كيف سيتعامل الإيرانيون مع حادث سقوط الطائرة في حال اتّضح أنه عمل تخريبي إرهابي أو اغتيال؟
هل إذا كان تحطم المروحية عملاً تخريبياً قامت به إسرائيل أو غيرها ستعترف إيران بذلك وتفصح عن الأسباب الحقيقية؟ أم أنّ الغموض سيلفّ هذا الحدث وسيستعمل للضغط على إيران من أجل وقف المواجهة التي تقوم بها في المنطقة عبر أذرعها؟ أم أنها ستنتظر الزمان والمكان المناسبين للرد عليه؟
كتبت شهير إدريس لـ “هنا لبنان”:
لم يكد يمر يومان عن الإعلان عن المحادثات الأميركية الإيرانية غير المباشرة التي جرت في سلطنة عمان لمحاولة تجنّب تصعيد الهجمات في المنطقة لا سيما هجمات الحوثيين إضافة إلى الملف النووي الإيراني، بين كبير مستشاري الرئيس جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك وأبرام بالي القائم بأعمال المبعوث الأميركي لإيران وشخصيات إيرانية أو وسطاء عمانيين لم يكشف عنهم، حتى جرى حادث المروحية التي تقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق إلى أذربيجان.
حدث خطير استدعى تضامناً دولياً لا سيما من الولايات المتحدة الأميركية حيث قطع الرئيس الأميركي جو بايدن إجازته وعاد إلى البيت الأبيض نظراً لتداعياته ونتائجه، لا سيما إذا ثبت أنه محاولة اغتيال أو عمل تخريبي وليس حادثاً طبيعياً ناجماً عن خلل تقني أو بسبب العوامل المناخية، مما سيطرح العديد من التساؤلات حيال توقيته وردود الفعل عليه خصوصاً أنه جاء بعد مرور شهر على الهجوم الذي شنته إيران على إسرائيل في شهر نيسان الماضي رداً على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق.
فهل إذا كان عملاً تخريبياً قامت به إسرائيل أو غيرها ستعترف إيران بذلك وتفصح عن الأسباب الحقيقية؟ أم أنّ الغموض سيلف هذا الحدث وسيستعمل للضغط على إيران من أجل وقف المواجهة التي تقوم بها في المنطقة عبر أذرعها؟ أم أنها ستنتظر المكان والزمان المناسبين للردّ عليه؟
أول رد فعل إسرائيلي بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” جاء على لسان مسؤولين إسرائيليين كبار إذ أكدوا بشكل غير رسمي أنه لا علاقة لإسرائيل أو تورطًا لها في الحادث الذي أودى بحياة جميع من كانوا على متن المروحية،
واعتبر مصدر ديبلوماسي خبير بالشؤون الإيرانية لموقع “هنا لبنان” أنّ مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خسارة مهمة في هذا التوقيت بالذات نظراً لقربه الشديد من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي وضليع بملفات المنطقة لا سيما دعم حركات المقاومة وأبرزها حزب الله في لبنان. وأشار المصدر إلى أنه كان من الأسماء المرشحة لخلافة المرشد الإيراني. وأضاف، لا أحد يمكن أن يفسر ما يجول في العقل الإيراني الذي يوصف تاريخياً بالدهاء الفارسي لكن وبحسب القراءة الأولية والسيناريوهات المتوقعة فإنّ التركيبة الإيرانية وأيضاً المسؤولين الإيرانيين لن يفصحوا أو يعترفوا بأنّ العمل تخريبي عدواني في حال إتضح ذلك لأنه لا مصلحة لهم، وقد يشكل كارثة وهزيمة كبرى بالنسبة لهم في ظل الوضع الداخلي الإيراني والمعارضة للحكم، وكلام خامنئي في أول تعليق على حادث سقوط طائرة الرئيس إبراهيم رئيسي أكبر دليل حيث طمأن الإيرانيين ودعاهم إلى عدم القلق مؤكداً أنّ “شؤون الدولة لن تتأثر”. بما معناه في حال حصول أمر سيئ فإنّ نائب الرئيس محمد مخبر يستلم المهام وأن الإنتخابات الرئاسية ستجري وسيتم إنتخاب رئيس جديد لإيران في أسرع وقت لتسيير شؤون البلاد في ظل الظروف الخطيرة الراهنة وما تواجهه إيران داخلياً وخارجياً.
