إيران تدخل الحرب على حدود لبنان؟
بالنسبة إلى طهران، المسّ بـ”الحزب” في لبنان يستتبع دفاعاً أكبر بكثير من الدفاع عن “حماس” في غزة. فـ”الحزب” يعني إيران باعتباره جزءاً أصيلاً منها، ومصيره هو مسألة حياة أو موت لها ولنفوذها الإقليمي
كتب طوني عيسى لـ “هنا لبنان”:
هذه المرة جاء آموس هوكشتاين إلى لبنان “رافعاً العشرة”. وفي الواقع، هو في جولاته السابقة كان يخفض سقف طروحاته تدريجياً، لعله ينجح في تدوير الزوايا بين إسرائيل و”حزب الله”. لكنه اكتشف أنه الوحيد المستعد للتنازل، حتى وصل به الأمر إلى الاستسلام.
في بدايات حرب غزة والجنوب اللبناني، كان هوكشتاين يفاوض بروح معنوية عالية، تنطلق من اقتناعه بأنّ الطرفين كانا قبل 7 تشرين الأول على وشك الدخول في مفاوضات إيجابية لترسيم الحدود البرية. لكنه اكتشف أن “حزب الله” لن يوقف القتال على الحدود ويبرم تسوية مع إسرائيل، أياً كان نوعها، ما لم تتوقف الحرب في غزة.
نجح هوكشتاين في إقناع الإسرائيليين بطلب انسحاب مقاتلي “الحزب” بضعة كيلومترات شمال الخط الأزرق، بدلاً من الانسحاب حتى خط الليطاني، لكن “الحزب” رفض العرض. واليوم، هو جاء إلى بيروت في محاولة قد تكون الأخيرة لوقف القتال في الجنوب ومنع انفجار حرب إسرائيلية صاعقة على لبنان بأسره.
ما طرحه الوسيط الأميركي هذه المرة مثير: إذا كنتم لا تريدون أن توقفوا النار، فإننا ندعوكم على الأقل إلى التزام قواعد الاشتباك التي سادت على الحدود في بدايات الحرب وعدم تجاوزها، لأنّ الأمور هناك شارفت على الانفجار الكبير الذي لا مصلحة لأحد في وقوعه.
وبالفعل، لا مشكلة كبيرة لدى الأميركيين في استمرار مقدار محدود من التوتر والمناوشات والعمليات المتفرقة على الحدود بين لبنان وإسرائيل. لكن الخوف يكمن في أنّ هذا الوضع يمكن أن يتحول في أي لحظة تفجيراً عسكرياً واسعاً لا يستطيع أحد وضع حد له.
أبلغ هوكشتاين محاوريه، من أركان الدولة، أنّ الضمانات التي قدمها الأميركيون بحماية لبنان من أي ضربة إسرائيلية، والتي بقيت سارية المفعول منذ صدور القرار 1701 في العام 2006، والتي لم تعطلها حرب غزة طوال الأشهر الـ9 الفائتة، باتت ضعيفة. وهذا ما قد يفتح الباب لضربة إسرائيلية لن يستطيع لبنان تحملها. ولذلك، على “حزب الله” أن يراجع حساباته جيداً، لئلا يعرض البلد لكارثة.
جواب “الحزب”، الذي أبلغه هوكشتاين من خلال أركان الدولة اللبنانية، هو أنّ إسرائيل لو لم تكن تخشى الحرب الشاملة لما ترددت في شنها حتى اليوم. فهي تدرك أنها لا تتحمل حرباً من هذا النوع، في خضم الحرب الأخرى الشرسة التي تخوضها في غزة. وعلى رغم الخسائر الكبيرة التي يصاب بها “الحزب” خلال المواجهات الجارية في الجنوب، فإنه سيمضي في توجيه الرسائل التي تؤكد أنه ليس خائفاً. وقد جاء توقيت إطلاق “الهدهد” في سماء إسرائيل، عشية وصول هوكشتاين، في سياق هذه الرسائل.
أبلغ “الحزب” محاوريه أنه، في حال قيام إسرائيل بتوسيع الحرب، مستعد للرد في العمق الإسرائيلي على أهداف عسكرية واستراتيجية، وبكثافة، مستخدماً صواريخ ومسيرات من أنواع حديثة وفاعلة.
لكن الأهم هو ما ينقله بعض المطلعين عن احتمال دخول إيران مباشرة في الحرب، إذا قامت إسرائيل بمغامرة كبيرة، تستهدف “حزب الله”. فبالنسبة إلى طهران، المسّ بـ”حزب الله” في لبنان يستتبع دفاعاً أكبر بكثير من الدفاع عن “حماس” في غزة. فـ”الحزب” يعني إيران باعتباره جزءاً أصيلاً منها، ومصيره هو مسألة حياة أو موت لها ولنفوذها الإقليمي.
ولذلك، في رأي هؤلاء، سترد إيران بقوة على أي عملية إسرائيلية واسعة تستهدفه، كما لو أنها هجوم مباشر عليها، وستكرر نموذج الرد الذي اعتمدته في 13 نيسان الفائت، عندما وجهت مئات الصواريخ والمسيرات في اتجاه الداخل الإسرائيلي، علماً أنها فعلت ذلك حينذاك برغبة في التحذير، إذ أبلغت بالعملية مسبقاً، لئلا تؤدي إلى وقوع خسائر فادحة في إسرائيل تستتبع رداً مجنوناً.
ولكن، في تقدير “الحزب”، إذا دخلت إيران فعلاً كطرف مقاتل إلى جانب “الحزب”، فإنّ الرد على إسرائيل سيكون أكبر وأكثر شراسة وفاعلية، ولن تتمكن القبة الحديدية الإسرائيلية من التصدي لآلاف الصواريخ التي ستضرب في أعماق إسرائيل.
وفي رأيه أنّ توازن الرعب هذا، بمعاييره الإقليمية، هو الذي يتكفل بمنع إسرائيل من شن ضربتها الواسعة على لبنان، وليس أي شيء آخر. ولذلك، هو يصر على المضي في القتال وعدم التنازل، غير قلِق من العواقب. فهل يصح هذا الرهان لطمأنة لبنان بأنّ الضربة الإسرائيلية الكبرى لن تقع، أم ستكون الصدمة واردة في أي لحظة؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
صفقة بين ترامب والأسد تقطع السلاح عن “الحزب”؟ | لا سلاح في شمال الليطاني أيضاً | استنفار قيادي درزي منعاً لأي مغامرة |