هل ينقرض المستثمرون في لبنان؟
كتب نيكولا صبيح لـ“This is Beirut”:
للأسف أصبح لبنان يعدّ من أسوأ الوجهات للاستثمار.. جوكأننا سعينا إلى ذلك عمدًا، فلا طريقة أخرى لشرح ذلك. لقد كانت “المخاطر التي نواجهها في بلدنا” في كثير من الأحيان مشكلة بالفعل، ولكن الآن ظلال الأزمة تقطع الطريق أمام أي بصيص للأمل أو أي بادرة لمشروع أو مبادرة تجارية. ولا تخفى العوائق على أحد.. والمخيف أكثر هو تراكمها المرعب الذي يعطي انطباعاً بأن الاستثمار أشبه بالمعركة الشاقة!
ويمكن فهم درجة التعقيد من خلال مثال توضيحي: فلنفترض مثلاً أنك صاحب مشروع جيد يعدك (أقله على الورق)، بعائد جيد على الاستثمار. ومع ذلك، إذا طرقت باب لبنان، سيتوجب عليك أولاً التأكد من توفر رأس المال اللازم بالكامل. لا تتفاجأ! فالحال أنّ لبنان ربما هو البلد الوحيد في العالم الذي يفتقر للائتمان المصرفي، أو حتى السحب على المكشوف على الحساب الجاري.. أو في الحد الأدنى، لبطاقة الائتمان الأساسية. والمشكلة لا تتعلق حتى بقرار مصرفي، بل بالقوانين الحالية التي تجعل الائتمان مستحيلاً. بالإضافة إلى ذلك، باتت التحويلات من وإلى لبنان مرهقة، نظراً لسمعته السيئة.
فلننتقل إلى الخطوة التالية، الإجراءات الإدارية لإنجاز المشروع. تأكد من أن تستفسر قبل أيّ خطوة، عن توفر الجهات الإدارية ذات الصلة ووضعها في نطاق الخدمة، واحرص على معرفة إن كانت أبوابها مفتوحة كليًا أو جزئيًا، أو مغلقة تماماً أو ربما لا يأتي الموظفون إلا أيام الأربعاء بين الساعة 10 صباحًا و10:30 صباحًا. من بعدها، عليك بالتحري عن الرشوة التي يتعين عليك تقديمها وهوية الشخص، مع فوضى قوانين الفساد في السنوات الأخيرة؛ ثم ابحث عن مفتاح الوصول إلى الوزير إذا احتجت لتوقيعه للحصول على تصريح (وتقييم سعره العادل أو سعر “مستشاره”)؛ ثم اشرع في مهمة البحث عن الطوابع المالية المستحيلة.
وهنا ما زلت في البداية.. بمجرد الانتهاء من كل هذه المعوقات، تبدأ الصعوبات الحقيقية للرحلة: حاويتك المرصودة في المرفأ وخطر إتلاف البضائع الخاصة بك بانتظار ظهور المفتشين؛ ومضايقات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لدفع الاشتراكات، والأموال المفقودة، بما أنه ما عاد يغطي أي شيء، عدا عن حاجتك لمضاعفة المبلغ مع شركة تأمين خاصة.
نصل الآن إلى عقبة تسجيل المركبة أو المبنى الذي حصلت عليه للتو، أو الحصول على رخصة بناء. سيتعين عليك أيضًا الالتزام بكمية هائلة من القوانين التي تمتص منك المزيد من المال والوقت.
بيت القصيد واضح.. فماذا بعد؟
ومع ذلك، وبخلاف المنطق، لا يظنن أحد أن هذه السطور ستشارك توصية مبتذلة على غرار “لماذا لا تزال هنا؟ هل تنوي خوض المشاريع؟! بجد؟ أسرع واستثمر في مكان آخر!”.. هذا ليس أسلوبنا وهذا الكلام لا يشبها البتة.
