قربة مثقوبة
لم يكن ينقص تهشيم الديموقراطية اللبنانية، المشوهة منذ ولادتها بعيب خلقي اسمه الطائفية، سوى تقويض أسسها بالإصرار على تعطيل الانتخابات البلدية، فيصبح الهيكل الدستوري مضروباً من فوق بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، ومن القاعدة بتعطيل حق الناخب في اختيار من يراه قادراً على إدارة الشؤون الأهلية
كتب راشد فايد لـ”هنا لبنان”:
انتهى الزجل النيابي السياسي في الشأن البلدي بالتراضي، إذ بقيت كل مجموعة عند موقفها (المبدئي)، فمن كان يعظ في الأهمية الديموقراطية لإجراء الانتخابات ظلّ كالنافخ في قربة مثقوبة، وكذا شأن الداعين إلى تأجيل تقني، أو التمديد إلى 30 أيلول المقبل، كما المطالبين بصلاحيات أوسع لرؤساء البلديات، ومن كان، في التمديدين السابقين، لا يرى مناصاً من إبعاد الجنوب عن الاقتراع، بحجة الوضع الأمني الحالي، وهو ما استند إليه مجلس النواب في التأجيلين السابقين.
لم يكن ينقص تهشيم الديموقراطية اللبنانية، المشوهة منذ ولادتها بعيب خلقي اسمه الطائفية، سوى تقويض أسسها بالإصرار على تعطيل الانتخابات البلدية، فيصبح الهيكل الدستوري مضروباً من فوق بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، ومن القاعدة بتعطيل حق الناخب في اختيار من يراه قادراً على إدارة الشؤون الأهلية.
لافتة الغيرة النيابية على العمل الديموقراطي، إذ بدا المجلس كحافلة من طبقتين، كالباص اللندني، لكن شاغلي مقاعد كل طبقة ينظرون في الاتجاه المعاكس لوجهة جيرانهم، لكن السائق واحد، وبيده تحديد الوجهة، ومآل الرحلة، وأظن القارئ لا يحتاج إلى كثير ذكاء ليعرف من هو السائق المقصود.
لكن برغم بتّ الاستحقاق البلدي، فإنّ السجال سيستمر لأيام، بين من أيد التمديد وبين من رفضه، وبين من يريد مواراة دوره تجاه الموقف الشعبي، بتحميل الحكومة المسؤولية بالوصول إلى قرار التمديد “لأنها لم تكن جاهزة” كما زعم رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، مضيفاً أنه وربعه شاركوا في الجلسة “لمنع الفراغ”، الذي ولد من الانقسام العمودي في مجلس النواب.
وكان التأجيل الأول للانتخابات البلدية سنة 2022 نتيجة تزامن إجراء الانتخابات النيابية مع موعد الانتخابات البلدية، وتلاه التأجيل الثاني في نيسان 2023، حين اتخذ مجلس النواب اللبناني قراراً بتمديد ولاية المجالس البلدية لسنة إضافية بحد أقصى لتاريخ 31 مايو 2024، والسبب حينها، بحسب ما أعلن وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي، عدم قدرة الدولة على تأمين التمويل اللازم.
بالنسبة لكثير من النواب، فإنّ التمديد كما يراه النائب الدكتور غسان سكاف يعكس صورةً سلبيةً إضافيةً عن لبنان خارجياً ويشكل مؤشراً إضافياً لانهيار وتحلل وتآكل مؤسسات الدولة، أما استرهان البلد فبات يشمل كل المستويات فيما مسؤولونا يتمسكون بالمناصب ويستقيلون من مهامهم”، ويتجاهلون الواجب الدستوري، خوفاً من انكشاف، تراجع شعبيتهم بسبب تراجع قدراتهم الخدماتية فتجنبوا اختباراً شعبياً مقلقاً لهم”.
واليوم، بم سينشغل الرأي العام بعدما طوي ملف البلديات؟
سيتواصل الانشغال بالبلديات من زوايا عدة، منها رمي المشكلة على كاهل الحكومة، وتحرك لجنة السفراء، والإغراق في إبداء الغيرة الوطنية على ضحايا القصف الاسرائيلي على الجنوب، كل ذلك من دون أي تقدم في الملف الرئاسي، فالحركة ستظل بلا بركة، طالما لا شيء يفصل بين غزة والجنوب غير التمنيات السياسية.
لنتذكر معاً أنّ لبنان ضجّ في مطلع الثمانينات بأخبار ومواعيد لاجتياح اسرائيلي مقبل، وتعامل الجميع مع المعلومة كأنها تعني بلاداً لا تعنينا ولا تشغل بالنا، ولا تحرك مخاوفنا. وكان أن صار الاجتياح واقعاً عشناه وعايشناه.
اليوم، نعيش ما عرفناه، ولا من يحسم أنه غير آتٍ.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | عودة الكونفيديرالية |