مشروع يضع لبنان على الخارطة الاقتصادية المشتركة بين الخليج العربي والبحر المتوسط
في ظلّ الحرب الاقتصادية التي يشهدها العالم، وجهود الدول في توسيع حجم اقتصادها، وزيادة إيراداتها، أمام لبنان فرصة حقيقيّة، لحجز مكان استراتيجي له على خارطة الاقتصاد العالمية، فهل يتنبّه المعنيون للمخاطر التي تحيط بهم، ويلحقون بالبلد قبل فوات الأوان؟ أم أنّ البقاء في غيبوبة، وعرقلة المشاريع الإنمائية بانتظار حصّتهم يناسبهم أكثر؟
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
منذ بدء أنشطة التجارة البحرية، لعبت الموانئ دوراً محورياً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلدان، حيث يتم نقل أكثر من 80% من تجارة السلع العالمية (من حيث الحجم) عبر الطرق البحرية. وهناك نسبة كبيرة ومتزايدة من هذا الحجم، تمثل نحو 35% من إجمالي الأحجام وأكثر من 60% من القيمة التجارية، يتم نقلها في حاويات، بحسب دراسة أعدها البنك الدولي، بعنوان “لماذا تمثّل الموانئ أهمية للاقتصاد العالمي؟”.
وعليه، تكلّف لبنان خسائر اقتصادية ضخمة، نتيجة انفجار 4 آب الذي طال مرفأ بيروت وأطاح بأكثر من نصف العاصمة، ليتراوح حجم الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الانفجار بين ثلاث مليارات دولار إلى خمس مليارات دولار نتيجة لتعطل الميناء عن العمل وتكلفة إصلاح الأضرار التي لحقت بالميناء، بحسب ما صرّح به محافظ بيروت، مروان عبود، وهو ما يمثل 9.36% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد البالغ 53.37 مليار دولار خلال 2019. كما تُعادل هذه الخسائر أربعة أضعاف قيمة السندات البالغة 1.2 مليار دولار، والتي تخلف لبنان عن سدادها في آذار من العام 2020.
وإلى ذلك، وبعد أكثر من 4 سنوات على انفجار مرفأ بيروت، عادت محرّكات الحكومة إلى العمل، في محاولة لإطلاق مشروع إعادة إعمار مرفأ بيروت، ليزفّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، للبنانيين خبر إطلاق العرض الخاص لمخطط إعادة إعمار وتطوير مرفأ بيروت، الذي أعدته فرنسا في شهر آذار من العام 2024. وكان موقع “هنا لبنان” قد أجرى تحقيقاً معمقاً حول هذه الدراسة وبيّن مكامن الخلل ونقاط الضعف التي تشوبها، كاشفاً عن رغبة فرنسية بإعطاء صفقة المرفأ إلى شركة فرنسّية.
على المقلب الآخر، وبعيداً عن المخططات البسيطة، والمشاريع الترقيعيّة، برز مشروع جديد لصاحبه المهندس اللبناني شربل أبو جودة، يهدف إلى إنهاض مرفأ لبنان من تحت الرماد، ووضع لبنان على الخارطة الاقتصادية المشتركة بين الخليج العربي والبحر المتوسط.
إلاّ أنّ مشروع أبو جودة الاستراتيجي، والذي كان قد عرضه في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال، لم يأخذ حقه بعد، على الرغم من أهميته الاقتصادية الضخمة، ولم تصل أصداؤه إلى آذان المعنيين.
اقتصادية مشتركة بين لبنان وسوريا والعراق والكويت
وفي حديث خاص لموقع “هنا لبنان” أوضح المهندس شربل أبو جودة أنّ مشروعه “يتّسم بالتكامل وينطلق من الأراضي اللبنانية ويستند إلى حلول اقتصادية مشتركة بين لبنان وسوريا والعراق والكويت وصولاً حتى كامل الخليج العربي (السعودية، قطر، البحرين، الإمارات، عُمَان)”.
وقال أبو جودة: “كل الدول في المنطقة تعمل على تأمين مصالحها وفي ظل هذا المناخ من التسابق الدولي والإقليمي فأين دور لبنان؟ في وقت تواجه مصر التحديات المحيطة بها وبقناة السويس وحركة الملاحة وعلاقتها مع العمق الأفريقي في مجال تزويدها بالمياه من سد النهضة وكذلك مشروع قناة بن غوريون وطريق حزام الحرير والممر الاقتصادي الهندي الذي تم إطلاقه مؤخراً، ما يجعلنا نسلط الضوء على الخط المقترح الذي ينطلق من بيروت مروراً بطرابلس وطرطوس والعراق، ستكون دولة الكويت هي المحور، حيث أعجبت بالمشروع وأعربت عن تبنيه وستكون مركزاً لتوزيع خدمات هذا الخط على نطاق الخليج العربي”.
وأضاف: “المشروع المطروح يستثمر في لبنان من خلال موقعه الإستراتيجي ويساهم في إيجاد حل اقتصادي سريع وبكلفة مقبولة على أن تترافق مع وجود خطط تطويرية مناسبة”.
وفي تفاصيل المشروع شرح أبو جودة، أنّ “الملاحة تسلك طريقها في الشرق الأوسط، من دبي، إلى باب المندب فقناة السويس، ومن لا يسلك طريق قناة السويس، يسلك طريق حيفا وأجدود وبيروت، وطرطوس، للتوزيع، والانطلاق من بعدها إلى شمال أوروبا وأفريقيا. وما يحصل اليوم في قناة السويس هو مشروع بور عملاق يبلغ حجمه حوالي الـ60 مليون متر”.
مشروع إزدواج قناة السويس
ومشروع ازدواج القناة جاري تنفيذه بين الكيلو 122 إلى الكيلو 132 ترقيم قناة بالبحيرات المرة الصغرى، ويأتي ضمن مشروع تطوير القطاع الجنوبي بالمجرى الملاحي للقناة، وتواصل أعمال التكريك بواسطة كراكات الهيئة. ويستهدف المشروع تطوير المجرى الملاحي للقناة بطول 10 كم، بالإضافة إلى توسعة وتعميق المنطقة الجنوبية لقناة السويس بداية من الكيلو 132 وحتى الكيلو متر 162 ترقيم قناة، بعرض 40 مترًا وعمق 72 قدمًا، بدلاً من العمق الحالي 62 قدمًا.
وتبلغ تكلفة المشروع 14 مليار دولار، ومن المقرر الانتهاء منه بعد عامين، وتستهدف القناة عقب الانتهاء من المشروع رفع عدد السفن العابرة للمجرى الملاحي للقناة، إلى 95 سفينة يوميًا، مع خفض زمن العبور.
قناة بن غوريون الإسرائيلية
وتابع أبو جودة، “بسبب مشروع توسعة قناة السويس، بدأت الضغوطات الاقتصادية على مصر، لكيلا تتمكن من استكمال المرفأ الكبير، فأرسلت سفينة الـ “إفر غرين” وقطع مجرى القناة لأسباب مجهولة، كما ضرب سدّ النهضة الزراعة في مصر بنسبة 20%، أمّا حرب باب المندب، فضربت اقتصاد مصر، حيث عرقلت مرور حوالي 98 باخرة عملاقة في اليوم. والهدف من القضاء على اقتصاد مصر هو بناء قناة بن غوريون (Ben Gurion)، وهي قناة إسرائيلية بديلة لقناة السويس”.
ويهدف مشروع قناة “بن غوريون” الإسرائيلية إلى الربط بين خليج العقبة والبحر الأبيض المتوسط. ويُقترح أن تسمى القناة على اسم دافيد بن غوريون الأب المؤسس لإسرائيل، وأول رئيس وزراء لها. وتقدم القناة على أنها منافس لقناة السويس المصرية. ويُتوقع أن يبلغ طول قناة بن غوريون إن أُنشئت 292.9 كم (182 ميل) أي أنها أطول بقرابة الثلث من قناة السويس (193.3 كم). تُقدر تكلفة إنشاء القناة الإسرائيلية من 15 إلى 55 مليار دولار أميركي.
