سيناريوهات ينتظرها سلاح “الحزب”
بعدما لمس “الحزب” أبعاد الكارثة عليه وعلى بيئته الاجتماعية والطائفية، ودرس انعكاساتها السياسية في الداخل، قرر الانحناء للعاصفة. ولذلك أبدى في الجولة الأخيرة استعداداً لإبرام صفقة
كتب طوني عيسى لـ “هنا لبنان”:
التعليمات التي حملها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، قبل توجهه إلى الشرق الأوسط، هي الآتية: هدفنا هو وقف الحرب في غزة ولبنان وإطلاق المسارات السياسية، إنه حاجة استراتيجية للولايات المتحدة، لكنه أيضاً حاجة انتخابية طارئة للرئيس جو بايدن فمعركته مع دونالد ترامب حساسة، وعلى هوكشتاين ابتداع الإخراج المناسب على الجانب اللبناني، حيث الأمور قاربت الانفجار الحتمي.
في زيارته السابقة، في كانون الثاني، فشل هوكشتاين إذ تبلغ من “حزب الله” رفضه فك الارتباط بغزة وسحب المقاتلين إلى الليطاني. وبدا “الحزب” حينذاك غير راغب في التسوية. ولذلك، طرح من خارج السياق مسألة مزارع شبعا الشديدة التعقيد، وهو يعرف أنها ستنسف المفاوضات بسبب ارتباطها بقرار دمشق أيضاً.
ولكن، في الشهرين الأخيرين، تبدلت المعطيات. وظهر أنّ الإسرائيليين استنفدوا الوساطات مع لبنان، واتخذوا قراراً حاسماً بإبعاد “الحزب” عن الحدود بقوة الصواريخ. وبعثوا برسائل تهديد إلى لبنان مفادها أنّ المنطقة الحدودية المستهدفة سيلحق بها الدمار وفق نموذج غزة، وأنّ قرى الحدود، بعرض كيلومترات، ستصبح فارغة وغير صالحة للسكن حتى إشعار آخر.
لمس “الحزب” أبعاد الكارثة عليه وعلى بيئته الاجتماعية والطائفية، ودرس انعكاساتها السياسية في الداخل، فقرر الانحناء للعاصفة. ولذلك، هو أبدى في الجولة الأخيرة استعداداً لإبرام صفقة، فهو يرى أن التنازلات التي سيقدمها في أي ترتيبات أمنية وتسوية سياسية تبقى أفضل من الخسائر المريعة المتوقعة في الحرب.
ويندرج خيار “الحزب” في سياق سياسة “حماية الرأس” التي بدأت تعتمدها إيران، منذ أسابيع، وتمثلت بطلبها من التنظيمات الرديفة في العراق وسوريا، أن تتجنب استهداف القوات الأميركية، لأنّ واشنطن قررت الرد بضربات موجعة قد لا توفر الداخل الإيراني.
وخلافاً لما جرى تسريبه عن أنّ الوسيط الأميركي رفض أن تسري هدنة غزة على لبنان أيضاً، فالمعلومات تؤكد أنّ الرجل تفاهم مع الجانب اللبناني على أن تكون هدنة غزة المتوقعة خلال شهر رمضان فرصة لوقف النار وإطلاق مفاوضات حول الترتيبات الأمنية على الجانب اللبناني، تجرى في الناقورة، ويكون إطارها شبيهاً بمفاوضات الحدود البحرية. وإذا نجحت هذه المفاوضات، فستتوّج باتفاق على النقاط الـ13 المختلف عليها، من الـB1 إلى كفرشوبا.
ولكن، ستبقى عالقة مزارع شبعا التي يتعذر الاتفاق على مصيرها بين لبنان وإسرائيل. فالسوريون يرفضون تماماً دخول المفاوضات مع لبنان حول ترسيم الحدود المشتركة في أي منطقة. وهذا الأمر مقصود على الأرجح، وخطط له الحلفاء في الصف الواحد، طهران ودمشق وبيروت.
المزارع هي الذريعة الأساسية الباقية للتمسك بالسلاح. وبالتأكيد، في أي مفاوضات محتملة بين لبنان وإسرائيل، ستظهر عقدة مزارع شبعا عصية على الحل. وبناء على ذلك، سيعلن “الحزب” استمرار احتفاظه بالسلاح في الداخل، حتى إشعار آخر. ومن هذه الزاوية تُطرح السيناريوهات حول مستقبل هذا السلاح.
ترفض حكومة بنيامين نتنياهو أي وقف للنار في الجنوب اللبناني ما لم تضمن زوال الوضع الذي أدى إلى تهجير السكان من الشمال. وهي تريد أن ينطوي أي اتفاق حدودي جديد على التزام القرار 1701، كلياً أو جزئياً، وانسحاب المقاتلين وسلاحهم من الحدود حتى عمق كيلومترات عدة، أو إلى خط الليطاني.
ثمة من بدأ يتحدث عن “إغراءات” اقتصادية قد تُعرض على “حزب الله” لتشجيعه على الانخراط في الصفقة. ولكن، ثمة من يسأل: هل سيتم أيضاً إغراؤه بمكاسب سياسية أو عسكرية وأمنية أيضاً، وبمباركة لسلاحه، ما دام قد انكفأ عن الحدود؟
المفارقة اليوم هي أنّ مهمة السلاح وفاعليته قد أضحت واضحة أكثر من أي يوم مضى. فهي اقتصرت على “المشاغلة” دعماً لغزة، بفاعلية محدودة هناك وأكلاف باهظة هنا. وقد تجنّب “الحزب” توسيع حرب الحدود، خوفاً من الأهوال المحتملة، فيما تجرأ الإسرائيليون على التوسيع مراراً.
فصحيح أنّ صواريخ الحزب قادرة على بلوغ مناطق بعيدة في قلب إسرائيل، لكن الدمار الذي سيصيب لبنان في المقابل سيكون كارثياً. وفي المرحلة المقبلة، سيفقد السلاح مزيداً من فاعليته في مواجهة إسرائيل، نتيجة الاتفاق على المنطقة العازلة والضوابط التي سيتم الاتفاق عليها.
ولكن، هذا السلاح الذي سيصبح أقل فاعلية مقابل إسرائيل، هل سيبقى تأثيره قوياً في الداخل؟ وثمة أصوات، في بيئات سياسية وطائفية عدة، تسأل عن مغزى وجود السلاح، وبقائه في يد فريق واحد. كما يتم التداول بالمخارج المحتملة من هذا “الستاتيكو”.
– البعض يقول بفتح الحوار الوطني حول الاستراتيجية الدفاعية مجدداً، لعل الظروف تسمح بتحقيق تفاهم شفاف على هذا الملف.
– البعض الآخر يقول إنّ هذا السلاح، الذي يكرس نفوذ إيران على السلطة المركزية اللبنانية، لا يمكن للبنانيين أن يخرجوه بأنفسهم. والأحرى أن تساهم القوى الإقليمية والدولية في إخراجه ضمن سلة تفاهماتها الكبرى.
– آخرون يتحدثون عن اعتماد النموذج العراقي، حيث “الحشد الشعبي” أصبح جزءاً من القوى النظامية.
كل هذه السيناريوهات خطرة، وتعتريها ثغرات أو تواجهها تحديات. ومن حق اللبنانيين أن يخشوا تجاهل مصالحهم وهواجسهم عند طرح هذا الملف على طاولات التفاوض الإقليمية والدولية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
صفقة بين ترامب والأسد تقطع السلاح عن “الحزب”؟ | لا سلاح في شمال الليطاني أيضاً | استنفار قيادي درزي منعاً لأي مغامرة |