عن مسيرة فؤاد السعد والتمسك بالجذور
ترجمة “هنا لبنان”
كتب ميشال توما لـ”Ici Beyrouth“:
يعانق ذكره رمزية شجرة البلوط في عين تراز بقضاء عاليه، ومسيرته السياسية مرآة للبنان الأصيل المتمسك بالثوابت التي صاغت على مر القرون التعددية اللبنانية والخصوصيات الاجتماعية والمجتمعية لبلاد الأرز. إنه النائب والوزير السابق فؤاد السعد.. فقدناه في 27 آذار بعد صراع طويل مع المرض وكم يبرز غيابه، في السياق الحالي، درجة النقص لدى الشخصيات التي تبرز في الواجهة اليوم.
لم يكن السعد كمعظم الأقطاب البرلمانية في عصره، بل تميز باطلاعه الواسع وانفتاحه ومقاربته الناقدة والبراغماتية في معالجة الأمور التي واجهته. أتقن تجسيد لبنانية معينة تتميز بحساسية خاصة وتعلق عميق بجبل التعايش بين الموارنة الدروز. هذا ما استمده من جذور عائلته. وهذا ما يليق بذرية حبيب باشا السعد (شقيق جده) الذي كان رئيساً للوزراء ورئيساً في ثلاثينيات القرن الماضي، والذي ينحدر من عائلة جبلية مارونية تقليدية كبيرة وضعت الهوية اللبنانية فوق كل اعتبار.
من خلال الاهتمام الذي أولاه للشأن العام، مثّل السعد فئة نادرة في لبنان، وكان “الرجل السياسي الصادق”، الذي يحترم القيم الإنسانية والضرورات السيادية.. وهي ضروريات للحفاظ على استقلال لبنان الحقيقي ورسالته في هذا الجزء المضطرب من العالم. ونجح في التوفيق بمهارة بين مبادئه الوطنية والواقعية السياسية التي يمليها الوضع الاقتصادي.
ترشح في العام 1992، على غرار باقي الشخصيات السياسية البارزة في ذلك الوقت، مثل نسيب لحود وكميل زيادة، للانتخابات التشريعية على الرغم من المقاطعة المسيحية الواسعة التي دعت إليها المعارضة احتجاجاً على القانون الانتخابي غير العادل وغير المتوازن الذي حاكه النظام السوري المحتل على قياس حلفائه المحليين. دخل السباق الرئاسي على الرغم من الدعوات الشعبية للمقاطعة، إيماناً منه بأنّ المسيحي لا يجب أن يمارس سياسة الفراغ ويبتعد عن الساحة البرلمانية.
انتخب نائباً عن عاليه في استحقاق شكل موضع نزاع على نطاق واسع، وامتنع عن الإنصياع للخط الذي حاولت الوصاية السورية فرضه. وهذا ما ظهر من خلال معارضته رغبات دمشق عام 1995 وتصويته ضد تجديد ولاية الرئيس الياس الهراوي.
وفي الفترة نفسها، حصل خلاف بينه وبين زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي أبعده عن لائحته الانتخابية في عاليه عام 1996، الأمر الذي كلف فؤاد السعد مقعده البرلماني. إلا أنه عاد إلى البرلمان عام 2000 وأعيد انتخابه عامي 2005 و2009 ضمن قائمة تحالف 14 آذار.
ارتباطه بالأساسيات اللبنانية والسيادية ترجم بسلسلة من الممارسات السياسية المهمة في الفترة التاريخية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين على الساحة المحلية: فهو قريب جدًا من البطريرك الماروني نصر الله صفير (بطريرك الاستقلال الثاني للبنان)، ولعب دورًا هامًا في “مصالحة الجبل” الدرزية المارونية في آب 2001 برعاية البطريرك وجنبلاط؛ عين وزيراً للدولة في حكومة رفيق الحريري، وترأس عام 2001 لجنة تحقيق في مصير اللبنانيين المعتقلين في السجون السورية، ولم يوفر جهداً في سياق هذه القضية المتفجرة، ورفع الصوت بشكل خاص حول هذا الموضوع (كاسراً أحد المحرمات) مع صحفي شاب ورئيس جمعية معروفة بأنها حامل لواء هذه القضية؛ وفي عام 2004، بات أحد النواب الـ 29 (الذين ضمتهم ما عرفت بـ “قائمة الشرف”) الذين عارضوا التمديد لولاية الرئيس إميل لحود بناء على طلب نظام الأسد…
فؤاد السعد انضم إلى ما عرف لاحقاً بـ”تجمع البريستول” الذي جمع شخصيات سيادية وأقطاباً سياسية من آفاق مجتمعية مختلفة والذي شكل بطريقة ما بدايات تحالف 14 آذار المناهض للاحتلال السوري ونظام الأسد. علاوة على ذلك، وإخلاصاً لروحه النقدية ورفضاً لأي تبعية عمياء، عارض في كانون الثاني 2011، كغيره من نواب كتلة جنبلاط، (وفي هذه الحالة مروان حمادة وهنري حلو وأنطوان سعد) طلب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تعيين نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة، بعد سقوط حكومة سعد الحريري على يد حزب الله وحركة أمل والتيار العلوي.
تسطر مسيرة فؤاد السعد الطويلة أهمية التمسك بالجذور والأساسيات والتفكير النقدي ورفض التبعية العمياء واحترام القيم الإنسانية العالمية.. هذه كانت بصمته في سياق الحياة السياسية اللبنانية.. وكم هو مؤسف أن تغيب مثل هذه المواقف حالياً وبشكل كبير، عن بعض الحلقات السياسية المحلية.
مواضيع ذات صلة :
الجبل يعزي بفؤاد السعد في عين تراز |