“الحزب” يقامر بورقتي العدد وتعديل الدستور
ما فعله “الحزب” هو محاولة جدية خطيرة لفرض واقع جديد في النظام والتركيبة اللبنانية، فهل هي بداية الغيث؟ وهل الهجوم أمس على السفارة الأميركية عبر استعمال مواطن سوري قادم من البقاع يهدف إلى خلط الأوراق وتحويل الأنظار عن التحدي الداخلي الذي يطرحه الحزب على اللبنانيين؟
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
منذ إعلان الرئيس الأمريكي جون بايدن خطتة لوقف إطلاق النار في غزة يوم الجمعة الماضي، والتصعيد يزداد حدة بين إسرائيل و”حزب الله” في شكل وكأنه متعمد تعبر عنه الحرائق المتبادلة بين الطرفين. وقد تمّ تعزيز هذا الإصرار بعدم وقف الحرب بمواقف وتصريحات من قبل الطرفين، سواء من قبل إيران التي حضر وزير خارجيتها بالإنابة علي
باقري كني إلى بيروت قبل أيام ليعلن في أول زيارة له إلى الخارج رفض طهران للخطة الأميركية لوقف إطلاق النار التي أعلنت حركة “حماس” نفسها تأييدها المبدئي لكل بنودها من وقف إطلاق النار إلى الانسحاب الإسرائيلي من غزة إلى تحرير الرهائن وإلى خطوات لإعادة الإعمار، ومعتبراً أنّ الحلّ هو المقاومة. بالمقابل، توعّد بيني غانتس عضو مجلس الحرب في الحكومة الإسرائيلية لبنان بصيف حار. وترافقت الجبهة الجنوبية مع تهديدات عالية النبرة ضد لبنان، وردت على لسان وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، ورئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان والوزير بن غفير
وقد بدا باقري في المؤتمر الصحافي الذي عقده في سفارة بلاده واثقاً من أنّ “إسرائيل التي تتخبط في مستنقع غزة، تبحث الآن عن مخرج، وليس في مقدورها إلحاق ضرر بلبنان، ولن تتورط في مواجهة مع المقاومة اللبنانية القوية”. فهل يعتبر أنّ كل ما حصل في الجنوب من ضحايا (400 قتيل) وتهجير (نحو 100 ألف) وتدمير للقرى والمنازل، لا يشكل ضرراً على لبنان؟ أم أنّ “حزب الله” لم يحطه علماً بذلك كونه هو من “يشاغل” إسرائيل، وكون قرار الحرب، وليس السلام، في يده بطبيعة الحال وليس في يد الحكومة المغلوب على أمرها رغم أنها أعلنت أنها لا تريد الحرب. وقد حسم باقري القرار بقوله إنّ “إسرائيل لن تتورط في مواجهة مع المقاومة اللبنانية” وليس مع الجيش اللبناني الذي لم يأتِ على ذكره لا من قريب ولا من بعيد، إذ إنه يعتبر أنّ من يقاتل وصاحب القرار هو “حزب الله”. إلّا أنه لم يجد أي حرج في الاعتراف بأنّ هناك مفاوضات سرية بين إيران والولايات المتحدة التي تدعم إسرائيل سياسياً وبالسلاح: “طالما واصلنا محادثاتنا مع الأطراف التي كنا نجري محادثات معها، وهذه المحادثات لم تتوقف”.
غير أنّ الأهم والأخطر في ما ذهب إليه “حزب الله” الذي يورط لبنان في هذه الحرب العبثية، هو كلام أمينه العام حسن نصرالله الذي أثار بشكل علني لأول مرة مسألة العدد والأكثرية والأقلية قائلاً: “إننا أكبر قاعدة شعبية في لبنان وأكبر حزب في لبنان ولم نتحدث بهذا المنطق، وترى في المقابل من يقول إنّ أغلبية الشعب اللبناني ترفض الإسناد والدعم لغزة” مستطرداً أنه “يجب على كل طرف أن يعرف حجمه وما يمثل قبل الحديث باسم كل الشعب اللبناني ومواقفه”.
يعكس هذا الكلام خروجاً واضحاً على “اتفاق الطائف” وعلى الصيغة اللبنانية التي لم يكل رفيق الحريري من التركيز عليها حتى آخر يوم من حياته قائلاً: “أوقفنا العد” أي المساواة في التمثيل والإدارة واحترام رأي ودور كل طائفة بغض النظر عن حجمها العددي. وحاول بالمقابل نفي ربط “حزب الله” الملف الرئاسي في لبنان بحرب غزة وبجبهة الجنوب. قائلاً إنه افتراء.
ودخل محمد رعد على الخط و”بدل أن يكحلها عماها”، مستغشماً اللبنانيين بالقول “إنّ الأعراف والعادات أقوى من الدستور”، وبالتالي إنّ انتخاب الرئيس يحصل بعد الحوار كما جرت العادة والعرف منذ سنوات مثلما حصل برأيه عند انتخاب ميشال سليمان عام 2008 وميشال عون عام 2016، وبالتالي لا بد من انتخاب سليمان فرنجيه اليوم بنفس الطريقة! وهذه ليست محاولة لتغيير الدستور الذي ينص بشكل واضح على أنّ مجلس النواب عند انتهاء مدة الرئيس عليه أن يعقد فقط جلسة لانتخاب رئيس جديد قبل أي أمر آخر وعدم عقد أي جلسة تشريعية.
إنَّ ما فعله “حزب الله” هو محاولة جدية خطيرة لفرض واقع جديد في النظام والتركيبة اللبنانية، هل هي بداية الغيث؟ وهل الهجوم أمس على السفارة الأميركية عبر استخدام مواطن سوري قادم من البقاع يهدف إلى خلط الأوراق وتحويل الأنظار عن التحدّي الداخلي الذي يطرحه الحزب على اللبنانيين؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |