ملف النزوح السوري وهبة المليار بين مجلس النواب والحكومة.. ومبادرة الإشتراكي تحمل أفكاراً عملية لا مطولات إنشائية
أتت هبة المليار يورو من الإتحاد الأوروبي لتزيد الطين بلة وتفتح الباب على مصراعيه أمام المطالبين بضرورة إغلاق ملف الوجود السوري غير الشرعي لأنه بات يشكل عبئاً كبيراً على لبنان ولم يعد أحد قادراً على حمله
كتبت شهير إدريس لـ”هنا لبنان”:
كفقاعة الصابون وبعد مرور أكثر من 12 سنة على وجود النازحين السوريين في لبنان، هبّ الجميع وبشكل طارئ للتحذير من الخطر الذي بات وجودياً على لبنان بفعل الأعداد الكبيرة للنازحين المنتشرين على كافة الأراضي اللبنانية. وفي المقابل هبّ المجتمع الدولي لنصرة لبنان بعد أن حرمه لسنوات كبلد مضيف من المساعدات اللازمة فأصبح يرزح تحت وطأة هذا الوجود الذي بات يشكل أزمة حقيقية بعد تزايد عدد الولادات بالآلاف والنزوح غير الشرعي والهجرة غير الشرعية أيضاً إلى الدول الأوروبية.
وأكثر ما فتح العين على هذا الملف كثرة الجرائم التي يقوم بها بعض السوريين من جريمة قتل منسق حزب القوات اللبنانية في منطقة جبيل باسكال سليمان والمواطن ياسر الكوكاش وصولاً إلى جريمة قتل الفتاة زينب معتوق وغيرها إذ أنّ الإحصاءات الرسمية تؤكد وجود نحو 2500 سجين سوري يجب إعادتهم إلى سوريا عدا عن الفارين من وجه العدالة منهم.
وفي ظلّ كل ذلك أتت هبة المليار يورو من الإتحاد الأوروبي لتزيد الطين بلة وتفتح الباب على مصراعيه أمام المطالبين بضرورة إغلاق هذا الملف لأنه بات يشكل عبئاً كبيراً على لبنان ولم يعد أحد قادراً على حمله.
استجاب رئيس مجلس النواب نبيه بري لطلب الرئيس ميقاتي بتحديد الخامس عشر من أيار الجاري موعداً لجلسة مخصصة لدراسة ملف النزوح السوري وهبة المليار يورو بعد الهجمة الشرسة التي تعرض لها بأنه قبل رشوة لإبقاء النازحين السوريين في لبنان. وفيما وصفها النائب جورج عدوان بأنها جلسة رقابية لا تشريعية أشارت مصادر مقربة من عين التينة لموقع “هنا لبنان” أنّ الرئيس نبيه بري دعا إلى هذه الجلسة عندما وجد إجماعاً وتوافقاً لدى معظم الأفرقاء السياسيين على الرغم من طريقة بعضهم بالتعبير عنه وكيفية تناوله، بضرورة إغلاق هذا الملف لأنه بات يشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل لبنان وليس هناك من أحد قادر على تحمله، كما جاءت الدعوة لإلزام جميع الأطراف السياسية بموقف علني يصدر بشأن هذا الملف الخطير ولإلزام الحكومة أيضاً بالعمل على تطبيق ما سيصدر عن مجلس النواب لأنّ الضغط الأوروبي بات كبيراً والحكومة وحيدة لا يمكنها تنفيذ التوجهات المطلوبة منها. وأعربت المصادر عن خشيتها من تفاقم الأحداث مشيرة إلى أننا أمام مأزق كبير بسبب خوف الأوروبيين من استمرار تدفق اللاجئين إلى بلدانهم واستعمال الأميركيين هذا الملف لابتزاز الجانب السوري فيما أكبر المتضررين هو لبنان.
جميع الأحزاب والقوى في الممانعة والمعارضة قالت كلمتها بخصوص خطر النزوح السوري وهبة المليار يورو، وأبرزها ما عبر عنه رئيس حزب القوات سمير جعجع عن أنّ الوجود السوري في لبنان غير شرعي وهو موقف ثابت ومبدئي وسيادي ولا يتبدل مع مليار يورو أو عشرات المليارات ولا يتغير مع طلب أو تمنٍّ دولي.
أما رئيس حزب الكتائب سامي الجميل فتقدم بكتاب إلى الرئيس ميقاتي يطالبه فيه بتوضيح ما تم الإتفاق عليه مع مفوضية الإتحاد الأوروبي وإطلاع الرأي العام بشكل دقيق وشفاف لتبديد أي غموض في هذا الملف الحساس.
أما موقف الحزب التقدمي الإشتراكي فجاء على لسان رئيسه السابق وليد جنبلاط بأنه لا مفر من مناقشة الحكومة لملف النزوح مع النظام السوري على الرغم من الموقف المعادي للحزب تجاه النظام .
