رئيس للبنان “جندي” عند “السيد”!
إذا ما أردنا الاقتداء بالمثل الذي يقول “خذوا أسرارهم…”، يتبيّن أنّ “التيار” ما زال في حظيرة “السيد”. وكم يتمنى “التيار” مؤسساً ورئيساً أن يكون “جندياً” في خدمة نصر الله. والأمل عند “التيار” هو أن تتكرر هذه الأيام تجربة عام 2016 فيصل إلى قصر بعبدا من يأتي من صلب “التيار”
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
من الأحداث البارزة الأسبوع الحالي ، زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان للبنان. وتأتي هذه الزيارة وسط توقعات بإمكان إحداث خرق يتصل بانتخابات رئاسة الجمهورية.
كم كانت لافتة أجواء التشاؤم التي استبقت وصول لودريان. ومثالاً، ذهبت القناة التلفزيونية التابعة لـ “التيار الوطني الحر” (أو تي في) إلى حد القول، إنّ “غالبية اللبنانيين على اقتناع راسخ بأن الزيارة الجديدة للودريان لن تفضي إلى أي نتيجة، على غرار الزيارات السابقة”. وعزت القناة البرتقالية “السبب إلى التجارب الفرنسية المريرة في لبنان منذ إطلاق المبادرة الشهيرة في أيلول 2020”.
وفي العودة إلى ذلك التاريخ، يتبيّن أنّ “التيار” يشير إلى المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد أسابيع من الانفجار الرهيب في مرفأ بيروت. وفي ذلك التاريخ كان يتربع على كرسي الرئاسة الأولى مؤسس “التيار” الرئيس ميشال عون.
بالطبع، لم يتحدث “التيار” ورئيسه الحالي النائب جبران باسيل أبداً عن حصاد الفترة الرئاسية لعون والتي امتدّت بين عامي 2016 و2022. في تلك الفترة، وتحديداً في أيلول 2020، حذر عون من أنّ البلاد تتجه نحو “جهنم”. وتحقق ما توقعه رئيس الجمهورية آنذاك، فهبط لبنان إلى قعر جحيم لا سابق له في التاريخ.
ما لا يتحدث عنه “التياريون” على الإطلاق، أنه خلال فترة عون الرئاسية، حدث أمر مهم كشفت عنه قبل أيام قناة “المنار” التابعة لـ “حزب الله”. إذ نشرت القناة مقطع فيديو لزيارة سابقة أجراها الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي لأحد المواقع العسكرية التابعة لـ “الحزب” قبل إعلان مقتله بحادث تحطم مروحية داخل إيران. وأشارت القناة إلى إنّ زيارة رئيسي كانت لأحد المواقع العسكرية في الجنوب عام 2018.
للتذكير، فانه في العام 2018 كان عون في قصر بعبدا بعد مرور عامين على انتخابه رئيساؤ للجمهورية. فهل كان عون على علم بزيارة رئيسي للبنان عموماً وجنوبه خصوصاً؟
وللتذكير أيضاً، فإنّ الزائر الإيراني كان من أبرز الشخصيات في النظام الإيراني بعد المرشد علي خامنئي. ففي عام زيارته اللبنانية، كان رئيسي في تلك الفترة رئيسًا لمؤسسة “العتبة الرضوية المقدسة” التي تعتبر “أغنى المنظمات الدينية في العالم الإسلامي” على جاء في معلومات موقع ويكيبيديا. كما أتت زيارة رئيسي للبنان في ذلك العام، بعد خسارة رئيسي السباق الرئاسي في العام السابق أمام منافسه الإصلاحي الرئيس حسن روحاني. لكن رئيسي عاد وفاز برئاسة إيران عام 2021 في هجمة واسعة للمحافظين في بلاده، ما أدى إلى إطباق التيار المتشدد على كل مفاصل السلطة في الجمهورية الإسلامية.
هل من المعقول أنّ رئيسي أتى إلى لبنان، ولم يلتقِ رئيس لبنان قبل 5 أعوام وهو ميشال عون؟
إنّه سؤال من ماضٍ مضى. لكنه يأتي في ظل تمسك “التيار” بسياسة هيمنة إيران على لبنان. ففي العودة إلى القناة البرتقالية، نجدها تقول في معرض التقليل من أهمية زيارة لودريان التي تبدأ غداً للبنان: “تتجه أنظار غالبية المراقبين إلى الطرفين الخارجيين الأساسيين المعنيين بالوضع اللبناني، أي واشنطن وطهران، لرصد أي حرارة تواصل غير مباشر بين العملاقين الإقليمي والدولي، يمكن أن تنتج خارطة طريق لحل لبناني”.
هكذا، بكل خفة، يعتبر “التيار” النظام الإيراني “العملاق الإقليمي”. ما يعني أن لا حساب لأي طرف إقليمي وتالياً لبنان.
لا يبتعد “التيار” في موقفه هذا، عن “العملاق الداخلي” الذي يمثله الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله. فقد أطل الأخير يوم الجمعة الفائت في مهرجان أقامه “الحزب” لتأبين رئيسي. وفي كلمته روى نصرالله الآتي: “في حديث خاص كُنا مجموعة في خدمته (رئيسي). وذُكر أحد الأشخاص. وقيل أنّ من ميزاته أنه يتعاطى ويعتبر نفسه جندياً عند سماحة الإمام الخامنئي. السيد رئيسي وهو رئيس جمهورية أيضاً، قال في تلك الجلسة وأنا أيضاً أعتبر نفسي وأفتخر أنني جنديٌ عند سماحة الإمام الخامنئي دام ظله الشريف. هذه ميزة مهمة عندما يتعاطى رئيس الجمهورية مع مقام الولي ولي الأمر والقيادة العليا بهذه الروحية بهذا النفس بهذه الذهنية، هذه من أهم العناصر والمميزات الشخصية”.
ما قاله نصرالله عن رئيسي، ينطوي أيضاً على إعجاب لا يوصف بالنموذج الذي يحكم إيران. وفي أعوام سابقة، أعرب نصرالله عن افتخاره بأنه “جندي في جيش ولاية الفقيه”.
ونصل إلى الاستحقاق الرئاسي الذي تلوح في أفقه حالياً بارقة أمل أطلقتها أخيراً اللجنة الخماسية ممهدة لزيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي. فإذا ما أردنا الاقتداء بالمثل الذي يقول “خذوا أسرارهم…” يتبيّن أنّ “التيار” ما زال في حظيرة “السيد”. وكم يتمنى “التيار” مؤسساً ورئيساً أن يكون “جندياً” في خدمة نصرالله. والأمل عند “التيار” هو أن تتكرر هذه الأيام تجربة عام 2016 فيصل إلى قصر بعبدا من يأتي من صلب “التيار”!
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |