عن معاني أسبوع الآلام الماروني
كتب يوسف معوّض لـ“Ici Beyrouth”:
شعور بالخيانة يرافق العودة إلى المنزل بعد انتهاء القداس في إحدى كنائس بعبدا.. ويضاعف ذلك النفس الثقيل، شعور بالأسى.. فكم يؤسفني أن لا أصلّي في زغرتا… أو رميش تحديداً.. هناك، في المناطق الحدودية حيث تنبض قلوب أهلي وحيث الخطر هو المأوى. هناك، حيث يثقل الخطر ويتمدد خارج الحدود.. في رميش أو عين إبل أو أي بقعة مسيحية أخرى في الجنوب اللبناني. هذا مع الإشارة إلى أن المجمع الفاتيكاني الثاني، تمخض عن التخلي عن بعض الممارسات التي اعتبرت إحتفالية.
لكن يعصى على من لم يتابع قداس الجمعة العظيمة المارونية أن يفقه ماهية طائفتنا “الكنعانية” للغاية في طقوسها! وأعني بذلك استيعابها في تأكيدها على أن لا موت أو صلب يثنيها عن الوجود. على المستوى البشري، التاريخ يقيد جذورنا بالأرض بصفتنا فلاحين ولم نكن البتة أقرب منها كما اليوم.
وفي هذه الأرض، صاغت أساطير جبل لبنان المتخيل وحكايات أرض الوفرة، وعينا الطائفي. وحتى حرب 14-18، كنا نعمل في الأرض بإشراف رجال الدين. وصاغ كاهن القرية البسيط، قبل أن يسلم الراية، وفقًا للتقويم الليتورجي للصوم الكبير والأسرار السبعة.
كمال صليبي لطالما قال إنّ الكنيسة هي التي وحدت الموارنة على الدوام والسياسة هي التي فرقتهم. وبرأيه، لم تشهد هذه الكنيسة الأنطاكية بكرسيها البطريركي ما بين بكركي والديمان، والتي وجدت في قنوبين منذ أربعمائة عام، الانقسامات التي شهدتها الكنائس اليونانية والسريانية والقبطية والآشورية والأرمنية بين الأرثوذكس والكاثوليك.
بين النور الأرثوذكسي والآلام اللاتينية
ترسخ الصلاة المشتركة أواصر العلاقات بين الكهنة والمؤمنين، وهذا ما ترمز إليه عبارة religare باللاتينية والتي تعني الربط. وما ينطبق على بعض المسيحيين الشرقيين ينطبق بالتأكيد على سواهم. ولكني لن أجرؤ على الإستطراد كوني غير مطلع بالقدر الكافي. ومع ذلك، بإمكاني افتراض أن تراث الكاثوليكية اللاتينية يدور حول صلب المسيح وآلام الجمعة العظيمة والخلاص في المعاناة، في حين أن الإرث المسيحي الأرثوذكسي الأنطاكي يميل لتمجيد قيامة المسيح، ورمزية “الهجمة” والفرح المتجلي فيها.
ومع ذلك لدى الموارنة نفحات لاتينية إلى حدٍ ما، تمامًا كما البيزنطية منها لدى إخوانهم اليونانيين. لقد تسللت الآلام الكاثوليكية إلى طقوسنا، دون أن تتجذر فيها. وبعيدًا عن الألحان الرثائية وتلك المستوردة من أوروبا مثل ترنيمة “وا حبيبي”، نستشعر في قداس الجمعة الرغبة في تحدي القدر والمثابرة في التعلق بالأرض التي حملت خطى المصلوب. في الشمال حيث مسقط رأسي، القداس وقفة حربية متيقظة بقدر ما هو تمجيد للصليب! بمجرد الخروج من أبواب كنيسة سيدة زغرتا، اعترى الشعور بالثأر المؤمنين الذين هاجموا تمثال يهوذا الإسخريوطي، وشنقوه ثم أحرقوه.
الآلام، إن وجدت، ليست استسلامًا، بل هي الجمر الذي يشعل كل ذلك الغضب والثأر. فلا يخطئنّ أحدهم قراءة معانيها!
أين نحن اليوم؟
يصدح في هذا السياق صدى كلمات الأب الراحل يواكيم مبارك حول الكنيسة المارونية التي تميل لسبت النور، مقارنة بالكنيسة اللاتينية المحيطة كما يشهد التاريخ الملموس، بجمعة الآلام، والكنيسة البيزنطية التي تتشح بنفحات الفصح. وفي الواقع، لم تختبر الطائفة المارونية إلا “الشيول” (الجحيم)، الذي نزل إليه المسيح في ذلك السبت الذي يرغموننا على عيشه مراراً، على رجاء القيامة.
وفي رحلتنا الطويلة على درب الهوية، نحن الأقلية، شعب ينتظر ويتنفس مناضلاً على أمل الخلاص. ونحن أبعد من أن نتخلى عن أسلحتنا. ولا يظنن أحد أنّ دفن المسيح يعني بأي شكل من الأشكال استعدادنا للتخلي عن قيامته!
مواضيع ذات صلة :
حواط: الإبادة الأرمنية نموذج لظلم تاريخي دفع الكثيرون ثمنه! |