الخطوط الجوية الإيرانية: بين الإلتفاف على العقوبات وزيادة فعاليتها
ترجمة “هنا لبنان”
كتب باباك تاغفاي في washingtoninstitute:
لا شك بأنّ وضع الخطوط الجوية الإيرانية في أوروبا في دائرة العقوبات أمر فعال، ولكن هذه الفعالية تبقى مشروطة بعدم قدرة النظام على الإلتفاف على العقوبات وممارسة الأنشطة غير المشروعة من خلال شركة “ماهان إير” للطيران والمرتبطة بالحرس الثوري.
وإلى جانب العقوبات الجديدة التي طالت إيران بعد استهدافها لإسرائيل، حذرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون مؤخراً من احتمال فرض المزيد من العقوبات في حال نقلت طهران إلى روسيا صواريخ باليستية قد تستخدم ضد أوكرانيا. وحسب ما ورد، قد تشمل العقوبات الإضافية منع شركة الخطوط الجوية الإيرانية الرسمية من السفر إلى أوروبا.
وحتى هذا الشهر، تشغل خمس من طائرات الركاب التابعة لشركة الخطوط الجوية الإيرانية رحلات مجدولة بين طهران وكولونيا وفرانكفورت وهامبورغ واسطنبول ولندن وميلانو وباريس وروما وفيينا. وعلى الرغم من أنّ هذه المسارات هي ذات أهمية اقتصادية محدودة، يبقى الحفاظ عليها حيوياً بالنسبة للنظام على المستويين السياسي (كثقل موازن للعزلة الدولية المتزايدة) والتكتيكي (كوسيلة لنقل الإرهابيين والعملاء الآخرين والمواد غير المشروعة من وإلى القارة). ومع ذلك، وفي كل الأحوال، لن يكون لحظر هذه الطرق أي تأثير عملي يذكر إذا سُمح لشركة طيران إيرانية رئيسية أخرى، تحديداً “ماهان إير”، بتوسيع وصولها إلى أوروبا خلف واجهة غامضة من الشركات وغيرها من الأساليب.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تسببت الصعوبات بتقليص أسطول الخطوط الجوية الإيرانية من الطائرات الصالحة للاستخدام إلى تسعة عشر طائرة فقط. ويعود ذلك بشكل أساسي لسوء الإدارة الداخلية والعقوبات السابقة. وقامت الولايات المتحدة بشطب شركة الطيران المتعثرة من القائمة في ظل سريان خطة العمل الشاملة المشتركة بين عامي 2016 و2018. ومع ذلك، لم يتمكن مسؤولو الشركة من تأمين التمويل وتسليم طائرات جديدة لتحل محل أسطولها المتقاعد بحلول أواخر عام 2018، وهو العام الذي وضعت فيه العقوبات مجدداً حيز التنفيذ بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي. ونتيجة لذلك، تعمل الخطوط الجوية الإيرانية على هامش الربحية اليوم.
وبالتوازي، وسعت شركة “ماهان إير” التي تعمل كشركة طيران فعلية تابعة للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، عملياتها بشكل كبير من خلال شراء العديد من الطائرات ذات الجسم العريض بشكل غير مشروع. وسمح لها ذلك باستبدال الخطوط الجوية الإيرانية باعتبارها أكبر شركة طيران في البلاد. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية على وجه الخصوص، استحوذت شركة “ماهان” على العديد من المسارات المحلية والآسيوية التي كانت تحت سيطرة الخطوط الجوية الإيرانية.
كما أنشأت “ماهان” مؤخرًا مجموعة غامضة من شركات الطيران والخدمات التابعة في دول أفريقية وآسيوية مثل بوركينا فاسو وغامبيا وإندونيسيا ومالي. (على الرغم من تأكيد وجود كيانات واجهة ماهان في هذه البلدان من خلال استخدام الشركة لرموز تسجيل الطائرات الوهمية من هذه الولايات القضائية). وتسعى شركة “ماهان” لتوسيع أنشطتها في أوروبا باستخدام هذه الشركات التابعة واتفاقيات المشاركة بالرمز مع شركات الطيران الأخرى، بدعم مالي من الحرس الثوري الإيراني وأجهزة النظام الأخرى.
العقوبات والثغرات
في إطار حملة ضغط اقتصادي غير مسبوقة، أعادت الحكومة الأميركية في 5 نوفمبر 2018، فرض عقوبات شاملة على النظام الإيراني. ولا تزال العديد من هذه العقوبات سارية حتى اليوم، وقد صعبت على الخطوط الجوية الإيرانية شراء الوقود وتوفير الخدمات الأخرى في الخارج، كما أن سوء الإدارة ونقص التمويل منعها من تحديث أسطولها. ونتيجة لذلك، لم يعد لدى الشركة سوى خمس من الطائرات ذات الجسم العريض والمزودة بقدرة وقود كافية وصيانة فنية للقيام برحلات جوية إلى أوروبا.
