سياسات التشدّد الضريبي: العترة على الموظف
يبقى المواطن اللبناني كبش المحرقة الوحيد في أيّ سياسات جديدة تتخذها الحكومة، وفي ظلّ غياب العدالة الاجتماعية يتجه البعض إلى الاحتيال على القانون والتهرّب عن دفع الضريبة، فتصبح بذلك سياسات الدولة وقراراتها العشوائية المشجع الأوّل على التهرّب الضريبي. أمّا الحلّ، فيبقى في إصلاح النظام الضريبي في لبنان، ليتوافق ومعايير العدالة الاجتماعية
كتبت باولا عطية لـ”هنا لبنان”:
في ظلّ فوضى الضرائب التي تكتسح لبنان، وسط مساعي الحكومة لتأمين إيرادات لتسديد رواتب موظفي القطاع العام وبعد رفض المصرف المركزي تمويل الرواتب، يقف المواطن اللبناني حائراً، لا بل مستسلماً، بعد أن عمل في وظيفتين وثلاث في سبيل تأمين لقمة عيش كريمة دون جدوى، حيث لا يكاد يقبض راتبه في الأوّل من كلّ شهر حتى “يطير”.
توظيف دون تقديمات اجتماعية
وعلى ما يبدو، فإنّ السياسات الضريبية الجديدة المتبعة من قبل الحكومة، لم تطل سوى الموظفين، حيث لفتت مصادر اقتصادية في حديثها لموقع “هنا لبنان”، إلى أنّ “الشركات والمؤسسات الضخمة في لبنان، لم تتأثر بالتشدد الضريبي الحاصل، فلتلك المؤسسات طرقها في التهرّب من دفع الضريبة الحقيقية على أرباحها، أمّا العترة فهي على الموظف، حيث يستغلّ أرباب العمل نسب البطالة المرتفعة بين الشباب والتي تخطت الـ47.8 في المئة، وبحث هؤلاء عن مصادر متعدّدة للدخل، ليوظفوهم دون أيّ تقديمات اجتماعية، في ظروف عمل رديئة، مع تفشي العمالة الهشّة والعشوائية والمستغلَّة، وغياب الاستقرار الوظيفي”.
وأضافت المصادر: “معظم عقود العمل التي يجريها أصحاب المؤسسات، هي بدل خدمات، تعتبر العامل freelancer، ليتهربوا من واجباتهم القانونية تجاه الموظفين، كتأمين تغطية طبية، بدل نقل، ضمان، إجازات سنوية، إجازات مرضية، تعويضات نهاية الخدمة، زيادات في حالات الترقية ومحفزات، إلخ. فيما يكون الفرد فعلياً، موظفاً، مرتبطاً بدوام عمل ثابت، ومكان عمل ثابت، ويوم عطلة واحد في الأسبوع، شأنه شأن الموظف العادي، وفي المقابل يدفع ضريبته كضريبة الموظف العادي، من دون أي مقابل”.
وفي الإطار نفسه، نقلت بيترا عبد المسيح، شكواها لموقع “هنا لبنان”، وهي موظفة في قسم “السوشيل ميديا”، في إحدى المؤسسات الخاصة في لبنان، وقالت: “منذ اندلاع الأزمة، فقدت رواتبنا 75% من قيمتها، وأصبحنا نتقاضاها بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف السوق السوداء، ومع تحسّن وضع الشركة، أصبحنا نتقاضى رواتبنا بالدولار، إلّا أنّ المبلغ لم يختلف، بل بقي الراتب 400$. في المقابل، لم تتحسّن عقود عملنا، بل بقينا نعامل كموظفين غير ثابتين، على الرغم من أنّ جميعنا تخطى وجوده في الشركة الـ7 سنوات! ما يعني أننا اليوم لن نتقاضى أي تعويضات لنهاية الخدمة، وليس لدينا أي تغطية صحية أو استشفائية، وراتبنا لا يتضمّن بدل نقل، أمّا الضريبة فتقتطعها الشركة من راتبنا في أوَل كلّ شهر!”.
