قرار من قيادة “الحزب” بعدم الرد على انتقادات البطريرك الراعي… مسعى فاشل لكسب ودّ المسيحيين
يرفض البطريرك الراعي تحميل لبنان وشعبه وزر أوطان وشعوب أُخرى، ويشدّد على التمسّك بالقرارات الدولية في هذه المرحلة تحديداً، لتجنيب لبنان التوسّع في الحرب بعد إدخال اللبنانيين عنوة في حرب إسرائيل وغزّة، تحت شعار” وحدة الساحات”، الذي قضى على الجنوب اللبناني وأسقط عدداً كبيراً من الضحايا والجرحى، وهجّر سكان البلدات الحدودية التي باتت مدن أشباح لا يسكنها أحد
كتبت صونيا رزق لـ”هنا لبنان”:
لم ولن يتعب سيّد بكركي البطريرك الماروني بشارة الراعي، من إنتقاد الشواذ السائد جرّاء ضياع الدولة وسيطرة الدويلة، وفرض قراراتها بالقوة غير آبهة لأحد، لذا لن يستكين وفق ما ينقل المقرّبون منه ويؤكدون أنه ماض في مسيرته حتى النهاية، ولن يسمح أن يضيع لبنان بعد كل التضحيات، التي قدمها الشهداء على مدى عقود من الزمن كي يبقى سيّداً حرّاً، وهذا الكلام يكرّره أمام الزوار لأنّ بكركي كانت وما زالت وستبقى المدافع الأول عن هذا الوطن، كيف لا وهي التي أعطيت مجد لبنان؟
لذا يواصل في كل عظاته ومواقفه التطرّق إلى الثوابت، داعياً إلى توحيد كلمة اللبنانيين ومن كل الطوائف، والوقوف صفاً واحداً أمام كل مَن يعمل على إضعاف هذا البلد، والتآمر عليه والولاء لغيره. وإنطلاقاً من هنا يرفض البطريرك الراعي تحميل لبنان وشعبه وزر أوطان وشعوب أُخرى، ويشدّد على التمسّك بالقرارات الدولية في هذه المرحلة تحديداً، لتجنيب لبنان التوسّع في الحرب بعد إدخال اللبنانيين عنوة في حرب إسرائيل وغزّة، تحت شعار” وحدة الساحات”، الذي قضى على الجنوب اللبناني وأسقط عدداً كبيراً من الضحايا والجرحى، وهجّر سكان البلدات الحدودية التي باتت مدن أشباح لا يسكنها أحد. لذا يدعو دائماً إلى إيجاد الحلول بالمفاوضات الديبلوماسية، وينادي الدولة لإتخاذ القرارات وبسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية، الامر الذي لم يتحقق ولا يبدو أنه قابل لذلك، وسط كل ما يجري من تحكّم الدويلة على كل الاصعدة.
إلى ذلك أوجدت هذه المواقف توتراً كبيراً بين الصرح البطريركي وحارة حريك، من دون أن يحوي في معظم الأحيان الردود المتبادلة، وهذا ما يظهر بوضوح لدى سؤال أي من المطارنة أو المسؤولين الكنسيين في بكركي، عن مدى عودة العلاقة بينهم وبين حزب الله؟، فيأتي الجواب على الفور: “الحوار مطلوب مع الجميع والعلاقة لم تنقطع بين بكركي وحزب الله، الذي يجيب عبر بعض نوابه بطريقة مماثلة: “نحن نؤمن بالحوار خصوصاً مع بكركي”.
هذه الأجوبة الديبلوماسية أخذت مكانها في العلن، لكن في الواقع الوضع مغاير، لانّ القصة تحتاج للكثير من الوساطات، التي بدأت تبرز قبل سنوات على خلفية دعوة البطريرك الراعي إلى الابتعاد عن سياسة المحاور، والالتزام بالحياد كحل مريح للبنان، ومطالبته بعقد مؤتمر خاص بالدولة بإشراف الأمم المتحدة لحل النقاط الخلافية، الأمر الذي أدى حينها إلى ظهور التباين في المواقف، ومن ثم الفتور والتوتر وصولاً إلى الجفاء الكبير في العلاقات.
أما لجنة الحوار القائمة منذ التسعينات بين البطريركية المارونية و”الحزب”، فلم تجتمع بما فيه الكفاية نظراً للظروف التي رافقت لبنان، وتوقفت فعلياً منذ سنوات عن اللقاء والحوار، وساهم بذلك تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية عموماً في لبنان، وفي هذه المرحلة تحتاج إلى المزيد من الوقت والتقارب السياسي، على بعض المحاور والبنود التي تطرحها بكركي، قبل أي اجتماع بهدف الوصول إلى نتائج إيجابية.
في السياق ولدى سؤال موقع “هنا لبنان” لمصدر ديني معني بالملف، فضّل عدم التحدث حالياً، وقال :” لننتظر بعض الوقت علّ الأمور تتضح أكثر، لأنّ الأمر يقتصر اليوم على مبادرات فردية ليس اكثر، من خلال رسائل ومجاملات ينقلها بعض الأصدقاء المشتركين ليس اكثر، نافياً أن تكون اللجنة المشتركة قد اجتمعت منذ فترة كما يتردّد، مع بروز إستياء لافت في حديثه من كل ما يجري.
كما عمل نائب سابق مقرّب من بكركي وحارة حريك على وساطة منذ أيام، إذ اجتمع الى البطريرك الراعي، ومن ثم مع أحد أبرز نواب “الحزب”، لكن ووفق المعلومات التي حصل عليها موقعنا، فالمحاولة لم تلقَ المطلوب لانّ الخلافات تفاقمت كثيراً، وبالتالي فالكيل طفح من تلك الصورة الاستفزازية المتحكّمة بالوطن، مما يضع حزب الله في خانة بات الخروج منها صعباً جداً، اذ يكاد يكون وحيداً ومرفوضاً من أكثرية الافرقاء السياسيين، والمواطنين اللبنانيين التواقين الى العيش بسلام، بعيداً عن شبح الموت المفروض عليهم بالقوة.
في غضون ذلك ورداً على ما جاء في عظة الراعي اول من أمس الأحد:” إنّنا نفهم معنى عدم وجود رئيس الجمهورية، إنه رئيس يفاوض بملء الصلاحيات الدستورية، ويطالب مجلس الأمن بتطبيق قراراته، ولا سيّما القرار 1559 المختص بنزع السلاح، والقرار 1680 الخاص بترسيم الحدود مع سوريا، والقرار 1701 الذي يعني تحييد الجنوب. وبعد ذلك يُعنى هذا الرئيس بألّا يعود لبنان منطلقاً لأعمال إرهابية تزعزع أمن المنطقة واستقرارها، وبالتالي بدخول لبنان نظام الحياد، وتحويله من واقع سياسي وأمني إلى واقع دستوري، يعطيه صفة الثبات والديمومة من خلال رعاية دولية” .
هذا الاختصار لمواقف البطريرك الذي ينادي بها دائماً، جعل قيادة حزب الله تبلّغ نوابه ومسؤوليه وفق معلومات” هنا لبنان”، بضرورة عدم الرد على إنتقاداته لهم، لتفادي التوتر السياسي السائد مع المسيحيين، بالتزامن مع تدهور العلاقة بينهم و” التيار الوطني الحر” الذي كان يعطيهم دفعاً مسيحياً خفّ وهجه كثيراً عن الفترات السابقة، ما يضع مسعى حارة حريك لكسب ودّ المسيحيين ضمن دائرة الفشل الذريع، وبالتالي ضمن خانة الخاسرين الاوائل.