي أطلقه نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام، في إحدى مقابلاته الصحافية، والذي يقول فيه حرفيًا: “لبنان، إما أن يكون مع سوريا، وإما أن يعود إلى سوريا”.
لم تكن “الحدود” بين لبنان وسوريا محترمة من الجانب السوري، لا في الشمال ولا في الشرق، كان عدم الإحترام، في ما مضى، “مستورًا” لكنه خرج إلى العلن مع بدء الثورة السورية في آذار من العام 2011، (وبعد أقل من شهر، تحل الذكرى الثالثة عشرة لانطلاق تلك الثورة).
العلنية تمثلت في تنقل مقاتلي حزب الله بين لبنان وسوريا لدعم النظام، كما تمثلت في نقل الأسلحة الإيرانية عبر سوريا إلى لبنان، كذلك تمثلت في النزوح السوري إلى لبنان، وغالبًا ما كان هذا النزوح يتم عبر المعابر غير الشرعية، وبتسهيل من النظام السوري، الذي غالبًا ما يرفض عودة النازحين إلى المناطق الآمنة في سوريا.
وللمزيد من ضبط الحدود بين لبنان وسوريا، قدَّمت أكثر من دولة، ومنها بريطانيا، مساعدات قيِّمة لإنشاء أبراج يستطيع الجيش اللبناني بواسطتها كشف عمليات التهريب، بكل أنواعه، من سوريا إلى لبنان.
عملية إنشاء الأبراج تمت منذ أربعة عشر عامًا، من دون أن تثير أي اعتراض، لكن اليوم بالذات، قرر النظام السوري أن يعترض بواسطة مذكرة وصلت إلى لبنان عبر القنوات الديبلوماسية، وفيها أنّ أبراج المراقبة تصل في رصدها إلى عمق الأراضي السورية، وأنّ المعلومات التي تتكوَّن لديها تصل إلى البريطانيين الذين يتواجد ضباطهم في تلك الأبراج.
المذكَّرة السورية تثير الاستغراب إلى درجة أنها لا تقيم وزنًا للعقل البشري ولذكاء الإنسان! مَن يمكن أن يتصور للحظة أنّ هذه الأبراج من شأنها أن توفِّر مادة تجسس للبريطانيين وللإسرائيليين؟ لنعكس السؤال: لو لم تكن هذه الأبراج موجودة، هل يصعب التجسس على العمق السوري؟ ماذا عن الأَقمار الصناعية التي تغطي السماء السورية أربعًا وعشرين ساعة على أربعٍ وعشرين؟ ثم إنّ الاغتيالات التي تمت في سوريا، من اغتيال القيادي في حزب الله عماد مغنية، إلى سائر الاغتيالات سواء من اللبنانيين أو من الإيرانيين، هل كانت الأبراج على الحدود اللبنانية – السورية عاملًا مسهِّلًا لهذه الاغتيالات؟
بالتأكيد لا، وإذا تمَّ تعطيل هذه الأبراج، لئلا تكشف العمق السوري، فهل بالإمكان تعطيل الأقمار الصناعية التي تكشف كل شيء في سوريا؟
هناك أسهل من الاحتجاج على أبراج المراقبة، هو أن يُقدِم النظام السوري على وقف النزوح من سوريا إلى لبنان، ووقف نقل الأسلحة عبر سوريا إلى لبنان، عندها لا تكون هناك حاجة إلى الأبراج، أما أن يُهرِّبوا إلى لبنان، ويمنعوا عنه مراقبة ما يهرِّبونه، فهذه قمَّة الإستخفاف بالسيادة اللبنانية، إنْ لم نقل أكثر.
مواضيع مماثلة للكاتب:
راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها | لبنان أمام عشرة أسابيع حاسمة | تدمير تحت الأرض.. دمارٌ فوق الأرض |