اليمين الإسرائيلي وحماس.. على حافة “السلام”!
ترجمة “هنا لبنان”
كتب ميشال توما لـ”Ici Beyrouth“:
على غرار الخرافة الفيزيائية حول “الحركة الأبدية” إلى أجل غير مسمى، يبدو أنّ بعض الجهات الفاعلة والمؤثرة على المشهد الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط قد وضعت تصوّراً “للحرب الأبدية”، وكأن بها لعبة يتم التحكم بها. وعلى شاكلة “الفن من أجل الفن”، يبدو أنّ هناك حاليا “الحرب من أجل الحرب”.. بلا أي أفق أو هدف. وإلا ما الذي قد يفسر قرار حكومة نتنياهو الأخير ببناء 3500 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، في الوقت الذي يواصل فيه المجتمع الدولي برمته والدول العربية التأكيد بشكل موحد على أنّ الحل الوحيد والدائم للحرب وللصراع في الشرق الأوسط هو ذلك الذي يقود للتعايش بين دولتين – إسرائيلية وفلسطينية؟ أما الزيادة المعلنة في عدد المستوطنات الإسرائيلية في ما تبقى من الضفة الغربية غير المحتلة فلا ينتج عنها إلا المزيد من قضم الأراضي (القليلة بالفعل) التي تشكل الدولة الفلسطينية، وبالتالي تعقيد التسوية النهائية أكثر فأكثر.
وفي هذا الصدد، يكتسب مؤلف الكاتب والصحفي مارك هيليل بعنوان “إسرائيل في خطر السلام” (عام 1968)، وضوحاً ورمزية خاصة وبعداً استشرافياً. فهل اتخذ اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو هذا العنوان شعاراً لخطه السياسي؟ المسألة ليست بعيدة كما قد يتصور المرء، إذا ما انطلقنا من مسار الأحداث منذ اتفاقية أوسلو في العام 1993، وإطلاقها تحت القيادة الجريئة لحزب العمل الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات.
بالتوازي مع قيام شاب إسرائيلي يميني متطرف في 4 تشرين الثاني 1995، باغتيال إسحاق رابين المهندس الرئيسي لعملية السلام من الجانب الإسرائيلي، لم يدخر الفصيل الذي يقوده نتنياهو أي جهد لتعزيز حماس، التي تعارض السلام بشراسة على مختلف المستويات. أما الهدف فنسف مشروع الدولة الفلسطينية وإضعاف الشريك الآخر ضمن اتفاق أوسلو، أي منظمة التحرير الفلسطينية. وهكذا عملت الحكومات التي شكلها الليكود، على مر السنين، على تسهيل تحويل الأموال (مئات الملايين من الدولارات) التي تقدمها قطر، عبر القنوات الإسرائيلية، لصالح حماس في غزة.
وغضت هذه الحكومات نفسها تحت سيطرة الليكود الطرف عن أعمال البنية التحتية الضخمة التي نفذتها حماس في وضح النهار، لعدة أشهر، لبناء الأنفاق الشهيرة من أقصى إلى أقصى أراضي غزة. هذه هي الأنفاق نفسها التي تسمح اليوم لميليشيات حماس بشن حرب استنزاف ضد… الجيش الإسرائيلي! ومن أجل تأسيس هذه البنية التحتية المثيرة للإعجاب بشكل أفضل، وتفادي أي عوائق، قامت حماس بتصفية واضحة وبسيطة، بالدم، لوجود حركة فتح في غزة، وهكذا اغتيل العديد من مسؤوليها التنفيذيين أو تم رميهم من النافذة بلا رحمة!
ولتكتمل قتامة الصورة، من المشروع التساؤل كيف تمكنت حماس نفسها من الاستعداد بسهولة وتنفيذ هجوم دموي واسع النطاق، كهجوم 7 تشرين الأول، واختراق الأراضي الإسرائيلية بهذه السهولة على الرغم من التقنيات الأمنية الإسرائيلية المتطورة. هذا، في حين حذرت أكثر من جهة أجنبية، أبرزها الجهات المصرية، حسب عدة مصادر، السلطات الإسرائيلية من عملية كبيرة يجري التحضير لها. لكن هل يهم ذلك فعلاً؟ ألا تواجه إسرائيل خطر الوقوع في السلام؟
المشكلة تكمن في أنّ اليمين الإسرائيلي عمل على نسف اتفاق أوسلو دون أن يقترح حلاً بديلاً على الإطلاق، على غرار حماس. بالنسبة للمنظمة الأصولية الفلسطينية، كل شيء مباح لعرقلة مشروع الاستيطان، دون طرح أي بديل هنا أيضاً. وصوّر هجوم 7 أكتوبر على أنه انقلاب، باعتباره عملاً حربيًا هائلاً. والنتيجة التي يعاني منها سكان غزة بشكل يومي منذ أكثر من خمسة أشهر، تفصح عن الكثير…
ولا تكتفي حماس، في مثل هذا السياق، بعرقلة أي عملية للسلام، لكنها تعمل أيضاً، وفاء لنهج “الحرب الأبدية”، على إدامة، بل وزيادة التوترات وزعزعة الاستقرار في الدول العربية، بالتواطؤ مع فصائل أخرى تصف نفسها بـ “محور الممانعة”، بينما هي في الواقع أدوات بسيطة بيد الحرس الثوري الإيراني. ومن هذا المنطلق، تم عقد اجتماع تشاور وتنسيق قبل أيام في الضاحية الجنوبية (هكذا!) بين حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (الشبح العائد!) والحوثيين، بهدف الزعزعة المفرطة للاستقرار، وها هم يقومون الآن بتوسيع هجماتهم إلى المحيط الهندي، بعد أن أصبح الوضع في البحر الأحمر بلا شك “مبتذلاً” وروتينياً إلى حد ما بالنسبة لهم.. رواد الحرب من أجل الحرب…
الأكثر دراماتيكية في المحن التي يعيشها الشعبان اللبناني والفلسطيني اليوم هو أن دعاة الحرب هؤلاء، بما في ذلك حزب الله، لا يسعون في نهاية المطاف لتحرير طوباوي ما، بل لتعزيز موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سياق مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، ومنحها مكانة مهيمنة على رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط.
ويبدو أن عملية السلام البراغماتية (أي عملية أوسلو) تقف بمواجهة استراتيجية اللاعقلانية وازدراء مصلحة المدنيين: هكذا يمكن توصيف الأزمة الوجودية العميقة التي تهز المنطقة حالياً. بالتالي، لا يجدر بالمواطن العادي أن يجد صعوبة في اختيار الجانب الذي يدعمه، لا سيما في ظل المحن العقيمة والعبثية التي عاشها اللبنانيون، لأكثر من نصف قرن رغم إرادتهم.
مواضيع ذات صلة :
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | في لبنان ما يستحق الحياة | هولندا تتوعّد بإلقاء القبض على نتنياهو |