ولكن الاقتراح يقول بأن تمتد القناة من الجنوب إلى الشمال ابتداءً من خليج العقبة مرورُا بالمدينة الحدودية إيلات ثم إلى وادي عربة بمسافة تبلغ 100 كم بين جبال النقب والمرتفعات الأردنية ثم تنحرف غربًا قبل بلوغ البحر الميت وحوضه، (والذي ينخفض 430.5 متر عن مستوى سطح البحر) حيث تتجه القناة إلى وادٍ في سلسلة جبال النقب ثم تنحرف شمالًا مرة أخرى متجهةً إلى البحر المتوسط ومتفاديةً قطاع غزة.
أمّا في الدراسة الأخيرة، فتعدّل الاقتراح، وأصبحت القناة تمرّ من غزّة، وهو ما يسعى الإسرائيليون إلى تطبيقه عبر تهجير الفلسطينيين من غزّة، وعليه أضيف إلى كلفة المشروع الأساسيّة 200 مليار دولار، تنقسم بين 100 مليار لتفريغ غزّة من سكّانها، و100 مليار لإعمار البور. فيما هذه التكاليف ستعوّضها إسرائيل بعام واحد فقط”.
القضاء على مرفأ بيروت وطرطوس
وهذا المشروع إن نفّذ، يقول أبو جودة، “سيقضي على مرفأ بيروت، وطرطوس، وطرابلس، كما عمل مرفأ جبل علي سيتراجع، حيث سيتركّز العمل بين مرفأ بن غوريون وقناة السويس”.
من جهة أخرى، يتابع أبو جودة، “لا حصّة للبنان بطريق الحرير الجديد الصيني، كما لا حصّة للبنان بالخطّ الذي يربط بين العراق وتركيا، ولا الخط الذي يربط بين الهند ودبي والسعودية ويكمل على الأردن وحيفا، وكذلك الخط الذي يخرج من عمان فالأردن وحيفا، وخطّ القطب الشمالي، وخطّ جبل علي، الذي يمرّ بالربع الخالي في صحراء السعودية ويصل إلى الأردن فحيفاء، ولبنان أيضًا غير موجود على خطّ الهند إيران وروسيا”.
إعادة لبنان على الخريطة الاقتصادية
“أمّا في الكويت والعراق، (شمال الخليج)، فتراجع العمل التجاري في الموانئ”، بحسب أبو جودة، “حيث أصبح الخطّ التجاري يمرّ بدبي، وقطر والقليل من عمان، وبالتالي تراجع دور الكويت الاستراتيجي. وعلى الرغم من أنّ العراق تبني بدورها مرفأ ضخماً، يربطها بتركيا، ورغم أنه في الكويت يحاولون تأسيس هوب عملاق، باسم مرفأ مبارك الكبير، ستتأثر هذه المشاريع، بمشروع بن غوريون. وعليه إذا طبّقت المشاريع العملاقة المطروحة لمرفأ بيروت وطرابلس، قد نتمكن من بناء خط مباشر من الكويت إلى بيروت، وسيكون هذا الخطّ أقصر من خطّ دبي، السعودية الأردن حيفا، بالثلث، وبدل أن تقطع الطرقات التجارية بالصحراء، ستمر بالجبال لدينا، وبذلك نكون قد أوصلنا الصادرات مباشرة من أوروبا إلى الكويت فبيروت والعراق”.
وأِشار أبو جودة إلى “أننا اجتمعنا بعدد من الاقتصاديين في الكويت، وعرضنا عليهم الاقتراح، لتنتقل البضائع من الكويت مباشرة إلى السعودية، دبي، قطر، والبحرين، ولاقى المشروع تجاوباً كبيراً”.
في المحصّلة، وفي ظلّ الحرب الاقتصادية التي يشهدها العالم، وجهود الدول في توسيع حجم اقتصادها، وزيادة إيراداتها، أمام لبنان فرصة حقيقيّة، لحجز مكان استراتيجي له على خارطة الاقتصاد العالمية، فهل يتنبّه المعنيون للمخاطر التي تحيط بهم، ويلحقون بالبلد قبل فوات الأوان؟ أم أنّ البقاء في غيبوبة، وعرقلة المشاريع الإنمائية بانتظار حصّتهم يناسبهم أكثر؟