“السلام عليك يا مريم”: موسيقى وصلاة
ترجمة “هنا لبنان”
كتب Alain E. Andrea لـ”Ici Beyrouth“:
بينما يطوي الشهر المريمي أيامه، لا يسعنا سوى التوقف عند الموسيقى التي تكرس السيدة العذراء، وأهمها “السلام عليك يا مريم” ( Ave Maria ) التي ميزت تاريخ موسيقى الفن الغربي. وفي هذا السياق، يركز الجزء الأول من هذا المقال على موسيقى العصور الموسيقية القديمة، من العصور الوسطى وصولاً إلى فترة الباروك وعصر النهضة.
“السلام عليك يا مريم” أو (Ave Maria) باللاتينية هي صلاة رمزية في التقليد المسيحي، وغالباً ما يترجم ترتيلها التفاني المريمي. وعلى الرغم من ارتباطها تقليدياً بالكنيسة الكاثوليكية، تحتل مكانة بارزة في الطقوس الليتورجية للكنيسة الأرثوذكسية مع الإشارة إلى اختلافها على مستوى الإصدار واللغة المستخدمة. ومع ذلك، ليست شائعة بالقدر نفسه بين البروتستانت الذين يدعون إلى لقاء مباشر مع الله ويرفضون أي شكل من أشكال تقديس الصور والتماثيل. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنّ بعض الأنجليكان واللوثريين والحركات البروتستانتية الأخرى ضمّنت هذه الصلاة في ممارساتها الشعائرية.
الجذور والمكونات
بالنسبة للكاثوليك، تتضمن صلاة “السلام عليك يا مريم” ثلاثة أجزاء، يجد اثنان منها جذورهما في الكتاب المقدس. ويكرر الجزء الأول من الصلاة كلمات الملاك جبرائيل في البشارة: “السلام عليك يا مريم يا ممتلئة نعمة. الرب معك”. الجزء الثاني مأخوذ من هتاف إليصابات (والدة القديس يوحنا المعمدان)، الممتلئة من الروح القدس، إلى مريم أثناء الزيارة (لوقا 1:42): ” مُبارَكَةٌ أَنْتِ في النِّسَاء، وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ!”. وأخيراً، الجزء الثالث والأخير (“يا قديسة مريم، يا والدة الله، صلّي لأجلنا نحن الخطأة، الآن وفي ساعة موتنا) التماس لا يستند إلى الكتاب المقدس. ويعتقد أنه نقل شفهياً بأشكال مختلفة في القرن الخامس عشر، قبل أن يكتسب الطابع الرسمي مع البابا بيوس الخامس (1504-1572) في العام 1568. حينها، تضمنت المجموعة الليتورجية للكنيسة الكاثوليكية جميع الصلوات والمزامير والترانيم والقراءات الكتابية وغيرها من النصوص المستخدمة في ليتورجيا الساعات.
النسخ الموسيقية الأولى
تنوعت النسخ الموسيقية الأولى لـ Ave Maria وهي تعود للعصور الوسطى. على سبيل المثال، تحتوي المجموعة الطقسية الكاثوليكية أنتيفوناري لهارتكر، والتي تعود للقرن العاشر على درجات ميلادية، وعلى أنتيفون (آية تغنى أو تتلى، وعادة ما تكون قصيرة الطول وتتكرر في أوقات محددة أثناء القداديس) تحدد الجزء الأول من “السلام عليك يا مريم”، تليها عبارة هللويا. وتميزت النصوص التي تم ترنيمها في ذلك الوقت بعدم التجانس بشكل كبير وبالاختلاف مقارنة بالنسخة المعتمدة في عام 1568.
وخلال عصر النهضة، كتب العديد من الملحنين مقطوعات صوتية متعددة الألحان، مخصصة في الغالب لأربع أو خمس أصوات مختلطة من كابيلا بناء على نص Ave Maria. وكان جوسكوين دي بريز (1450 – 1521) وجيوفاني بييرلويجي دا باليسترينا (1524/5 – 1594) وويليام بيرد (1543-1623) وتوماس لويس دي فيكتوريا (1548-1611) من بين الأكثر شهرة. وتؤدى Ave Marias التي ألفها الأخير بشكل رائع وفق مبدأ التقليد المضاد: يتم تقديم فكرة لحنية أولاً بصوت واحد، ثم تتناولها الأصوات الأخرى على التوالي. وتولد هذه العملية بنية معقدة متعددة الألحان ومتشابكة تشكل انعكاساً كاملاً لمبادئ البلاط في العصور الوسطى.
في الفيديو أدناه، تؤدي الفرقة الصوتية البريطانية Stile Antico، المتخصصة في الموسيقى القديمة متعددة الألحان، أغنية William Byrd Ave Maria. ويسلط الأداء الضوء بشكل خاص على الخطوط اللحنية السائلة والغنائية، المزينة بـ melismas ، ولعبة الألوان التوافقية المميزة للجمالية متعددة الألحان في عصر النهضة.
التوليفة الموسيقية
تعد نسخة Ave Maria، المنسوبة إلىGiulio Caccini (1551-1618)، بلا شك واحدة من أشهر التوليفات الموسيقية الكاثوليكية. ولا يزال الملحن الإيطالي معروفاً على نطاق واسع لعامة الناس على الرغم من أن العمل لا يحمل توقيعه. وفي الحقيقة، نسخته عبارة عن توليفة (pastiche) تعود للعام 1970 لعازف الغيتار والملحن السوفيتي، المعروف باسم فلاديمير فافيلوف (1925-1970). والغريب أنّ هذا الأخير ترك قطعته بتوقيع “ملحن مجهول”. خيار يثير تساؤلات حول أسباب نسبته اللاحقة إلى Caccini. في الواقع، Ave Maria لفافيلوف غريبة تماماً عن توليفة الموسيقي الفلورنسي وكذلك عن عصره. ومع ذلك، يبدو أنّ القوة العاطفية الكامنة في Ave Maria التي ربطت باسم Caccini ساهمت في شهرتها على مر السنين.