أقلّ نسبة تهرّب ضريبي قبل وبعد الأزمة هي في رواتب الموظفين
في سياق متصل، شرحت عضو لجنة المال والموازنة، النائب غادة أيوب، في حديثها لموقع “هنا لبنان” أنّ “معيار زيادة إيرادات الدولة من ضريبة الدخل، قد لا يكون معياراً دقيقاً، حيث أنّنا نأخذ في هذه الحالة فقط، رواتب الموظفين، وعادة رب العمل هو الجهة التي تصرّح عن رواتب الموظفين، ويقتطع الضريبة ويسددها لوزارة المال، فيما أقلّ نسبة تهرّب ضريبي قبل وبعد الأزمة، هي في رواتب الموظفين إلا في حالة لجوء أرباب العمل إلى عدم التصريح عن موظفيهم”.
ولمعرفة مدى الالتزام الضريبي، علينا مراقبة حجم إيرادات الضرائب على أرباح الشركات وأرباب العمل، تقول أيوب، “حيث أنّ التقارير الدوليّة والرسمية المحليّة، تشير إلى وصول حجم الاقتصاد النقدي واقتصاد الظلّ إلى نسبة 60% من مجمل حجم الاقتصاد اللبناني وهو بالتالي اقتصاد غير شرعي يساهم بتوسع حجم التهرب الضريبي وعمليات تبييض الأموال وهو خارج عن القانون ولا يخضع لمحاسبة أو عقاب، وأمام هذا الواقع لا يمكن القول بأنّه وبعد موازنة الـ 2024 ارتفعت إيرادات الضرائب، وتم تفعيل الجباية أكثر!”.
ورأت أيوب أنّه “يصعب تحديد مدى الالتزام بتسديد الضرائب، أو جبايتها، وعلينا انتظار تقرير وزارة المالية، الذي من المفترض أن يصدر كلّ 3 أشهر، ويكشف حجم الإيرادات الضريبية. إنّما في الوقت الحالي، فتشير جميع المعلومات إلى أنّ الموظفين وحدهم من يسددون الضرائب، في ظلّ فلتان الاقتصاد الكاش”.
ولفتت أيوب إلى أنّ “جميع الوفود الدولية، تتحدث عن مخاطر الاقتصاد النقدي وكيفية ضبطه، والحل يكمن بإعادة القطاع المصرفي إلى سكّته، ليكون أساس وركيزة جميع المعاملات المالية”، معتبرة أنّ “المتهرّبين من دفع الضريبة، هم أكبر المستفيدين من مطالب إعادة هيكلة القطاع المصرفي والتعامل بالكاش وضرب القطاع”.
وسألت أيوب “أين شهدنا جديّة لوزارة المال في مكافحة التهرب الضريبي؟ ما الإجراءات التي اتخذتها بهذا الإطار؟ حيث يظهر لنا أنّ وزارة المال مستمرّة فقط بسياسة جباية الضرائب من الملتزم بدفع الضريبة فقط، فيما هؤلاء يصرّحون بالأساس عن مصادر دخلهم للدولة، والمطلوب البحث عن المكتومين، أي الذين لا يصرّحون”.
كما حذّرت أيوب من استثمار بعض أرباب العمل للأزمة، وتوظيفهم أشخاصاً في شروط توظيفية جائرة، تحرمهم من حقوقهم بالضمان، وتعويضات نهاية الخدمة، والتغطية الصحية، والطبابة، والمدارس، أو حتى ورقة إثبات سنوات خبرة.
موازنة الـ2024 أنصفت الموظفين؟
من جهته قال مدير عام وزارة المال، جورج مهراوي، في حديثه لموقع “هنا لبنان” إنّ “الضرائب لا تظهر نتائجها إلا عبر تكليف العام الذي سبقها، أمّا حصيلة ضرائب الرواتب والأجور فنصدرها كلّ 3 أشهر في تقرير ينشر على الموقع الإلكتروني للوزارة”.
واعتبر مهراوي، أنّ “موازنة العام 2024 أنصفت الموظفين ككل، بعد أن رفعت الشطور وحسّنت التنزيل العائلي وكلّ ما له علاقة بالرواتب والأجور. حيث أنّ الشطور كانت منخفضة، وبالتالي كان الموظّف الذي يتقاضى راتبه بالدولار، يدفع ضريبة تصل إلى 100 أو 200$ في الشهر، على سعر صرف 15 ألف ليرة للدولار، أمّا في الـ 2024 فأًصبح من يتقاضى راتبه بالدولار يدفع ضريبته على دولار 90 ألف بشطور أعلى، حيث عادت الأخيرة إلى معدّلاتها ما قبل الأزمة وهو ما شجّع عدداً كبيراً من الشركات على التصريح عن عدد موظفيها وتوطين رواتبهم. فالسبب الرئيسي الذي منع عدداً من المؤسسات من التصريح عن عدد موظفيها، كان تعددية أسعار الصرف، وأزمة الشيكات المصرفية، والقوانين، أمّا اليوم وقد وحّد مصرف لبنان سعر الصرف، وبتنا نعيش شبه استقرار، تشجعت الشركات على التصريح، ويبقى المطلوب هو إعادة الثقة للمودع والمستثمر”.
