هل “جرف” طوفان الأقصى خرائط “سايكس – بيكو” في المنطقة؟
بدأت المنطقة تشهد تحولات جغرافية من شأن استمرارها وتعمقها أن يؤدي ربما إلى تغيير خرائط أو على الأقل تحوُّل حدود هذه الخرائط إلى وهمية بدل أن تكون رسمية وعملية.. والخطير في كل ذلك أنّ “خيوط الخرائط” تُحرَّك من إيران التي قال أحد قادتها يومًا “إنّ بلاده تسيطر على أربع عواصم عربية
كتب جان الفغالي لـ”هنا لبنان”:
يقول أحد المخضرمين ممن واكبوا حرب تشرين عام 1973، بين سوريا ومصر من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، أن الضربة الإسرائيلية على حلب فجر الجمعة 29 آذار الحالي، والتي أوقعت أكثر من اربعين قتيلاً، لم يتكبد الجيش السوري خسارةً بهذا الحجم حتى في عزّ الحرب مع إسرائيل عام 1973، وتأتي هذه الخسارة الفادحة في وقت ليست سوريا في حربٍ مع إسرائيل في الوقت الراهن.
إنّ آخر حرب “رسمية” وقعت في تشرين الأول 1973، أي منذ واحدٍ وخمسين عامًا، بعد ذلك حصلت “معارك جوية” سورية – إسرائيلية في السماء اللبنانية، سواء في أزمة صواريخ سام إثر حرب زحلة عام 1981، أو خلال الاجتياح الاسرائيلي في حزيران من العام 1982، منذ ذلك التاريخ ، لم تشهد المنطقة أي حرب بين سوريا وإسرائيل.
لكن ما بدأ يحصل منذ السابع من تشرين الأول الفائت، تاريخ بدء عملية “طوفان الأقصى”، أطاح بكل المعايير والحدود والخرائط، وكأننا أمام رسم خرائط جديدة حيث تبدو خطوط الخرائط القديمة التي رسمها “مارك سايكس وجورج بيكو” بدءًا من عام 1916، لاقتسام السلطنة العثمانية، قد بدأت ملامحها تُمحى، فماذا يعني أن تسقط الحدود بين لبنان وسوريا فيتنقَّل حزب الله بين البلدين كأن لا حدود بينهما؟ وماذا يعني أن تلاحق إسرائيل حزب الله في سوريا كما تلاحقه في لبنان؟
وما ينطبق على الحدود بين لبنان وسوريا، ينطبق على الحدود بين سوريا والعراق الذي عبرها تصل مجموعات الحرس الثوري الإيراني إلى دمشق وحلب وغيرها من المدن السورية، والغارات الإسرائيلية على سوريا تستهدف، في ما تستهدف، مقرات لخبراء إيرانيين والحرس الثوري الإيراني وكوادر من حزب الله ومستودعات صواريخ ومصانع صواريخ.
وما ينطبق على الحدود المستباحة بين لبنان وسوريا وبين سوريا والعراق، ينطبق على الحدود المستباحة بين العراق وإيران وصولاً إلى استباحة الحدود بين سوريا وتركيا.
إذًا، هذه المنطقة من العالم بدأت تشهد تحولات جغرافية من شأن استمرارها وتعمقها أن يؤدي ربما إلى تغيير خرائط في المنطقة أو على الأقل تحوُّل حدود هذه الخرائط إلى وهمية بدل أن تكون رسمية وعملية. والخطير في كل ذلك أنّ “خيوط الخرائط” تُحرَّك من إيران التي قال أحد قادتها يومًا “إنّ بلاده تسيطر على أربع عواصم عربية”، وللمفارقة فإنّ دول هذه العواصم هي التي تشهد “محوًا” لخطوط حدودها.
هل المنطقة مقبلة على “سايكس – بيكو” جديد يعدِّل في خرائط “سايكس- بيكو” القديم الذي تم التوصل إليه من أكثر من قرن؟
ما حدث ويحدث في غزة، لا يشبه سوى نكبة 1948 ونكسة 1967، وبعد تلك النكبة والنكسة، تبدَّلت خرائط، فهل المنطقة أمام تبدّل ثالث؟ الجواب بعد انتهاء حرب غزة، علمًا أنّ النتيجة بدأت تتبلور، فانتقلت المنطقة من “وحدة الساحات” إلى “استباحة الساحات”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها | لبنان أمام عشرة أسابيع حاسمة | تدمير تحت الأرض.. دمارٌ فوق الأرض |