عودة الكونفيديرالية
الكلام على إزالة الحرس الثوري ليس بجديد، والجديد هو في الكلام على تغيير المنطقة، والجديد فيه تسرب إلى أوساط لبنانية عن مشروع جديد لإعادة صياغة المنطقة بما لا يغيّر في الحدود ولا في الأنظمة، بل في طريقة إدارة الدول المعنية، تحديداً دول ما يسمى الهلال الخصيب
كتب راشد فايد لـ”هنا لبنان”:
برعت الأنظمة العربية، بعد “حرب أوكتوبر” 1973 (أو حرب تشرين) في ابتداع توريات لتغليف عجزها، وافتقادها أي استراتيجية لمواجهة اسرائيل، واستعاضت عن ذلك، بوعود بنصر لم يأت، عنوانه الأكبر: سنرد في المكان والزمان المناسبين. ومع تتالي الأيام تبيّن أنّ الردود تناسلت من اتفاق “كامب دايفيد”، فكان اتفاق وادي عربة، واتفاق أوسلو، وترسيم الحدود البحرية للبنان مع إسرائيل، وغير بعيد البرية.
أتت حرب إسرائيل على غزة بأدبيات”عسكرية” جديدة، لكنها ليست ملكية عربية، بل هي عبرية وفارسية، حملها التراشق السياسي على هامش حرب لم تقع: ففي تل أبيب، هدد وزير الخارجية الجديد بـ”رد قوي” و”زاجله” الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي بالقول: إذا أخطأت إسرائيل وشنت أي عدوان على إيران فسنرد عليها وعلى حماتها رداً يجعلهم يندمون.
لا يبدو الندم قريباً. فعمليات إطلاق الصواريخ والمسيرات من هذه الجهة وتلك لا تتخطى كونها رسائل تذكيرية في انتظار ما تبحثه الدول الـ”7″ وفيما سعت إيران من خلال استعراض منظوماتها الصاروخية وطائراتها المسيّرة في مناسبة اليوم الوطني للجيش الأربعاء الفائت، إلى إظهار “جاهزيتها” لمواجهة ردّ محتمل من إسرائيل، كان وزير خارجية الأخيرة يؤكد ضلوع بريطانيا في اعتراض صواريخ وطائرات مسيرة أطلقتها إيران خلال هجومها على إسرائيل، ليل السبت/الأحد، فيما شدد نظيرهما الألماني بيربوك على وقوف برلين إلى جانب إسرائيل، واعتبر أنّ لإسرائيل حق الرد ضد إيران.
المنطقة عملياً، أمام استعراضَي قوة متقابلين تحت مظلة السعي إلى التهدئة، بالإنتقال الى حرب العقوبات من جهة، وإلى ما ترسم له تل أبيب وواشنطن من طريق، وهو أمر انزلق إليه وزير الخارجية الإسرائيلي كايتز، خلال لقائه وزير الخارجية البريطاني دايفيد كاميرون ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في إسرائيل الثلاثاء، قبيل لقائهما مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الأربعاء، إذ اعتبر أنّ “هذه فرصتنا لتغيير المنطقة والإعلان عن الحرس الثوري أنه منظمة إرهابية وفرض عقوبات على برنامج إيران الصاروخي”.
الكلام على إزالة الحرس الثوري ليس بجديد فهو قديم قدم الثورة الايرانية، والجديد هو في الكلام على تغيير المنطقة، والجديد فيه تسرب إلى أوساط لبنانية عن مشروع جديد لإعادة صياغة المنطقة بما لا يغيّر في الحدود ولا في الأنظمة، بل في طريقة إدارة الدول المعنية، تحديداً دول ما يسمى الهلال الخصيب، الذي يشمل العراق ودولة فلسطين، لاعتقاد دول الاتحاد الأوروبي أنها لم تعد ترى، بعد حرب غزة، أي فرصة لحل الدولتين، وهو ما أُقِرَّ في قرار مجلس الأمن 242 بعد حرب 1967 وسيطرة إسرائيل على باقي أراضي فلسطين، وجوهر حل الدولتين هو إقامة الدولة الفلسطينية في غزة وجزء كبير من الضفة الغربية مع تبادل الأراضي بين الإسرائيليين والفلسطينيين كنوع من التعويض عن مستوطنات يفترض أن تزال. وفي ذلك ما يفسر إصرار نتنياهو على إزالة رفح من الجغرافية، أي “إعدام” ما تبقى من الدويلة الفلسطينية، وكان من المفترض أن يؤدي التوقيع على اتفاقيات أوسلو عام 1993 إلى قيامها، الأمر الذي وصل إلى طريق مسدود منذ أكثر من عشر سنوات. وفيما تؤكد الإدارة الأميركية بشدة على حل الدولتين، كسبيل وحيد لإنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإنّ الوقائع على الأرض وفي الحوارات السياسية الدولية تفضح مدى احتضان الغرب الأوروبي والأميركي لأطماع إسرائيل، وتحقيق “أمنياتها” ولو فاق عدد الضحايا في غزة الـ40 ألفاً.
ما البديل المطروح على النقاش مجدداًا؟ نظام الكونفديرالية، ولنتذكر أنّ الكلام فيها انطلق قبل أكثر من سنة، بحيث صارت اليوم في التداول اللبناني بلا وجل، ويكاد يصفق لها من كان ضدها سابقا، يأساً، لا تودداً.
مواضيع مماثلة للكاتب:
انتهى | الجرموز | من سيسرق المليار؟ |