بعد توالي السقطات وسيطرة حكم الدويلة…”الحزب” يخسر البيئة المسيحية
طفح كيل التيار من الحزب والعكس صحيح، ولم يعد لزمن الاتفاقات موقع، ما يؤكد أنّ العواصف السياسية هبّت واشتدت والعلاقة في أسوأ حالاتها بينهما
كتبت صونيا رزق لـ “هنا لبنان”:
على الرغم من الرشقات الكلامية التي يطلقها منذ فترة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، في اتجاه أسوار حارة حريك التي باتت مقفلة أمامه، وأصوات مسؤوليها تبدو خافتة لأنها مُنعت من الرد على باسيل تحت مقولة “إبقاء شعرة معاوية مع الحليف السابق”، يسود الصمت المريب، فلا ردود ولا تراشق بل كلام من جانب واحد، مع إطلاق أسهم من قبل باسيل وبعض النواب البرتقاليين عبر تغريدات تختصر الواقع السائد حالياً بين الطرفين، مع توالي مواقف رئيس التيار في كل مناسبة، ليصبّ جام غضبه المتأخر على قرار حزب الله بالحرب والتمسّك بوحدة الساحات، وربط حرب غزة بحرب الجنوب، وآخر ما قاله باسيل في هذا الإطار قبل أيام خلال العشاء السنوي للمكتب التربوي في التيار، حيث دعا إلى عدم أخذ الحرب كذريعة للمسّ بالداخل اللبناني، وقال: “مَن هو حريص على الانتصار بوجه العدو عليه أن يحصّن نفسه في الداخل، قبل أن يحصّن جبهته الخارجية، نحن ضدّ وحدة الساحات ومن يرفض أو “يزعل” من هذا الموقف فليكن، والمهم أن نرتاح مع ضميرنا”.
هذا الموقف سبقه آخر مشابه أعلنه باسيل قبل فترة وجيزة وبشكل أوضح، وعندها نقل بعض السياسيين المقرّبين من الحزب غضبه المستتر مما قيل، واليوم لم تعد الوساطات تفعل فعلها بدءاً برئيس الجمهورية السابق ميشال عون لضبط الوضع، بعدما أصبح من أوائل منتقدي الحزب، وهذا ما برز قبل أسبوعين خلال الحلقة المتلفزة على شاشته البرتقالية، حين عارض ما يقوم به حزب الله في الجنوب، وتفرّده بقرار الحرب غير آبه للدولة اللبنانية، كما لم يعد رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، ضمن مهمة ضبط الوضع بين الأصفر والبرتقالي، كذلك بعض الوزراء السابقين والأصدقاء المشتركين للفريقين، لأنّ الهوّة كبيرة والمسافات باتت شاسعة جداً، لأنّ باسيل تلقى اللازم من الحزب من ناحية حلمه الرئاسي بأنه لن يتحوّل إلى حقيقة، فيما يشير الأخير إلى أنّ العقوبات الأميركية التي تطوّقه سببها حزب الله، وكانت من أبرز الأسباب التي ألحقت الضرر بعلاقة الطرفين، ووضعت باسيل في مغطس سياسي يصعب بعده تحقيق الحلم الرئاسي حتى إشعار آخر.
هذه الصور السياسية قلبت الأوضاع رأساً على عقب، فطفح كيل التيار من الحزب والعكس صحيح، ولم يعد لزمن الاتفاقات موقع، ما يؤكد أنّ العواصف السياسية هبّت واشتدت والعلاقة في أسوأ حالاتها بينهما.
في غضون ذلك تشير مصادر سياسية مطلعة لـ” هنا لبنان” إلى أنّ رئيس التيار الوطني الحر يعمل حالياً على الانفتاح في اتجاه الخصوم الأقوياء في الضفة الأخرى، خصوصاً الرئيس نبيه برّي، لأنه محتاج إلى من يسانده سياسياً في هذه الظروف الصعبة التي أبعدته عن الجميع، لذا يقوم بتخطّي رواسب الخلافات الماضية معه، وترميم العلاقة تحت عنوان “الإنفتاح تبعاً للمصالح الخاصة أولاً”.
إلى ذلك أشارت مصادر التيار الوطني الحر لـ”هنا لبنان” إلى أنّ مواقف النائب باسيل لاقت ارتياحاً داخل التيار وخصوصاً لدى المناصرين، والبيئة المسيحية الرافضة لقرارات الحزب المفروضة على اللبنانيين، وقد بدأت أولى مظاهر ذلك الرفض خلال انتفاضة 17 تشرين 2019، حين عبّر المجتمع المسيحي بشكل عام عن نقمته العارمة على صيغة الحكم، وتحكّم حزب الله بالدولة وتنفيذ القرارات الإيرانية، وعدم تقديم تنازلات سياسية من قبل الحزب لصالح حليفه ميشال عون، حين كان رئيساً للجمهورية.
بعدها جاء انفجار مرفأ بيروت في آب 2020، ليفجّر العلاقة بين حزب الله والبيئة المسيحية، التي تضرّرت بشكل كبير، إن بسقوط الضحايا والجرحى والمعوقين والدمار الهائل، مع ما رافق ذلك من اتهامات وضعت المسؤولية في خانته، ومن ثم عرقلته للتحقيقات، تبع ذلك أحداث الطيونة في تشرين الثاني من العام 2021، والتي أدت إلى تصادم بين الحزب والبيئة المسيحية على خلفية رفضه لتلك التحقيقات، وأدى ذلك التصادم المسلح والهجوم على منطقة عين الرمانة إلى سقوط ضحايا، مع ما رافق ذلك من تعدّيات وإستفزازات للأهالي الآمنين في بيوتهم.
في السياق، أظهرت البيئة المسيحية التي كانت مؤيدة للتيار والحزب، غضبها أيضاً وبقوة قبل اشهر، وتحديداً في شهر آب الماضي خلال أحداث كوع الكحالة، حيث استشهد المواطن فادي بجاني، المؤيد سياسياً للتيار الوطني الحر برصاص عناصر الحزب أمام منزله وأهله، وشكّل سقوطه لحظة مفصلية كادت أن تودي بالبلاد إلى مواجهة طائفية بين المسيحيين والشيعة، بعد الطريقة التي فرضها الحزب على الأهالي لتمرير شاحنته المحمّلة بالسلاح، ومحاولة أهالي الكحالة تبيان ما بداخلها، وما أعقب ذلك الإشكال من سقوط “الغطاء المسيحي” عن حزب الله، بعدما أيده وأعطاه دعماً مسيحياً أمام المجتمع الدولي، لكن كلمة باسيل حينها “بأنّ ما جرى له دلالته الكبيرة وهناك أماكن ومواقع وشعب عصيّ على أي إساءة، ويدل على أهمية أن تكون المقاومة محتضنة من الشعب اللبناني وإلا تفقد مناعتها وقوّتها”.
هذا الموقف كان كفيلاً بإسقاط ذلك الغطاء، فتواصلت سلسلة السقطات وأيقظت معها البيئة المسيحية التي استفاقت متأخرة جداً، لكن المهم أنها استفاقت.