ولم ينكر مهراوي، وجود تهرّب ضريبي، لافتاً إلى أنه “وعلى الرغم من جهود الوزارة لتقليص الفجوة في جباية الضريبة، هناك الكثير من المعوّقات التي تحول دون تحقيق الهدف المنشود، وأوّلها ضعف الكادر البشري، حيث تقدّم عدد كبير من الموظفين باستقالتهم من مناصبهم، كما أن قسماً كبيراً من هؤلاء لم يكن يحضر إلى مكاتب الوزارة، نتيجة تدني قيمة الرواتب وتراجع القدرة الشرائية، مقابل الانهيار الدراماتيكي لسعر الصرف. إلّا أنّه وبعد الزيادة الأخيرة على رواتب وأجور موظفي القطاع العام، تحسّن وضع الموظفين قليلاً ونحن نأمل أن تعود الحركة إلى الوزارة، من خلال رقابة أكثر وتشدد أكثر والتزام المكلفين بالدفع، فمن دون الكادر البشري لا يمكن إجراء رقابة فعّالة”.
ورأى أنّه يجب إلغاء سياسة الإعفاءات الضريبية، التي تشجع التهرّب الضريبي، إلّا أنّه في ظلّ الوضع الحالي، يصعب إلغاء سياسة الإعفاءات، رأفة بالمواطنين الذين يمرّون بظروف اقتصاديّة صعبة، وحسّاسة”.
التشدد في الجباية بدأ بعد الأزمة
من جهته، شرح المدقق المالي، روبير أنطونيوس، في حديثه لموقع “هنا لبنان”، أنّ “جباية الضرائب في لبنان مفعّلة منذ زمن، أمّا التشدد في الجباية فبدأ يظهر بعد اندلاع الأزمة، أي منذ حوالي الـ 4 سنوات، كوسيلة لزيادة إيرادات لدولة. أمّا الآلية المستخدمة فهي التدقيق بالفواتير والإيرادات والنفقات”.
أمّا عن الخطوات التي يجب على الموظّفين اعتمادها بحسب أنطونيوس، فهي “أولاً، إنشاء رقم مالي ومباشرة عمل لدى المالية، إذا كان الفرد يمارس مهنة حرّة، أمّا موظف القطاع العام فهو غير ملزم بالتصريح لأنّه موظّف في القطاع العام أي لدى الدولة، فيما موظّف القطاع الخاص مجبر على التصريح إذا ما كان يعمل في أكثر من مؤسسة، وتفرض عليه ضريبة بين 6 إلى 8 % فضلاً عن ضرورة إجراء تصريح شخصي. والمبلغ الضريبي الذي يدفع في حال كان الفرد موظفاً في شركة أو مؤسسة فردية، فهو 3% تقتطع من الراتب، أمّا إذا كان صاحب مهنة حرّة، فتختلف الضريبة باختلاف الإيرادات”.
ووفقاً لأنطونيوس، “لكلّ تصريح برنامج ضريبي معيّن، ولكلّ شركة ضريبتها المالية. أمّا أرقام الجباية التي تحصّلها وزارة المالية، فهي غير دقيقة، حيث أنه لم تصدر المالية إحصاءات دقيقة، تسمح لنا بمعرفة حجم الجباية والمداخيل الضريبية”.
في المحصّلة، يبقى المواطن اللبناني، وكالعادة، كبش المحرقة الوحيد في أيّ سياسات جديدة تتخذها الحكومة، وفي ظلّ غياب العدالة الاجتماعية، يتجه البعض إلى الاحتيال على القانون والتهرّب عن دفع الضريبة، فتصبح بذلك سياسات الدولة وقراراتها العشوائية، المشجع الأوّل على التهرّب الضريبي. أمّا الحلّ، فيبقى في إصلاح النظام الضريبي في لبنان، ليتوافق ومعايير العدالة الاجتماعية.