البطريرك للثنائي: حان وقت النزول عن الشجرة
رفع الثنائي الشيعي جداراً ولا يزال يحول دون إجراء الانتخابات الرئاسية ووقف مذبحة الجنوب، أما الراعي فرفع الكيان اللبناني إلى مستوى أعلى بكثير من جدار بري ونصرالله، وأعاد التصويب على نشأة الكيان. فذكّر الثنائي وغيره أنّ هذا الكيان كان فكرة البطريرك الحويّك الثابتة
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
تستحق الكلمة التي ألقاها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أمام مؤتمر “التجدد للوطن” السبت الماضي التوقف ملياً. فهي كانت مطالعة لحاضر لبنان وماضيه وتالياً مستقبله. وناقشت ملياً كل طروحات الثنائي الشيعي ولو أنه لم يسمّ قطبيه الرئيس نبيه بري والأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله.
ما قاله الراعي لبري كان واضحاً. فهو سأل: “أما آن الأوان لنكون رجال دولة حقيقيين فنبادر فورًا إلى انتخاب رئيس للجمهورية يقود حوارًا وطنيًا مخلصًا للبنان”؟
أما ما قاله لنصرالله فكان واضحاً جلياً: “ليس أمامنا سوى خيار واحد وهو الدولة”.
ليس متوقعاً أن تغيّر كلمة البطريرك في سلوك قطبي الثنائي شيئاً. وما نسب لبري عبر قناته التلفزيونية نموذجاً. فهو “كرر ألّا طريق لحسم الأزمة الرئاسية سوى بالجلوس على طاولة التوافق”، كما أوردت الـ “أن بي أن”. ويستعمل بري “كلمة التوافق” التي هي من نسل كلمتيّ “الحوار” و”التشاور” اللتيّن استخدمها رئيس البرلمان على امتداد نحو عام ونصف عام منذ شغور منصب الرئاسة الأولى. وكانت النتيجة ولا تزال الدوران في حلقة مفرغة من الكلمات بلا أفعال.
وما قاله نصرالله عشية كلمة الراعي فقد ذهب بعيداً في تأنيب معارضي فتح جبهة الجنوب، وعلى رأس هؤلاء المعارضين البطريرك. والأخير لم يكفّ منذ 8 تشرين الأول الماضي، تاريخ اندلاع المواجهات على الحدود الجنوبية بقرار من نصرالله، عن الإعراب عن رفضه المطلق لزجّ لبنان في أتون الدمار. وقال نصر الله خلال الحفل التكريمي الذي أقامه “حزب الله” للشيخ علي كوراني، يوم الجمعة الماضي: “توجد مغالطة على مدى أسابيع وفي مناسبات عديدة كُنا نسمع لبعض المرجعيات الدينية والسياسية والزعماء أو ما شاكل في لبنان، يقول: هذه المعركة لا يريدها كل الشعب اللبناني، لم يخترها الشعب اللبناني، لا يوافق عليها الشعب اللبناني، هذا غير صحيح وأنا لا أُريد استعمال عبارات قاسية في توصيف هذا الموقف”.
رفع الثنائي الشيعي جداراً ولا يزال يحول دون إجراء الانتخابات الرئاسية ووقف مذبحة الجنوب، أما الراعي فرفع الكيان اللبناني إلى مستوى أعلى بكثير من جدار بري ونصرالله، فقد أعاد التصويب على نشأة الكيان، فذكّر الثنائي وغيره أنّ هذا الكيان كان “فكرة البطريرك الياس بطرس الحويّك الثابتة والعاملة على إنشاء لبنان الكبير بكامل أرضه مسترجعًا المناطق التي سلختها عنه الولاية العثمانيّة، غير آبهٍ بتركيبتها السكّانيّة، إذ كان يعتبر الإنتماء إلى لبنان بالمواطنة لا بالدين”. وعلى هذا الطريق ولا يزال كل البطاركة الموارنة الذين أتوا بعد الحويك.
هل كانت الطائفة الشيعية وسائر طوائف لبنان لتتمتع بنفوذ في العالم حيث الدول قامت على أساس طغيان الطوائف؟ هل في المنطقة العربية وغير العربية رئيس للبرلمان له ما لبري من صلاحيات؟ وهل في العالم بلد تحظى مليشيا تجاهر بانتمائها لبلد آخر وتتمسك بقرار الحرب والسلم، كما هو حال “حزب الله”؟
في غضون أيام، يجتمع الرئيسان الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش الاحتفالات الدولية المقررة في منطقة النورماندي في الشمال الفرنسي لإحياء الذكرى السنوية الخاصة بانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. ومن حظ لبنان، أنّ هذه المناسبة الدولية ستمنح لبنان فرصة للحديث عن أزمته من الجنوب المشتعل إلى الرئاسة الأولى المعطّلة. ودلت زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الأخيرة للبنان، وتصريحات الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين أنّ هاتين الشخصيتيّن تحضران الملف اللبناني الذي ستنظر فيه القمة الأميركية الفرنسية.
وفي انتظار ما ستؤول إليه هذه القمة، من المؤكد أنّ إنزال النورماندي التاريخي الذي هزم ألمانيا النازية عام 1945 لن يتكرر ثانية في العالم عموماً ولبنان خصوصاً.
ولكن ما هو متوقع هو أن تؤدي جبهة الجنوب إلى نزول المصائب على لبنان إذا لم تتوقف المواجهات العسكرية عليها.
لو تصورنا، أنّ أبواب مجلس النواب انفتحت غداً من أجل عقد جلسة مفتوحة من دون توقف كي يتم انتخاب رئيس جديد للجهورية. كما لو تصوّرنا أنّ “حزب الله” عاد عن قرار فتح جبهة الجنوب وترك الأمر بيد الجيش اللبناني و”اليونيفيل”. ألا يعني ذلك أنّ لبنان سيعود إلى سكة السلام والشروع في ورشة البناء والإصلاح والإنماء؟
قال الراعي للثنائي هذا الكلام. ودعاه إلى العودة إلى الوطن كي يبقى لك ولغيرك الوطن. كما قال لهم بما معناه: إنّ مهلة النزول عن شجرة العبث بمصالح لبنان ليست مفتوحة. فهل يستدرك بري ونصرالله فيهبطان إلى أرض الواقع قبل خراب هذا الوطن؟الى ارض الواقع قبل خراب هذا الوطن؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |