ماذا يعني أن تتغلغل “حماس” في لبنان؟
سيحظى سلاح “حماس” في المخيمات والتجمعات الفلسطينية بتشجيع “الحزب”، ما دام تحت رعايته المباشرة، وسيكون مشروعاً خروج هذا السلاح إلى ساحات الجنوب، دعماً لغزة، ما دام “ممسوكاً”. وهذا الواقع سيؤدي إلى تبدل السيطرة الأمنية داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان من “فتح” إلى “حماس”، وعلى الأرجح من دون أي صدام بين الطرفين
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
لم يكن حدثاً عادياً إعلان حركة “حماس” تأسيس “طلائع طوفان الأقصى” في لبنان، مطلع كانون الأول الفائت. فهذا الإعلان يؤسس لتحوّلات سياسية وأمنية، لا في المخيمات والتجمعات الفلسطينية فحسب، بل في الواقع اللبناني ككل.
وفق الاستطلاعات، منذ اندلاع الحرب في غزة، تنامى التعاطف الشعبي الفلسطيني مع “حماس”، داخل غزة ومناطق السلطة كما في مخيمات الشتات، ومنها لبنان، حيث نمت شعبية “حماس” على حساب الفصائل الأخرى، ولا سيما “فتح”، لكنها غرفت أيضاً من الفئات المحايدة أو المتردّدة.
والتغيّر في المزاج الفلسطيني في لبنان كان دائماً يؤثر في المزاج السنّي عموماً. وظهر ذلك خلال مراحل العمل الفدائي الفلسطيني وصعود التيارات العروبية. ولكن في المقابل، حصل العكس، بدءاً من تسعينات القرن الفائت، عندما أصبح للسنّة اللبنانيين تيارهم الجامع، أي الحريرية، وغابت قيادة ياسر عرفات التاريخية عن المسرح الفلسطيني. فقد تأثر فلسطينيو لبنان بالمزاج السنّي الجديد. وعموماً، نشأ تعاطف مع “فتح” في المخيمات والبيئات الفلسطينية، باعتبارها مكوِّناً سياسياً يشارك الحريرية انفتاحها على “الاعتدال العربي”.
المفارقة اليوم هي أنّ التيارين “التاريخيين” ليسا جاهزين للإمساك بالأرض، هنا وهناك: الحريرية غائبة لبنانياً، و”فتح” ضعيفة فلسطينياً. وفي المقابل، “حزب الله” الذي يمتلك القرار والنفوذ الأساسيين في لبنان يقيم شراكة مع “حماس”، برعاية إيرانية. وهذا الانقلاب يرتّب نتائج مباشرة أمنية وسياسية داخل المعادلة اللبنانية.
“حزب الله” بدأ يراهن على نمو أجنحة حليفة له داخل الطائفة السنّية، تمتلك “السلاح المقاوم” أيضاً. فعادت “الجماعة الإسلامية” إلى الواجهة سنياً، ولكن في تموضع جديد. وصحيح أنها لم تعلن أي موقف جديد يؤشر إلى تخليها عن تمايزها المعروف في ما يتعلق بالمسائل الداخلية، إلا أنها باتت اليوم “رفيقة السلاح”، تقاتل إلى جانب “الحزب”. وهذا سيقودها حتماً إلى تموضع سياسي أقرب إليه، خصوصاً في ظل الفراغ الذي يخلفه تيار “المستقبل”.
لا يمكن لـ”الجماعة” أن تتحرك قتالياً في الجنوب إلا بالتنسيق التام مع “الحزب”، بل تحت رعايته. وخلال تشييعها الشهداء في مناطق مختلفة، أوحى المشهد المثقل بالعراضات المسلحة غير المألوفة بأن ثمة دوراً أكبر تطمح إليه.
التحوّلات الجارية ستسمح بتغلغل نفوذ “الحزب” أكثر فأكثر داخل البيئة السنّية في لبنان، سياسياً وأمنياً، تحت عنوان القتال ضد إسرائيل، على حساب القوى الصغيرة والزعامات المناطقية والشخصيات الطامحة إلى البروز داخل الطائفة. فهذه الشخصيات المشرذمة سيصعب عليها أن تواجه تنظيماً دينامياً يستند إلى عقيدة، ويحظى بتغطية أمنية وسياسية، وبدعم مالي يمكّنه من خرق البيئات التي تعاني أزمات اجتماعية خانقة، ولا سيما في مناطق الأطراف الفقيرة. وهذا الخرق يمكن لـ”الحزب” أن يستثمره لاستيعاب القواعد السنّية.
وعندما يتمكن من الذهاب بعيداً في عملية الاستيعاب داخل الطائفة السنّية، سيشعر “حزب الله” بمزيد من القوة، وسيتحرر من الضغوط الداخلية. وهو سيجد نفسه غير مضطر إلى تقديم التنازلات لأحد. وسيستغني عن القوى المسيحية التي كان يحتاج إليها كـ”التيار الوطني الحر”. وسيضطر “التيار” إلى خفض سقف المساومات معه، عندما يشعر بضيق الخيارات وبعدم اكتراث الحليف الشيعي له.
طبعاً، في الموازاة، سيحظى سلاح “حماس” في المخيمات والتجمعات الفلسطينية بتشجيع “حزب الله”، ما دام تحت رعايته المباشرة، وسيكون مشروعاً خروج هذا السلاح إلى ساحات الجنوب، دعماً لغزة، ما دام “ممسوكاً”. وهذا الواقع سيؤدي إلى تبدل السيطرة الأمنية داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان من “فتح” إلى “حماس”، وعلى الأرجح من دون أي صدام بين الطرفين- كما يحصل في العادة- لأنّ “فتح” ستتجنب إشعال مواجهة أهلية مع “حماس” في لحظة انخراطها في حرب مصيرية مع إسرائيل.
وفي المراحل المقبلة من حرب غزة، بعد انطلاق المعركة الحاسمة في رفح، ستحدد طهران خيارات المواجهة والموقع الذي تريده للجنوب اللبناني في هذه الحرب، ودور كل من “حزب الله” و”حماس- لبنان” و”الجماعة” و”الجهاد الإسلامي” والتنظيمات السنّية اللبنانية الرديفة في عملية “الإشغال” جنوباً.
وإذا طالت الحرب في غزة شهوراً أخرى أو سنوات كما قال بنيامين نتنياهو ذات يوم، ودخلت الضفة الغربية في حرب موازية، فسيصبح الجنوب “حماس لاند” حتى إشعار آخر، تحت رعاية “حزب الله”، في استعادةٍ لتجربة “فتح لاند” التي دامت عقوداً.
وللتذكير، التورّط الفلسطيني في الجنوب والعمق اللبناني، بغطاء سياسي داخلي وإقليمي، أدى في العام 1975 إلى اندلاع حرب أهلية في لبنان. وهذه الحرب ما زالت مستمرة حتى اليوم ولو بأشكال مختلفة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
صفقة بين ترامب والأسد تقطع السلاح عن “الحزب”؟ | لا سلاح في شمال الليطاني أيضاً | استنفار قيادي درزي منعاً لأي مغامرة |