ترتيبات “اليوم التالي” لمقاتلي “حماس”

ليس سهلاً على مصر أن تتحمل دخول مليون فلسطيني إلى أراضيها خصوصاً أن بينهم قسماً كبيراً من المنتمين إلى “حماس” أي “الأخوان المسلمين” فيما النظام يخوض مواجهة لا هوادة فيها مع هؤلاء

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

خلف دوي المدافع في غزة، ثمة ورشة عمل صامتة مفتوحة، عنوانها وقف النار وتبادل الرهائن، تشارك فيها مصر وإسرائيل والولايات المتحدة وقطر. وهذا الصمت ليس مستغرباً لأنّ هذه الاجتماعات، التي عقدت مداورة بين القاهرة وباريس حتى الآن، تقتصر على قادة أجهزة الأمن. وهؤلاء يفضلون العمل بعيداً عن الأضواء.
العقدة الأساسية في هذه الاجتماعات تكمن في أنّ الإسرائيليين لا يريدون سوى أمر واحد في هذه المرحلة، وهو إحكام سيطرتهم على غزة وفرض تصوّرهم للحلّ السياسي مع الفلسطينيين. وكلّ القوى السياسية في إسرائيل، على اختلافها، تتبنى هدفاً واحداً هو “التخلص” من غزة.
ولذلك، لن يتراجع بنيامين نتنياهو عن مشروع تهجير رفح، المدينة الأخيرة المستهدفة، والملاذ الذي بات يأوي قرابة ثلثي سكان القطاع. وفي تقدير الإسرائيليين أنّ إخلاء هذه المدينة سيؤدي تلقائياً إلى خروج “حماس” من المشهد.
وفي العمق، يدور النقاش بين صانعي الحل الإقليميين والدوليين حول “اليوم التالي” للحرب في غزة، بما في ذلك “اليوم التالي” لـ”حماس” ومقاتليها. فمسألة المقاتلين شائكة وتستحوذ جانباً ساخناً من النقاش. ويبدو صانعو الحل وكأنهم بدأوا التسليم بحتمية القبول بخيار التهجير. ولكن، في المقابل، تلقى الفكرة رفضاً شرساً من جانب العرب على رغم شعورهم بالعجز عن وقف العملية الإسرائيلية. فلا هم مستعدون لفتح حرب مع إسرائيل لمنعها، ولا القوى الدولية ستساعدهم على ذلك.
وثمة سيناريوهات عدة متداولة للتهجير الذي بدأ التمهيد له بتقليل عدد المقيمين حالياً في رفح، عن طريق الدفع بقسم منهم ليعود إلى وسط القطاع وشماله، فيما سيجتاز القسم الأكبر لاحقاً معبري رفح وكرم أبو سالم إلى سيناء. وهناك، يتوقع أن تضطر مصر إلى استقبالهم، لدوافع إنسانية، أي لإنقاذهم من الموت.
المشكلة الأساسية التي تتحسب لها مصر، في هذه الحال، لا تكمن فقط في المليون لاجئ مدني، بل أيضاً في مقاتلي “حماس”. وقبل فترة، قدَّر الأميركيون أنّ حرب غزة أدّت إلى خسارة الحركة ما بين 20% و30% من مقاتليها، لكنها ما زالت تمتلك قدرات قتالية فعالة.
وتحتمي “حماس” اليوم بوجودها داخل المدينة الأعلى كثافة سكانية في العالم (يقيم فيها 1.4 مليون نسمة تقريباً). وهذه البقعة هي المنفذ الأساسي لـ “حماس” إلى سيناء، من خلال الأنفاق التي توفر الحماية للمقاتلين وما يحتاجون إليه من مؤن عسكرية وإنسانية. وفي ظل هذه الكثافة السكانية، سيكون صعباً على إسرائيل إطلاق عمليتها العسكرية أو توجيه ضرباتها نحو الأنفاق ومداخلها، لأنّ ذلك سيعني وقوع مجازر لا يمكن تصوّر أحجامها.
وتقوم إسرائيل حالياً بتحضير الأرضية المناسبة لعملية التهجير، بعد التفاهم مع مصر. وسبق أن أعلن المسؤولون الإسرائيليون أنهم “لن يفرضوا شيئاً” على القاهرة، من دون التنسيق معها. وليس المقصود طبعاً أنهم سيقفون على رأي مصر الرافضة للتهجير، بل سيحاورونها لتقتنع بها “حتماً” وتنسّق العملية معهم. وهذا فحوى الرسالة التي حمّلوها إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في الأيام الأولى من الحرب، فنقلها إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكان ردّه الرفض القاطع.
ليس سهلاً على مصر أن تتحمل دخول مليون فلسطيني إلى أراضيها، ولو في طرف سيناء، خصوصاً أنّ بينهم قسماً كبيراً من المنتمين إلى “حماس” أي “الأخوان المسلمين”، أو المتعاطفين معهم، فيما النظام يخوض مواجهة لا هوادة فيها مع هؤلاء.
لكن القاهرة تتعرض لضغوط، اقتصادية ومالية خصوصاً، ازدادت حدة في الأشهر الأخيرة. ويعتقد البعض أنّ لهذه الضغوط صلة بإضعاف الموقف المصري، بهدف انتقال القاهرة من الرفض المطلق لفكرة التهجير إلى الاستعداد لمناقشتها، بعد الحصول على مساعدات وضمانات.
وهناك من يعتقد أن الإغراءات بدأت تُعرض على مصر، ومنها مشاريع بإقامة منطقة اقتصادية فائقة الازدهار. وفي المقابل، يجري نقاش في الكواليس حول توزيع مقاتلي “حماس” في مصر وبلدان أخرى، كجزء من ترتيبات “اليوم التالي” لحرب غزة.
في مفهوم نتنياهو، لا شيء يراد تحقيقه الآن سوى إضاعة الوقت، فالمناخ في واشنطن سيزداد ملاءمة له طوال العام 2024، لأن الآتي إلى البيت الأبيض أفضل من الراحل عنه. وفي الانتظار، هو ليس متحمساً لأي اتفاق، ولكن لا مشكلة في إمرار بعض الاستراحات، كاتفاقات الهدنة القصيرة وتبادل بعض الرهائن عشية رمضان أو خلاله، لملء الوقت. لكن الاتجاه الأساسي للخطة الإسرائيلية ثابت.
وفي هذه الأجواء، يصبح ممكناً التوقف عند الكلام الوارد في بعض الإعلام الغربي، وفيه أنّ المرحلة الحالية في غزة شبيهة بتلك التي جرت فيها المفاوضات لإخراج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، بعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982. وإذا صدق هذا التشبيه، فإنه يحمل دلالات كثيرة، وفي كل الاتجاهات.

مواضيع مماثلة للكاتب:

صفقة بين ترامب والأسد تقطع السلاح عن “الحزب”؟

لا سلاح في شمال الليطاني أيضاً

استنفار قيادي درزي منعاً لأي مغامرة