الراعي: هناك إنتهاكٌ سافرٌ للدستور في عدم إنتخاب رئيس
قال البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال إطلاق المؤتمر الوطني الماروني في جبيل: “يسعدني في ختام حفل إطلاق المؤتمر الوطني المارونيّ، أن أوجّه معكم تحيّة تقدير وشكر لجمعيّة إنماء بلدة معاد-جامعة الأسرة المعاديّة التي، بالتعاون مع الرابطة المارونيّة وتجمّع موارنة من أجل لبنان والمؤتمر المسيحيّ الدائم، على إتّخاذها المبادرة بإطلاق المؤتمر الوطنيّ المارونيّ الذي نرجو له النجاح وفاتحة مسيرة للمحافظة على لبنان في كيانه المميّز وخصوصيّاته ورسالته في هذا الشرق وما لها من أثر على المستوى العالميّ”.
أضاف الراعي: “إستهلّ القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني إرشاده الرسوليّ “رجاء جديد للبنان” الّذي وقّعه في بيروت بتاريخ 10 أيّار 1997 بهذا الكلام: “لبنان بلدٌ طالما اتجهت إليه الأبصار. ولا يمكننا أن ننسى أنّه مهدُ ثقافةٍ عريقة وإحدى منارات البحر الأبيض المتوسّط. فلا يستطيع أحد أن يجهل اسم بيبلوس التي تذكّر ببدايات الكتابة”. أجل، بروحيّة هذه الشهادة الحبريّة، ينطلق المؤتمر الوطنيّ المارونيّ”.
وتابع: “في إطار التمييز بين الدولة والنظام كتب الأستاذ أنطوان مسرّة: “إعتاد علماء حقوق وسياسة على توصيف الدولة بأنّها ديموقراطيّة وليبراليّة وسلطويّة.. في حين أنّ الدولة لا توصف إلّا بذاتها in se. أمّا النظام السياسيّ فهو الذي يوصف بالديموقراطيّة والليبراليّة والسلطويّة والفعاليّة.. أوّل أيلول 1920 هو تاريخ نشوء الدولة اللبنانيّة. أمّا الكيان اللبنانيّ فجذوره تعود إلى أقدم العصور. قبل أوّل أيلول 1920 كان لبنان إمارات وإقطاعيّات وولايات خاضعة للسلطنة العثمانيّة التي كانت هي الدولة”، “تنشأ الدولة في مرحلة تأسيسيّة بامتداد سلطتها على كلّ الأطراف الجغرافيّة والجماعات والإقطاعيّات والإمارات والزعامات في سبيل احتكارها حصراً القوّة المنظّمة، أي جيش واحد، وديبلوماسيّة واحدة”.
وأشار الراعي إلى أنّ “دولة لبنان بكيانها ونظامها ذات ميزات جعلت من لبنان قيمة حضاريّة، أذكر من هذه الميزات أربعًا:
أوّلًا، تتميّز دولة لبنان عن كل الدول العربيّة، وهذا ما يعطيها قيمة بنظرها. فمنذ التأسيس شاءها المكرّم البطريرك مار الياس بطرس الحويك دولة لا دين خاصّاً بها. ليس فيها دين للدولة، ولا إنجيل ولا قرآن مصدرا للتشريع، لكنّها دولة “تحترم جميع الأديان والمذاهب، وتكفل حريّة إقامة الشعائر الدينيّة تحت حمايتها وتضمن للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصيّة والمصالح الدينيّة”.
ثانياً، قام لبنان منذ البداية وعلى لسان البطريرك الحويك في مؤتمر فرساي للسلام سنة 1919 بقوله: “أُلفت نظركم إلى التطوّر العظيم في الكيان اللبنانيّ، وهو الأوّل في الشّرق إذ “يحلّ المواطنة السياسيّة محلّ المواطنة الدينيّة”. فيكون المرء لبنانيّاً أوّلاً ثمّ مسيحيّاً أو مسلماً، وليس العكس.