وبعد تقديم بعض القوى السياسية إقتراحات حول ملف النزوح جاءت ورقة الحزب التقدمي الإشتراكي التي قدمت إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل إنعقاد مؤتمر بروكسل في 27 أيار الجاري بعد عرضها على معظم القوى والمسؤولين.
النائب هادي أبو الحسن كشف لموقع “هنا لبنان” أنّ جنبلاط عرض للمبادرة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقائهما الأخير والذي إعتبر أنها جيدة ويمكن التفاعل معها، لافتاً إلى أنّ وفداً نيابياً من الحزب سيلتقي الرئيس نبيه بري الأربعاء لتقديم ورقته، وأشار إلى أنّ الرئيس بري له الحق بدعوة مجلس النواب إلى الإجتماع لبحث ملف خطير بهذا الحجم والتي جاءت بطلب من الرئيس ميقاتي والذي لديه الحق أيضاً بالطلب لمناقشة هذه المسألة الحساسة بعد الحملة التي شنت ضده بخصوص هبة المليار يورو. وقال: “لم نسمع من الرئيس ميقاتي عكس ما يقوله بخصوص الهبة وإلا لكنا اتخذنا موقفاً مغايراً حيال هذه القضية، وهناك فكرة معممة بأنّ الإتحاد الأوروبي قد إشترى سكوتنا وهذا غير صحيح، ولذلك فإنّ على الجميع النقاش حول هذا الملف لا سيما الحكومة وعلى كل منا أن يدلو بدلوه لتبيان الحقائق وتوضيح الصورة إذ أنّ البعض يصور الأمر بأنه لإبقاء السوريين في لبنان ونحن من جهتنا نرفض هذا الأمر وكذلك الرئيسان بري وميقاتي، لذلك يجب النقاش ليكون هناك موقف موحد منها. ونحن نطالب بأكثر من ذلك بأن لا يكون الدعم مشروطاً مع تمسكنا بضرورة إعادة النازحين إلى بلادهم وسنعبر عن كل هواجسنا خلال جلسة مجلس النواب”.
ووصف النائب أبو الحسن ورقة الإشتراكي بأنها ورقة كافية ووافية وتتضمن أفكاراً عملية للنقاش وليست مطولات إنشائية، لافتاً إلى أنهم منفتحون على كل الأفكار ومرنون للنقاش بها، وقد رحبت بها معظم القوى السياسية وليس هناك من ملاحظات عليها.
وأضاف قائلاً: “دعونا بكل صراحة للتواصل بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية لأنهما المعنيان الأساسيان بملف النزوح من أجل إيجاد حلول وتفاهمات لعودة النازحين السوريين إلى المناطق الآمنة في بلادهم، وكذلك التواصل بين الأمن العام اللبناني والسوري والذي سيبدأ مع التوصل إلى حل بشأن المساجين في السجون اللبنانية كما أنّ هناك تصوراً واضحاً من قبل الأمن العام يتعلق بالإحصاءات والمسح وسيتم البدء به قريباً”.
وتتضمن الورقة بحسب النائب أبو الحسن دعم الدولة المضيفة عبر دعم البنى التحتية وشبكات الأمان والضمان الصحّي ودعم الجيش والقوى الأمنيّة وتعزيز قدراتهم، أما أساس الورقة فيبدأ بضرورة إجراء مسح للّاجئين وتصنيفهم بين فئات متعدّدة. ونحن نحاول تأمين إجماع على كل العناوين المطروحة في هذه الورقة كي يستطيع الرئيس نجيب ميقاتي الذهاب إلى مؤتمر بروكسل متسلحاً بورقة لبنانية موحّدة لا سيما أننا كلبنانيين مجمعون على أنّ أزمة النزوح خطيرة ويجب أن لا نغرق في التفاصيل”.
وفي ظل عدم وجود حماسة أوروبية لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم لا سيما إلى مناطق آمنة ودفع المساعدات لهم داخل سوريا، كشفت مصادر فرنسية مطلعة لموقع “هنا لبنان” أنّ الفرنسيين بدأوا بتبديل آرائهم حيال ملف النزوح السوري بعد الضغوط التي حصلت من قبل كل من قبرص وإيطاليا بسبب الهجرة غير الشرعية، ومن قبل لبنان خلال زيارة ميقاتي وزيارة جنبلاط ، ويتمثل تبديل الرأي بأنه طالما هناك مناطق آمنة في سوريا فهناك إمكانية للعودة اليها، إلا أنّ المشكلة تقع في مسألة الدمار الذي تعرضت له المنازل والمؤسسات والتي تحتاج إلى إعادة الإعمار والذي قد يأخذ وقتاً.
ولفتت المصادر إلى أنّ هذه الأمور ستبحث في مؤتمر بروكسل للتوصل إلى حل لهذه الأزمة وإيجاد مقاربة مختلفة.