وليس غريباً على الإيرانيين والذين يوصفون بحائكي السجاد لصبرهم على الأمور والقيادة المتأنية، ألّا يتّخذوا قرارات سريعة قبل دراستها جيداً، والمثال على ذلك ما جاء في كتاب النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام حول كيفية إدارة الإيرانيين للملفات إذ قال” تسلمت الملف الإيراني على مدى 25 عاماً وزرت طهران كثيراً لكنني لم أعرف ماذا يريد الإيرانيون إلّا بعد وقوع الحدث”.
فيما وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر كان يصف إيران بأنّها “دائماً تلمح بالمرونة وتغير ذلك بفترات بسبب العناد والمراوغة، وأثناء ذلك كله تقوم بتوسيع وإخفاء ونشر المعلومات في العديد من الأمور الاستراتيجية لا سيما حول مرافقها النووية”.
أما بالنسبة لمهندس العلاقات الخارجية الوزير حسين أمير عبد اللهيان فتشير المصادر إلى أنه ديبلوماسي محافظ وقد شكل علامة فارقة في الديبلوماسية الإيرانية وتطبيق سياسة النظام الإيراني خارجياً خصوصاً أنه كان مقرباً من الرئيس إبراهيم رئيسي وكان يتماهى مع المواقف السياسية لخامنئي ويعلن دعمه لحركات المقاومة الإسلامية المتحالفة مع طهران ولمحور المقاومة من حزب الله في لبنان إلى سوريا وبعض الفصائل العراقية والمقاومة الفلسطينية. وقد أكد في تصريحاته الأخيرة لدى زيارته لبنان على دعم أداء المقاومة والدور الكبير الذي تلعبه في مساندة فلسطين، فضلاً عن التشديد على دعم إيران لحزب الله في لبنان.
هو الذي إختاره رئيسي لهذا المنصب ليخلف الوزير محمد جواد ظريف، وقد عرف بمواقفه على الصعيدين الدولي والإقليمي وفي أزمات العراق وسوريا ولبنان والتطورات في غرب آسيا وشمال إفريقيا. وشارك عبد اللهيان في المفاوضات النووية في عهد الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، كما كان مفاوضًا في اللجنة السياسية للمفاوضات الإيرانية الأميركية في بغداد عام 2007. وفي المعلومات أنه كان أحد الأسماء المرشحة لتولي منصب الرئاسة الإيرانية نظراً لشخصيته وخبرته.
منذ توليه منصبه كوزير للخارجية زار عبد اللهيان لبنان مرات عدة لمعرفته الدقيقة بالملف اللبناني لا سيما في السنة الحالية ومع بدء حرب غزة، إذ أطلق مواقف جمة كان آخرها حول الحرب في جنوب لبنان حيث اعتبر أنّ الحل السياسي هو السبيل الوحيدة لإنهاء صراع غزة، مشيراً الى أنّ طهران تجري محادثات مع الرياض حول هذه المسألة. وحذر أيضاً من اتّخاذ إسرائيل أي خطوات نحو حرب شاملة على لبنان، قائلاً إنّ ذلك سيكون “اليوم الأخير” لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فيما كانت رسالته الأخيرة لحزب الله بحسب مصادر متابعة لموقع “هنا لبنان” بضرورة وقف التصعيد في الجنوب تجنباً لأيّ حرب شاملة محتملة قد تؤدي إلى دمار كبير. وحذر كذلك من أنه في حال عدم التوصل لوقف مستدام لإطلاق النار فستسوء الأمور، والمنطقة لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الحرب.
السؤال الحالي من سيستلم منصب وزير الخارجية في إيران نظراً للملفات الكبرى التي يتولاها من الملف النووي إلى الحرب في غزة ولبنان والعراق وسوريا واليمن، خصوصاً أنه كان منتظراً قيام عبد اللهيان هذا الأسبوع بجولة على دول المنطقة للبحث في الأوضاع الراهنة، وهل من سيخلف عبد اللهيان سيتمتع بالديبلوماسية الثورية نفسها تجاه لبنان وسيكون ملماً بالملف اللبناني الحساس وحيثياته؟