الكهرباء: الفواتير تحلق وصناعيون يحتجون
كتبت Christiane Tager لـ”Ici Beyrouth”:
فواتير الكهرباء تحلق وساعات التغذية إلى هبوط! كأنّ ما يحصل “بازار” غير مفهوم منذ تطبيق الفاتورة الجديدة وتركيب العدادات الذكية. الفواتير تتقاطع وتتكاثر وتتضاعف!
هل تعتمد مؤسسة كهرباء لبنان على عملية حسابية خيالية لإصدار فواتير الكهرباء الخاصة بالمصانع؟ هذا ما يعتقده على الأقل عدد من الصناعيين الذين يقولون أنهم يتلقون فواتير “فلكية” باستمرار، بينما الكهرباء تبقى “بالقطارة” في ظل غياب أي دعم مع استمرار الوضع الاقتصادي الكارثي في البلاد.
ويشكو بعض الصناعيين من غياب ما يبرر الفواتير. وقامت العديد من المصانع بتركيب عدادات ذكية، وبالتالي لم تعد تمتلك الطريقة للتحكم في استهلاكها، إذ يتم تسجيل الكيلوواط ساعة إلكترونياً وتخزن البيانات وتنقل عن بعد إلى مؤسسة كهرباء لبنان. بينما يجد آخرون أنفسهم مجبرين على الإرتجال للتقليل من قيمة فاتورة (لا بل فواتير) الكهرباء.
يحتج أحد أصحاب المصانع “21 ألف دولار فاتورة لزهاء 140 ساعة كهرباء خلال شهرين!” وها قد انتهى به الأمر بقطع عداد كهرباء لبنان “لأن كهرباء الدولة باهظة للغاية”.
وعلى غراره، قام العديد من المصنعين بقطع الكهرباء، على مستوى العداد، أو إزالة هذه الأجهزة بالكامل، واستخدموا الطاقة الشمسية والمولدات لتشغيل أجهزتهم، وهي أقل تكلفة بكثير. ويمثل هذا التحول إلى إنتاج الكهرباء الخاص عجزًا كبيرًا لمورد الكهرباء العام.
تقديرات
يعلق كارلو أيوب، أحد مالكي شركة أيوب للصناعات، بشكل قاطع. ويقول لـ Ici Beyrouth أنه “يفضل عدم استخدام كهرباء الدولة نظراً لأن تشغيل المولدات والاستفادة من الطاقة الشمسية، التي يمكن التحكم بها أفضل بكثير”. وأضاف أيوب: “قد تتضاعف الفواتير في الوقت الذي يكون فيه الاستهلاك ثابتاً إلى حد ما. بالإضافة إلى ذلك، تتراكم الفواتير ولا يتم إرسالها شهرياً، مما يربك ميزانية الشركة”.
صناعي آخر، ت.أ، يستنكر الفواتير “الخيالية”، مشددا: “يبدو أن المزود العام للكهرباء يعتمد على قيمة الاستهلاك القديم لإصدار فواتير جديدة. لكن الاستهلاك تغير وانخفضت عدد ساعات التغذية. ويبدو أنه لم يتم التحقق من استهلاكنا الحالي منذ لأن استخدامنا للكهرباء تغير على غرار إنتاجنا، بشكل جذري منذ الأزمة” التي بدأت في عام 2019.
ومع ذلك، لم يتخل هذا الصناعي عن كهرباء الدولة، بل يحاول قدر الإمكان إدارة استهلاكه من الكهرباء لتقليل التكاليف.
واستنادا إلى الخبرة الطويلة في لبنان، يشير إلى أنه “من الأفضل امتلاك جميع الخيارات ومصادر الطاقة. أحياناً تكون الكهرباء التي توفرها شركة كهرباء لبنان أرخص، وأحياناً تكون كهرباء المولدات أرخص”. أما الطاقة الشمسية، فيصفها بـ”العشوائية”، موضحاً صعوبة الحفاظ على استمرارية الإنتاج في الأيام التي تتلبد فيها الغيوم”. لكنه يشير مع ذلك إلى أن الطاقة الشمسية “تبقى مصدرًا مكملًا”.
فريد كامل، الرئيس التنفيذي لموقع Kameltan.com، من ضمن من يعتبرون أن “مسألة الطاقة التي توفرها الدولة تضر بالصناعيين”. وهو يدير مصنعه باستخدام نسبة 75% من الطاقة الشمسية والباقي بمولدات أرخص من الكهرباء التي توفرها مؤسسة كهرباء لبنان.