ومع تفاقم المشكلة على مر السنين، منح النظام شركة “ماهان” فرصة للحصول على طائرات مستعملة عريضة البدن من طراز A340 وإنشاء خطوط جوية أوروبية بداية العام 2012، وذلك باستخدام مجموعة متنوعة من الأساليب غير المشروعة للتحايل على العقوبات الأميركية المفروضة على شركة الطيران في عام 2011. وعلى الرغم من أن خطة العمل الشاملة المشتركة علقت هذه العقوبات مؤقتًا، ضغطت واشنطن بمجرد عودتها حيز التنفيذ عام 2018، على حلفائها في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا لحظر رحلات “ماهان” عام 2019، فباتت الخطوط الجوية الإيرانية من جديد شركة الطيران الإيرانية الوحيدة المسموح لها بالعمل داخل المجال الجوي الأوروبي.
واليوم، يعتمد معظم المسافرين الإيرانيين إلى أوروبا وخارجها على شركات الطيران الأجنبية، تحديداً الخطوط الجوية التركية والخطوط القطرية، وبدرجة أقل على الطيران الإمارات. وإذا قرر الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على الخطوط الجوية الإيرانية، من المرجح أن تبدأ شركات الطيران هذه وسواها بنقل الركاب من إيران إلى أوروبا بموجب اتفاقيات المشاركة بالرمز مع طهران. حتى أن السلطات الإيرانية درست إمكانية التعاقد مع شركات طيران أجنبية لتنظيم رحلات داخل إيران في حالة خروج جزء كبير من أسطولها عن الخدمة.
في هذه الأثناء، تعمل شركة “ماهان إير” بثبات للتحايل على العقوبات والقيود الأوروبية منذ 2019. وعلى سبيل المثال، أنشئت شركات تابعة مثل طيران يزد، ومن المفترض أن تقوم برحلات أوروبية في المستقبل القريب. كما قامت بتأجير طائراتها ذات الجسم العريض من طراز إيرباص A300-600 وA310-300 لشركة “إيران إيرتورز”، وهي شركة إيرانية “مملوكة للقطاع الخاص” حصلت على ترخيص مشغلي طرف ثالثة من وكالة سلامة الطيران الأوروبية (EASA) في ديسمبر 2021. ووضعت شركة “إيران إيرتورز” على قائمة وزارة الخزانة الأميركية للمواطنين المعينين خصيصًا بين عامي 2011 و2016 لتقديم الدعم للإرهابيين، ولكن لم يتم إعادتها إلى تلك القائمة مع إعادة تفعيل العقوبات الأميركية ذات الصلة عام 2018.
ختاماً ، تمكنت العديد من الشركات الجديدة التابعة لشركة “ماهان إير” على مدى العامين الماضيين، من توسيع عملياتها بسرعة واستلام المزيد من الطائرات من شركتها الأم. ولأن شركة “ماهان” تطمح حالياً لاستئناف عملياتها الأوروبية بالكامل، لا بد من استهداف “ماهان” بنفسها والشركات التابعة لها في سياق أي عقوبات جديدة أو حظر طيران. وعلى الرغم من أن الحظر الأوروبي على الخطوط الجوية الإيرانية سيمثل رد فعل جماعي إيجابي إذا ما نقلت طهران صواريخ باليستية إلى روسيا، إلا أنه لن يحد من أنشطة “ماهان” غير المشروعة، والتي تشمل نقل الأسلحة والمرتزقة وأفراد الحرس الثوري الإيراني عبر المنطقة وحول العالم.
وفي الواقع، من شأن العقوبات على الخطوط الجوية الإيرانية أن تشجع الحرس الثوري الإيراني و”ماهان” على الأرجح على مضاعفة الاستثمار في الشركات التابعة واتفاقيات المشاركة بالرمز لتوسيع عملياتها في أوروبا. ولذلك، ينبغي على الاتحاد الأوروبي وحلفائه فرض عقوبات على “ماهان” تزامناً مع إقناع شركات الطيران الدولية التي لها علاقات وثيقة مع إيران برفض أي مقترحات قد تقدمها طهران مهما كانت مربحة في ما يتعلق بحصص السوق المحلية أو غيرها من ترتيبات المشاركة بالرمز.
أما الهدف من هذه الإجراءات فليس الضغط على قطاعي السفر والسياحة في إيران، لأن النظام لا يجني إلا إيرادات اقتصادية ضئيلة من شركة الطيران الإيرانية ولا يبالي أيديولوجياً بتأثير هذا الضغط على المواطنين. الهدف الرئيسي هو تقليص الدور الاستراتيجي الذي تلعبه “ماهان” باعتبارها مركزًا لوجستيًا عالميًا وحلاً يسمح للنظام بملء الثغرات. ولتحقيق هذا الهدف، لا بد من أن تركز العقوبات الجديدة على الأهداف التالية:
-شركة طيران “ماهان”
-الشركات التابعة لشركة “ماهان”
-طائرات “ماهان” جميعها، بما في ذلك تلك المؤجرة لشركات طيران إيرانية وأجنبية أخرى
-مسؤولو الحرس الثوري الإيراني والحكومة الإيرانية والمستفيدون من أنشطة “ماهان” وشركاتها التابعة.
وبفضل هذا النهج الشامل، بإمكان الاتحاد الأوروبي وحلفائه منع طهران من استغلال العقوبات ضد شركة الخطوط الجوية الإيرانية كفرصة للتعتيم على شبكة أنشطتها غير المشروعة والشركات التابعة لها داخل أوروبا.
مواضيع ذات صلة :
إيران تحظر “البيجر” على متن رحلاتها إلى بيروت |