بلدية بيروت والأعراض المزمنة: تفعيل أم تقسيم انتخابي؟
يثير الإهمال والتقصير في توفير الخدمات الأساسية في بعض أحياء بيروت، قلقاً متزايداً بين سكان العاصمة. ونتيجة ذلك، ذهب البعض للمطالبة بتقسيم بلدية بيروت، بهدف تحسين إدارة المدينة وتوزيع الخدمات بشكل أفضل
كتب جوني فتوحي لـ”هنا لبنان”:
في بيروت الإدارية، قلب لبنان النابض وعاصمته الحيوية، تجتمع الثقافات والتاريخ والحداثة والتعددية لتشكل مزيجاً فريداً ومتنوعاً ربما لا تشكله أيّ عاصمة في العالم.
ولكن مع ذلك، يثير الإهمال والتقصير في توفير الخدمات الأساسية والبنية التحتية في بعض أحياء بيروت، قلقاً متزايداً بين سكان العاصمة. فنتيجة هذا الإهمال، ذهب البعض للمطالبة بتقسيم بلدية بيروت، بهدف تحسين إدارة المدينة وتوزيع الخدمات بشكل أفضل ومتساوٍ، والتصدي لهذه الأزمة التي تعاني منها بعض المناطق. فتقسيم بلدية بيروت إلى بلديات عدة قد يظهر في البداية كخطوة إدارية جيدة لتنظيم الحياة العامة وتسهيل تقديم الخدمات للمواطنين، ولكن يمكن أن يكون لهذا الإجراء عدة تداعيات سلبية في ظل الكباش السياسي الحاصل في البلد بشكل عام مما يؤدي إلى ضرب التواصل بين المواطنين، وتهديد النسيج الاجتماعي المتناغم.
الجميّل: البلدية لا تطبق الإنماء بشكل صحيح
في سياقٍ متصل قال النائب نديم الجميل لـ”هنا لبنان” إنّ السبب الأساسي الذي يدفع إلى تقسيم بلدية بيروت إلى أقسام عدة هو الإنماء، لأنّ كل القاطنين في بيروت الواحدة يعتبرون أنّ الإنماء لا يُطبّق بشكل صحيح، ويعتبرون أنفسهم مهمشين، ولذلك يجب أن يكون هناك تواصل بشكل دائم بينهم وبين ممثليهم، من هذا المنطلق يطالب العديد من المواطنين أن يكون التمثيل في المجلس البلدي يعبر عنهم ويراعي مصالحهم.
وأضاف: هذا الطلب ملح أكثر في الشارع المسيحي لأنّ هناك نقصاً في معرفة حقائق بلدية بيروت، إذ يعتبر أنّ الجزء الأكبر من الإنفاق على الخدمات، يذهب إلى منطقة بيروت الثانية، لكن هذا الأمر فيه بعض المغالطات والمزايدات، ويجب توضيحه ونحن نرفض اللعب على الوتيرة الطائفية، ولتكن الوتيرة إنمائية، فهمّنا إنماء العاصمة بكل أحيائها ومناطقها.
وأضاف: إذا لم تُطرح الفكرة بشكل صحيح وسليم من زاوية إنمائية، لإيصال الحقوق لجميع المواطنين بمجلس بلدية بيروت، فهذا حتماً سينتج ردة فعل سلبية في العاصمة، لذلك يجب طرح هذا المشروع بطريقة إيجابية، بحيث يمكن أن نصل إلى نتيجة ونؤمّن المساواة والحقوق المطلقة لأهالي بيروت، دون أيّ اعتبار حزبي أو مناطقي أو طائفي، فالاعتبار الإنساني هو همنا الأساس وهناك شيء مشترك يجمعنا وهو محبتنا وغيرتنا على هذه المدينة.
عبّر الجميل عن خشيته من أن تأخذ هذه الفكرة منحى طائفياً قائلاً: التحدي الأكبر في هذا الموضوع هو تجنب التقسيم الطائفي، اليوم إذا ذهب البعض إلى طريق الجديدة وسأل المواطن ما هي مشكلتكم مع بلدية بيروت الإجابة ستكون ليس هناك أرصفة ولا إنارة وغياب الأمن، وهذا الأمر ذاته ينطبق على بعض أحياء الأشرفية أيضاً، فإذا أخذ الموضوع منحى طائفياً ستُعرقل الكثير من الأمور، فنحن لا نريد أن نكون منقسمين عن أخوتنا المسلمين فنحن نؤكد أننا يد واحدة و14 آذار وحّدتنا وخلقت دينامكية كبيرة جداً في البلد يجب الحفاظ عليها، ولكن الأهم الحفاظ عليها بأبهى صورة لإعطاء التمثيل الصحيح وتفعيل التعاطي السياسي والإداري والإنمائي، وإذا كان التنافس بين المنطقتين على من يهتم بإنماء منطقته أكثر، فهذا حق مشروع ونأمل أن يكون كذلك.