ويشير كامل بشكل عابر إلى أن السياسات الاقتصادية التي تفرض ضرائب على الصناعيين، دفعت بالكثيرين لمغادرة لبنان للاستقرار في مصر وساحل العاج والسنغال ونيجيريا وغانا وتركيا حيث التكاليف أقل مقارنة بلبنان. ويعكس هذا النزوح، على حد تعبيره، “عجزاً للدولة التي كان ينبغي عليها، دعم الصناعة اللبنانية في ظل الأزمات”.
وكان بإمكان المصنعين التأقلم مع فواتير مؤسسة كهرباء لبنان لو أنهم يزودون بالكهرباء بشكل دائم. ولكن يتوجب على الجميع، كما كل اللبنانيين تقريبًا، دفع فاتورتين مرتفعتين للغاية لمواصلة الإنتاج. وشكّل قطاع الكهرباء لسنين عديدة، مشكلة حقيقية في لبنان الذي يقوضه الفساد. لقد تدهور نظام الإنتاج والشبكة ككل، بغياب أي آفاق للحل.
ولا يمكن في هذا السياق، إلا التذكير بأن ديون مؤسسة كهرباء لبنان وحدها تمثل نحو ثلث ديون لبنان، إن لم يكن أكثر.
وحسب أرقام مصرف لبنان، كلف كهرباء لبنان المالية العامة نحو 45 مليار دولار منذ عام 1993. وتتقاطع هذه الأرقام مع أرقام البنك الدولي الذي يقدر أن نحو 46% من الدين العام اللبناني المتراكم منذ عام 1992 (أكثر من 100 دولار) مليار دولار) يعزى إلى التحويلات من الخزينة إلى مؤسسة كهرباء لبنان. هذا مع الإشارة إلى عدم بناء أي محطة لتوليد الكهرباء، وعدم بذل أي جهد للتحديث في تلك الفترة.
تخفيض التعرفة الثابتة بنسبة 52%
وبمواجهة احتجاجات الصناعيين، تصر شركة كهرباء لبنان على أن كهرباء الدولة تظل الأقل تكلفة. وتؤكد إدارة الشركة لـ Ici Beyrouth أن التعرفة الثابتة للمصنعين انخفضت بنسبة 52%، مع التسعيرة الجديدة. وحسب التوضيحات التي قدمتها الإدارة، يكلف كل كيلوواط ساعة يكلف 27 سنتاً، “لكن يجب أخذ عدد الأمبيرات بعين الاعتبار”.
الإدارة تصر على أن الفواتير تعكس الاستهلاك. ويذكر المسؤول بالإضافة إلى ذلك إلى أن الـ 10 سنتات الإضافية، المحتسبة على أول 100 كيلووات ساعة، لا يمكن إلغاؤها، لأنها تمثل دعما للأسر الفقيرة والمتوسطة.
وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال، وليد فياض، أكد من جهته لـ Ici Beyrouth، أن شركة كهرباء لبنان تعمل بدعم من الوزارة مع المصنعين بحيث تعكس فاتورتهم متوسط السعر المطلوب لتغطية لتكاليف. وينبغي أن يتم ذلك، حسب قوله، من خلال المزج بين تدبيرين. الأول يتعلق حجم الاشتراك (الأمبيري) بما يتناسب مع الحاجة والاستهلاك، بحيث لا يكون الجزء الثابت من الفاتورة الشهرية أعلى بشكل غير متناسب من الجزء المتغير. والثاني هو دراسة الاشتراك بحيث لا يتخطى متوسط الفاتورة لكل شهر الحاجة لاسترداد التكاليف.
وفي كل الأحوال، العملية قد تستغرق بعض الوقت بينما يكافح المصنعون لخفض التكاليف. وبغياب سياسات الدعم، لا يبقى أمامهم الكثير، فإما الرحيل وإما فصل العدادات.
مواضيع ذات صلة :
اللبنانيون يتخلّون عن “كهرباء لبنان”… ويوقفون العدّادات! | جولة لوزير الاقتصاد للتأكد من التزام أصحاب المولدات بتركيب العدادات وبسعر الكيلوات | إحتدام الكباش مع أصحاب المولّدات: العتمة أو رفع التسعيرة؟ |