ثالثاً، في لبنان قاعدة أساسيّة هي العيش المشترك بين المسيحيّين والمسلمين بالمساواة في الحقوق والواجبات. ليست هذه القاعدة مبنيّة على العدد بل على الشّراكة المتساوية في الحكم والإدارة بين المسيحيّين بمجمل مذاهبهم، والمسلمين بمجمل مذاهبهم. بهذا المعنى قيل إنّ لبنان “كطائر ذي جناحَين”. هذه الميزة منحها الدستور بُعداً شرعياً، فنصّ في المقدّمة على “ألّا شرعيّة لأي سلطة تناقض العيش المشترك” (المقدّمة، ي). وقد أصبح ميثاق العيش المشترك (1943) المتجدّد في اتّفاق الطائف 1989 أساس الثقة بين اللبنانيّين.
رابعاً، في بيئة عربيّة ومشرقيّة حيث أحاديّة الدّين والحزب والرأي، يتميّز لبنان بالتعدّديّة الثقافيّة والدينيّة في إطار الوحدة الوطنيّة القائمة على 3: المساواة في الحكم والإدارة، النّظام السّياسيّ الجمهوريّ الديموقراطيّ البرلمانيّ، الحريّات العامّة وفي طليعتها حريّة الرأي والمعتقد”.
وتابع: “ولكن للأسف الشديد نلحظ أنّ هذه الميزات التي جعلت من لبنان “قيمة حضاريّة ثمينة”، وجسراً ثقافيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً بين الشرق والغرب، ومكانًا للحوار وتلاقي الأديان، آخذة في التشويه منذ نحو ثلاثين سنة.
أ- فهناك انتهاكٌ سافرٌ للدّستور ظاهر بشكل خاصّ في عدم إنتخاب رئيس للجمهوريّة، من دون أيّ مبرّر، ولكن لأهداف مكشوفة وهي إقصاء الرّئيس المسيحي المارونيّ الوحيد في هذا الشرق. فنسأل أي شرعيّة لممارسة مجلس النواب فاقد صلاحيّة التشريع، ولممارسة مجلس الوزراء فاقد صلاحيّة التعيين وسواه مما هو حصراً منوط برئيس الجمهوريّة؟.
ب- وهناك إنتهاكٌ خطيرٌ آخر للدّستور في المادّة 65 التي تعتبر “إعلان الحرب والسلم من المواضيع التي تحتاج إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة”. وها نحن في صميم حرب مع إسرائيل لا يُريدها أحدٌ من اللبنانيّين فيما يُقرّرها فريق يورّط فيها لبنان والجنوب واللبنانيّين وهم كلّهم ما زالوا يُعانون من الحرب اللبنانيّة المشؤومة ونتائجها.
ج- وبعد إبرام إتفاق الطائف (1989) الذي لا يُنفّذ بروحه وبكامل نصوصه، ظهر مليّاً غياب سلطة سياسيّة حاسمة في لبنان، فدبّت الفوضى وبات الحكم على الأرض للنافذين بمنصبهم أو بسلاحهم أو بمالهم أو باستقوائهم. وقد أقرَّ رئيسُ الجمهوريَّة السابق العماد ميشال عون في أواخر عهده: “لسنا في جمهوريّة، بل في جمهوريّات”.
د- وما القول عن حالة الفقر المتزايد، ونزيف الهجرة، وخسارة أهمّ قوانا الحيّة، وعن النتائج الوخيمة لوجود مليونَي نازح سوري على المستوى الإقتصاديّ والأمنيّ والإنمائيّ والإجتماعيّ والتربويّ؟؟”.
وختم قائلاً: “هذا المؤتمر الوطنيّ المارونيّ جاء في وقته ومحلّه، ليكون وسيلة لإعادة معرفة ذاتنا اللبنانيّة ومسؤوليّتنا. فلبنان وقيمته الحضاريّة مسؤوليّة في أعناقنا. لبنان مريضٌ ويجب تشخيصُ مرضه من أجل التزام شفائه. مرضه الأساسيّ أنّه فقد جوهر طبيعته وهو حياده الإيجابيّ الفاعل كوسيط سلام، ورائد حوارٍ وتلاقٍ، ومدافع عن حقوق الشعوب، وفي مقدّمتهم الشعب الفلسطينيّ. لا يستطيع لبنان أن يقوم بهذا الدور والرسالة إذا دخل في حروب ونزاعات إقليميّة أو دوليّة”.
مواضيع ذات صلة :
سلسة لقاءات للراعي في الديمان | الراعي بارك تمثال البطريرك الدويهي في بكركي | في عيد القديس شربل.. مواقف دينية ودبلوماسية تتمنى أن يحلّ لبنان مشاكله! |