الصادق: لا نريد بيروت شرقية وغربية
من جهةٍ أخرى، قال النائب وضاح الصادق لـ”هنا لبنان”: طُرح موضوع تقسيم بلدية العاصمة، لأنّ المجلس البلدي اعتبر سياسياً وطائفياً محكوماً بصيغة معينة، بحيث تعطى بيروت الثانية أفضلية على حساب بيروت الأولى، لكن هذا الانطباع غير صحيح، إذ إنّ بيروت الثانية مثل بيروت الأولى، تعاني من الإهمال البلدي لفترة طويلة جداً، وهذا ما دفع بعض النواب وخصوصاً التيار الوطني الحر إلى طرح مطلب التقسيم، فعرضوا الموضوع وأسبابه، وأنا من الأشخاص الذين لم أتوافق معهم بهذا الشأن، علماً أنه يجب إيجاد حل اليوم لموضوع البلدية. وأضاف: يكمن السبب الآخر الذي دفع إلى طرح هذه الفكرة، في محاولة كي تكون انتخابات البلدية المقبلة، على أساس التقسيم الطائفي (12ب12)، وهذا ما لا يمكنهم من الوصول إليه، بسبب التوزيع السياسي في بيروت، فسابقاً كان هناك محاصصة كاملة واليوم لا يوجد طرف آخر ليتحاصصوا معه، ولذلك من الممكن أن يتأثر تقسيم المناصفة بهذا الموضوع.
وعن احتمال أن تسبب خطوة كهذه توترات سياسية داخل العاصمة، قال الصادق: إننا نحاول جاهدين إلغاء التوزيع الطائفي لأنّ هذه هي المشكلة الأساسية، فقد أصبح كل واحد منا يريد حماية نفسه، يتقوقع داخل طائفته ولا يتعاطى مع باقي اللبنانيين.
وأضاف: لا نريد أن تتقسم بيروت كما كانت مقسمة خلال الحرب الأهلية (أي بيروت شرقية وبيروت غربية) فهذا مشهد بشع، ولكن أؤكد في المقابل أنّ هناك أزمة وهي تترجم بدعوة البعض إلى تطبيق الفدرالية ويجب أن نجد الحل قبل أن تداهمنا الأزمة.
وعن التحديات لمواجهة هذا الطرح قال الصادق : هناك ضعف كبير جداً يؤدي إلى فشل العمل البلدي، علماً أنّ رئيس البلدية عبد الله درويش، يحاول العمل جاهداً ولكن البلدية مفلسة، واليوم هم يتعرضون لضغط سياسي كبير، ونحن كنواب ندعمهم وهم يعانون من بعض الفشل بسبب التدخل السياسي.
بقرادوني: التقسيم الانتخابي يؤمن التمثيل الصحيح
وفي الإطار نفسه، قال عضو تكتل الجمهورية القوية النائب جهاد بقرادوني لـ”هنا لبنان” إنّ المطلب الأساسي هو التقسيم الإنتخابي لبلدية بيروت، مشيراً إلى أنّ بيروت مدينة واحدة ويجب تقسيم بلديتها انتخابياً، كما حصل في الإنتخابات النيابية، وهذا يتيح التمثيل الصحيح للبلدية ويحافظ على التوازن الطائفي.
وأضاف: هناك طروحات عدة تتمثل بوجود إدارة محلية تابعة للبلدية بكل المناطق، ضمن نطاق بيروت، وليتم تمثيل هذه المناطق بأعضاء ضمن المجلس البلدي، فنحن لا نريد بلديات عدة، بل نريد بلدية واحدة ولكن نريد تعديل النظام الإنتخابي.
وقال: إن خطوة كهذه لا يجب أن تؤدي إلى توترات سياسية داخل العاصمة، لأن هذا يفعّل عمل البلدية أكثر، إذ تنتخب كل منطقة في العاصمة ممثلين عنها، مما يؤدي إلى رفع الكفاءة وخدمة كل سكان العاصمة بشكل أفضل، ويسهم في رفع مستوى الخدمات.
وأشار بقرادوني إلى أنّ الوصول إلى صياغة قانون انتخابي بلدي جديد للعاصمة، ليس مهمة صعبة، لكن هناك تحديات، ونحن نسعى منذ البداية لتحقيق الأفضل لبيروت، لكن من جهةٍ أخرى هناك معارضة من بعض النواب لهذا الطرح.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجيش يضبط المطار: نموذج سيعمم على كل لبنان | إرث لبنان المهدد بين نيران الصراع وصمت العالم | سياحة على وقع الحرب ضربات متتالية على الرأس |