هل ينقشع الغمام عن عيني واشنطن؟
كتب ديفيد هيل لـ“This is Beirut”:
قلما تنغمس القوى الصغيرة في الوهم الذاتي للأمن القومي، لأنّ مثل ذلك الترف قد يعني تكبد تكلفة وجودية باهظة. لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للقوى العظمى التي قد تتعمد إطالة ما يتناقض مع المصالح الوطنية والتهديدات الواضحة والحقائق الظاهرة لبعض الوقت قبل أن يفرض الواقع نفسه.
فقد واجهت مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن منذ 7 أكتوبر 2023، صعوبة في تقبل الحقيقة الجلية بأنّ إيران هي الفاعل الرئيسي في الوضع الراهن في منطقة الشرق الأوسط. ولكن في ليل 13-14 نيسان 2024، ومع مشاركة الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل في إحباط وابل من الصواريخ والمسيرات الإيرانية، ظهرت إشارات بأنّ الغمامة التي كانت تغشى عيني واشنطن منذ ستة أشهر بدأت بالتبدد. واتخذت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، من خلال هذا الدفاع الناجح، خطوات ذات معنى نحو استعادة الوضع الردعي ضد الخصوم أي إيران ووكلائها، مع الإشارة إلى أنّ غياب الردع الفعال هو الذي أوصلنا إلى هذه النقطة. وبرهنت العملية المشتركة الإسرائيلية-الأميركية للمشككين قيمة المظلة الأمنية الأميركية والتزام الولايات المتحدة بفرضها.
دوامة العنف هذه كشفت عن الدور المركزي الذي تلعبه إيران في الصراع الإقليمي المستمر والمترابط وما تمثله من تهديد، ليس لإسرائيل فحسب، بل للدول العربية المعتدلة التي تسعى للسلام والاستقرار. كما أنّ ادعاء إيران في الأمم المتحدة بأنّ عدوانها هو ضرب من ضروب الدفاع عن النفس رداً على هجوم على قنصليتها في دمشق هو دليل نفاق واضح. فقد تواطأ هذا النظام الإيراني نفسه في احتلال السفارة الأميركية في طهران بين عامي 1979-1981 لمدة 444 يومًا واختطاف دبلوماسييها هناك، وفي تفجير سفارتين أميركيتين في بيروت في الثمانينيات، وفي قائمة طويلة من الانتهاكات التي طالت سيادة الدول الأخرى. لذلك، فليتريثوا قليلاً قبل التلويح باتفاقية فيينا وميثاق الأمم المتحدة.
ولكن لا يمكن الإكتفاء بذلك وإلا لا نتيجة، وإذا تراجع القادة الإيرانيون عن هذه الجولة فليس رغبة منهم بإنهاء الصراع، بل باستدامته ولكن بالوكالة، حيث تتمتع إيران ببعض المزايا النسبية وحيث التكلفة أقل. ولهذا الغرض، إذا أردنا النجاح بإنهاء الحرب بالوكالة في الشرق الأوسط، يتعين علينا البناء على نجاحنا اليوم والتأكد من شعور القادة الإيرانيين بتكاليف استراتيجية حربهم بالوكالة، التي لا تنتهي على الرغم من أنها تبدو محدودة. وربما الوقت حان لوقف التصعيد في هذه المرحلة خصوصاً بغياب التصعيد الإيراني من جديد، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ومع ذلك، يجب على طهران أن تدرك أولاً، أنّ أي تصعيد من هذا القبيل سيستتبع بالانتقام من المنشآت القيمة للحرس الثوري الإيراني وأعضائه في جميع أنحاء العالم العربي.
إذا كان الغمام ينقشع فعلاً عن عيني واشنطن بشأن الدور الإيراني، هذه فرصة لبناء إجماع لتمكين الولايات المتحدة من المواظبة على الضغط المستمر والشامل من خلال تحالف موسع من الدول التي تشاطرها الرأي. وينبغي أن تشمل التدابير الهادفة ما يلي:
– تطبيق العقوبات الحالية، وتحديداً على صادرات النفط الإيرانية.
– منع الإمدادات العسكرية الإيرانية لوكلائها ولروسيا؛
– إقناع بعض الدول العربية بإنهاء استراتيجيات التحوط تجاه إيران والتي نبعت من فقدان الثقة في المظلة الأمنية الأميركية.
– إدانة مجموعة السبع للعدوان الإيراني وإقرار استراتيجيات الضغط على إيران.
ولا شك بأنّ هناك مشاكل داخلية ومحلية بين إسرائيل والفلسطينيين. وقد أفلتت منا الحلول جميعًا، على الرغم من سنوات من المبادرات الحسنة منذ التسعينيات بناء على صيغة حل الدولتين. وقد استغلت إيران هذا الصراع بمهارة، إلى جانب الصراعات الأخرى. وبينما نستكشف أفضل السبل لاستعادة الثقة اللازمة لعملية السلام الإقليمي، يتعين على الولايات المتحدة أن توضح أنّ النجاح يتوقف على كبح قدرة إيران على التخريب من خلال تحريض المتطرفين وتأجيج العنف. وسيشكل عزل إيران خطوة أولى حاسمة باتجاه أي استراتيجية ناجحة لتلبية احتياجات وتطلعات إسرائيل والفلسطينيين، فضلاً عن احتياجات وطموحات اللبنانيين والإسرائيليين.
وقبل أي شيء آخر، لا بد وأن نحافظ على المثابرة.. فبمجرد انحسار العنف وتراجع الشعور بالأزمة، يبرز في واشنطن وأماكن أخرى ذلك الميل نحو المضي قدماً دون معالجة الأسباب الكامنة وراء المشكلة. هذا النمط هو ما مكن أعداء الولايات المتحدة من اكتساب القوة في فترات التقصير الأميركي. كما أنّ سياساتنا يجب أن تكون واقعية ومتماسكة وعقلانية. فالسياسات التي تركز حصراً على المشاكل المحلية والوكلاء، وتتجاهل الدور المركزي الذي تلعبه إيران، لن تضمن سوى استمرار الاضطرابات بشكل لامتناهٍ في الشرق الأوسط. ولن يكفي شعور وكلاء إيران، الذين يمكن التخلص منهم بعبء التكاليف لاستعادة الاستقرار الإقليمي، بل يجب أن ينسحب هذا الشعور على إيران نفسها. ذلك هو الدرس الأساسي الذي نتعلمه من الجولة الأخيرة.
إنّ قلب الطاولة على إيران يتطلب المثابرة بأوجهها المتعددة، وهذا لا يقل تعقيداً واستدامة عن النهج الذي تتبناه إيران. كما لا بد من استخدام كل وسائل الضغط ـ من الدبلوماسية إلى العقوبات والعمل العسكري. وعلى الرغم من أن هذه الجهود لن تكون سهلة بالنسبة للولايات المتحدة في عام الانتخابات، سيعني غياب مثل هذا التصميم، بقاءنا وحلفاءنا في موقف دفاعي، وسيقع الأبرياء في المنطقة ضحايا السياسات الضعيفة التي تجلب العدوان. إنّ السلام مبني على القوة والردع، وليس على الضعف والإذعان.
مواضيع ذات صلة :
اتفاق وشيك لوقف النار بين لبنان وإسرائيل! | ضمانات أميركية لإسرائيل بحرية العمل في لبنان! | موقف إسرائيلي إيجابي بشأن لبنان! |