لا قبول ضمنيًا لدى النظام السوري بإعادة النازحين.. فهل من تقارب جدّي بين بيروت ودمشق لحل الأزمة؟
الإستفاقة اللبنانية المتأخرة على ضرورة عودة النازحين السوريين، يقابلها رفض ضمني من النظام السوري لإعادتهم، لأنّ النظام يريد ثمناً مقابل موافقته على العودة، في طليعتها تعليق عقوبات قيصر الأميركية، والحصول على مساعدات مالية دولية ضخمة لسوريا لإعادة الاعمار، والانفتاح على النظام عربياً ودولياً
كتبت صونيا رزق لـ “هنا لبنان”:
بعد 13 عاماً على بدء الحرب السورية وتبعاتها على لبنان بصورة خاصة، بات ملف النزوح السوري الشغل الشاغل للحكومة اللبنانية والمرجعيات السياسية والاحزاب، وسط حصار خارجي للبنان من قبل المجتمع الغربي، لفرض الوصاية بالإستعانة بالرشوة علّها تحقق التوطين المبطّن، الذي يخيف اللبنانيين من تكرار تجربة اللاجئين الفلسطينيين، فيعود الماضي الأليم من جديد، ويتكرّر المشهد المرفوض الذي دفع ثمنه لبنان واللبنانيون.
وعلى الرغم من أنّ الإستفاقة اللبنانية جاءت متأخرة، لكنها أفضل من ألا تأتي أبداً، وقد سبق للحكومة أن وضعت أكثر من خطة لعودة النازحين السوريين، وشكّلت وفوداً وزارية لزيارة دمشق لإجراء مباحثات في هذا الإطار، لكنها لم تلقَ الصدى المطلوب، وبقيت المعضلة تراوح مكانها، لأنّ أبرز الحلول لم يتحقق أي ضبط الحدود البرّية بين لبنان وسوريا، والمعابر غير الشرعية المحمية من المتحكّمين بالدويلة.
ناهيك عن غياب الإجراءات والتدابير المطلوبة من قبل السلطة اللبنانية، على مدى كل السنوات التي مرّت منذ العام 2011، والفلتان الذي يعيشه النازحون من ناحية غياب طلبات الإقامة وإجازات العمل، وعدم دفع الضرائب بل الحصول على متطلبات العيش الكريم، التي لم يعرفها المواطنون اللبنانيون، من طبابة وكهرباء ومياه ومساعدات مالية وإلى ما هنالك، لتكتمل منذ فترة وبصورة يومية مع السرقات والجرائم التي يقوم بها بعض النازحين السوريين المنتمين إلى عصابات، الأمر الذي أدى إلى إشكالات يومية بين اللبنانيين والسوريين في مختلف المناطق اللبنانية، مما سارع في إطلاق مطالبة لبنانية جامعة ومن كل الطوائف بإعادة النازحين الى بلادهم، بالتزامن مع مطالبة دولية بتأمين مصلحة الدول الأوروبية، من خلال إبقاء النازحين في لبنان، وإبعادهم عن الدروب الأوروبية مهما كلف الأمر، مقابل حزمة مالية للبنان لأربع سنوات، تحت عنوان تفعيل قدراته الأمنية، في الوقت الذي تعيش فيه أعلى نسبة لجوء سوري مقارنة بمساحته وعدد سكانه، الذي يقارب الـ6 ملايين نسمة، فيما عدد السوريين المتواجدين على أرضه، يقدّر بأكثر من مليونين وفقاً للأمن العام اللبناني.
إلى ذلك ووفق القراءة السياسية فالتأزيم على أشدّه وفق ما يجري، ويقابل ذلك رفض ضمني من النظام السوري لإعادة النازحين، ما زال في الكواليس والخبايا، لكن قراءة ما يحدث تفضح كل ذلك، لأنّ النظام يريد ثمناً مقابل موافقته على العودة، في طليعتها تعليق عقوبات قيصر الأميركية، والحصول على مساعدات مالية دولية ضخمة لسوريا لإعادة الإعمار، والانفتاح على النظام عربياً ودولياً.
أمام هذه الشروط تبدو دروب العودة بعيدة جداً، ما يعني أنّ المعضلة تحتاج ربما إلى عقود لبدء الحل، إلا إذا حصلت مفاجآت، لكن لغاية اليوم لا يبرز أي اهتمام من الجانب السوري، وتحديداً من قبل السفارة السورية التي لا تقوم بتسجيل الولادات السورية أو تلقي نظرة على المخيمات، الأمر الذي لا يبشّر بالخير، بالتزامن مع عدم إرتياح المجتمع الغربي لسياسة النظام، لذا تكثر الأسباب التي يستعين بها المجتمع الدولي لإبقائهم في لبنان الذي يحرص على تحويله إلى بلد حاضن للنازحين، تحت حجج واهية تقدّم لتلك الدول مصالحها أولاً وعلى طبق من فضّة، وكالعادة على حساب لبنان، فتعرف دائماً كيف تستميل مسؤوليه بالطرق المعروفة، فيما الشعب اللبناني يتحمّل وحده التبعات والتداعيات، وأخطرها اليوم تكرار تجربة اللاجئين الفلسطينيين التي أشعلت حرب العام 1975 من خلال مخطط كيسينجر، الذي أراد إستبدال لبنان بفلسطين المسلوبة وإراحة إسرائيل على حساب اللبنانيين.
لذا لا يمكن لتلك الصورة المأساوية أن تتكرّر بتوطين مبطّن للنازحين السوريين، لأنّ اللبنانيين إستيقظوا من سباتهم العميق، والعمل جار اليوم لتنظيم هذا الوجود وتطبيق القانون، وترحيل من دخلوا بطرق غير شرعية، فمَن يدخل سوريا أو يخرج من معابرها الشرعية ليس نازحاً، لذا فالمطلوب وضع النقاط على الحروف والعمل على إعادة مسار الدولة، لتنفيذ وتطبيق القرارات للوصول إلى الهدف.
في الختام لا بدّ من التعويل ولو قليلاً على القمة العربية، التي تعقد في دورتها الـ ٣٣ في البحرين هذا الخميس، وسط معلومات عن اجتماع سيجري على هامش القمة، بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي يمثّل لبنان في القمة، والوفد السوري المرافق للرئيس بشار الأسد. وأفيد في هذا الإطار بأنّ إتصالات جرت على مدى الأيام القليلة الماضية، لترتيب هذا الاجتماع وبحث العناوين الضرورية، كمقدمة لفتح الطريق أمام الحل ولو بعد حين.