كما أننا، حددنا على الرغم من كل شيء، ومن خلال دراسة تجريبية، القطاعات الفرعية التي قد تدر الأرباح، إذا اختيرت وأديرت بشكل جيد. وأدناه، نظرة عامة:
• المطاعم والمشاريع ذات الصلة، خصوصاً في حال تمكنت في نهاية المطاف من الحصول على حق الامتياز الخاص بصيغتك وتصديرها في ما بعد. لكن مشروع المطعم لا بد وأن يتمحور حول تحقيق عائد على الاستثمار في غضون ثلاث سنوات، لا أكثر؛ وإلا ستزداد المخاطر.
• لا يُنصح بخوض مجال الفنادق: هناك الكثير من التكاليف الثابتة بموازاة تقلب السوق. ومع ذلك، الشقق المفروشة مع الخدمات الانتقائية أقل مغامرة.
• الإنتاج الزراعي للفواكه الغريبة والأعشاب العطرية وغيرها من المنتجات المتخصصة. على سبيل المثال، تجد الأفوكادو لدينا سوقًا واعدة في الخارج.
• أي إنتاج صناعي قادر على الحلول مكان الواردات، حتى لو كانت القيمة المضافة المحلية جزئية أو ضئيلة. مثلاً، حفظت زجاجة ويسكي Glenbey اللبنانية الاسكتلندية لها مكانًا خاصًا بين الويسكي. والأمر ينطبق على قهوة نجار سريعة التحضير الجديدة، غير المحمصة في لبنان، والتي تتمتع بالفعل بحصة سوقية جيدة.
• المنتجات والخدمات التي توفر الطاقة. يتباهى الوزراء المعنيون بأنّ الطاقة الشمسية المركبة تمثل الآن 30% من إجمالي قدرة الطاقة. ومع ذلك، ليس لهم أي فضل فيها، فهي مبادرات فردية. بعد نشوة 2021-2022، هدأت سوق الطاقة الشمسية قليلاً. لكنها قد تنتعش مرة أخرى، على الأقل في المناطق التي تتمتع بعشر ساعات من التغذية بالكهرباء، حيث يمكن لمكملات الطاقة الشمسية تجاوز ديكتاتورية أصحاب المولدات.
• لا تزال التكنولوجيا رائجة، ويمكن تصديرها بسهولة. ولا حاجة لحاوية لبيع البرامج أو التطبيقات في أي مكان في العالم. ولا حدود عمليًا للتعاقد في هذا المجال.
• الاستثمار العقاري متأخر. وحتى شركة Airbnb لا تملأ دائما مخزونها المحلي، نظرًا لعدم استقرار الوضع الأمني. ومع ذلك، من المجالات المثيرة للاهتمام، سوق تأجير المكاتب الصغيرة، المناسبة للشركات الناشئة أو الشركات الصغيرة أو المهنيين المستقلين (الأطباء والمحامين والمحاسبين والمهندسين المعماريين …).
• توفير المنتجات والخدمات للمنظمات الدولية يعد بالربح على الدوام. وعلى الرغم من الانتقائية الكبيرة التي تتسم بها هذه المنظمات، تتوفر لديها الأموال بشكل كبير: يتم ضخ ما بين 1.5 إلى 2 مليار دولار كل عام من قبل وكالات الأمم المتحدة والوكالات الحكومية الأخرى، بالإضافة إلى المنظمات غير الحكومية الأجنبية الخاصة. ومقدمو الخدمات كثر ومتنوعون: المنتجون والتجار والمصارف وشركات التأمين والمدربون وشركات تأجير السيارات ووكلاء العقارات ومكاتب الدراسات والإحصاء وسواها..
باختصار، سيستثمر البعض في لبنان على الدوام في رثاء البلد مدعين أنه “محكوم بالنهاية ولا يعد بأي ربح”.. وسيستثمر كثر في الإيمان بمرونة لبنان التي عرفت عنه.. وكثيراً ما أنصف التاريخ هذه الفئة الأخيرة..
مواضيع ذات صلة :
نتفليكس تكسر توقعات الأرباح! | “سناب شات” يمنح المستخدمين فرصة لجني الأرباح عبر التطبيق |