“تايوان فلسطين” بديل من غزة؟
القطاع الجديد سيتكلم العربية بلهجة فلسطينية، ولن تسعى رام الله لإعادته إلى سلطتها، سيكون أَشبه بتايوان بالنسبة للصين التي تعلن عزمها على استعادتها إلى بر بكين، لكنها لا تحاول استعادتها
كتب محمد سلام لـ “هنا لبنان”:
أعدت مجموعة دولية-إقليمية متعددة المحاور تصوراً تفصيلياً لما بعد إنتهاء حرب غزة يضع القطاع تحت حماية متعددة الجنسيات تضمن عدم تجدد حمم بركان 7 تشرين الأول وتؤمن حماية ورعاية لما تبقى من سكان بإنتظار إزالة الردم وإطلاق ورشة دولية لبناء الكيان الجديد على الأرض البالغة مساحتها 365 كيلومتراً مربعاً.
التصور يهدف إلى ضمان عدم عودة جذور النزاعات وأذرعها، بدءاً بسيطرة حكومة إسماعيل هنية المدعومة إيرانياً على غزة وطرد السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة بحركة فتح في 14 حزيران سنة 2007 وصولاً إلى الصراع الحالي بين حركة “أنفاق السنوار” وإسرائيل الذي إنفجر بركانه في 7 تشرين الأول الماضي وأغرقت حممه قطاع غزة بكامله.
باختصار، التصور صيغ لإبعاد وضمان عدم عودة جميع عناصر النزاع إلى الكيان الجديد، الذي سيكون أشبه بتايوان بالنسبة للصين التي تعلن عزمها على استعادتها إلى بر بكين، لكنها لا تحاول استعادتها.
هكذا سيكون القطاع الجديد، يتكلم العربية بلهجة فلسطينية، ولا تسعى رام الله لإعادته إلى سلطتها بل ستقيم معه علاقات على خلفية ثقافية تعتبر اللغة العربية هي العنصر الذي يحتم حسن العلاقة من دون إخضاع أي طرف للآخر.
التصور سيكون موضوع بحث رئيسي في الصين التي تستضيف وترعى الأسبوع المقبل إجتماعاً للفصائل الفلسطينية لبحث “المصالحة” بين فتح وحركة إسماعيل هنية التي شقت الوحدة الوطنية الفلسطينية منذ 17 سنة عندما باعت غزة لإيران بدفعة أولى قدرها 22 مليون دولار على ما أعلنه وزير خارجية حماس حينها محمود الزهار .
إجتماع بكين المنتظر سيبحث، وفق ما أعلن، في “الاتفاق على شكل العلاقة بين الفصائل الفلسطينية في المرحلة المقبلة”، ما يعني، وفق مصدر إقليمي مطلع على المشروع، أنّ البحث “سيتركز على كيفية التعاطي مع التصور الجديد بحيادية تتيح لأصحاب المشروع تنفيذه، بغض النظر عن الخلافات السياسية، أقله رأفة بمن يكون قد بقي على قيد الحياة من الضحايا الحقيقيين، وهم أهل غزة المدنيون العزل المشردون”.
أمران يستحيل تقديرهما في صدد غزة: متى ستنتهي الحرب، وكم سيكون حينها عدد الأحياء من سكان غزة الذين كان تعدادهم 2،3 مليون نسمة قبل انفجار بركان فرسان الأنفاق.
التقديرات الحالية، في دوائر الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي، تعتبر أنه بمقاييس اليوم، إزالة الردم من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماً، ليس فقط لأن حجم الردم هائل، بل أساساً وإضافة إلى الحجم الهائل، لأن التقديرات تشير إلى أن 10 بالمئة من الذخيرة التي استخدمت في الحرب ما زالت غير منفجرة ويتوقع تواجدها ضمن الردم ما يمنع عمليات الجرف والإزالة التقليدية، ويحتم إجراء عملية بحث بطيئة ومعقدة عن ذخائر غير منفجرة أمام كل جرافة قبل السماح لها بالجرف وإلقاء ما جرفته في الشاحنة.
سليم، أحد عناصر منظمة دولية غير حكومية تعمل على إزالة الألغام في لبنان، أوضح أنّ الوضع في غزة “أكثر تعقيداً وأشدّ خطورة مما نقوم به في لبنان”.
وأضاف: “نحن في لبنان نبحث عن ألغام، وهي بحد ذاتها عملية دقيقة ومعقدة، لكن لا تتجاوز نسبة الخطأ فيها 2%، أما بين ردميات غزة فيتوجب البحث عن قذائف، متعددة الأحجام والأنواع وقد تتضمن صواريخ، ما يبطئ العمل ويعقده خوفاً من إنفجار يتسبب بكارثة ويلغي المشروع بأكمله.”
وقدرت دوائر الأمم المتحدة المتعلقة بعمليات إزالة الألغام حجم الدمار في غزة بـ 37 مليون طن غالبيتها ضمن بقايا أبنية مدمرة ما يعيق البحث عن المتفجرات.
الإتحاد الأوروبي، من جهته، إعتبر أنّ ما تبقى من غزة غير صالح للعيش وأنّ الدمار الذي أصاب القطاع أكبر مما أصاب ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان وثق أكثر من 140 مقبرة جماعية أو عشوائية أو مؤقتة، ما يطرح سيلاً من التساؤلات حول كيفية التعاطي مع جثامين الضحايا، سواء لجهة نقلها أو تحديد هوياتها، وماذا سيكون مصيرها، وهل سيتم لاحقاً إصدار وثائق وفاة لمن تحدد هوياتهم، وماذا سيكون مصير المجهولين الذين وجدت جثامينهم ولم تحدد هوياتهم، والمفقودين الذين لم يعثر على جثامينهم بالمطلق؟؟
أسئلة مقلقة، بقدر ما هي محزنة، ويبقى أصعبها التساؤل: أين سيستقر الأحياء من أهل غزة بإنتظار ولادة الكيان الجديد؟؟؟
إضافة إلى المآسي التي تم ذكرها حذّر مكتب الإعلام في غزة من تداعيات صحية وبيئية خطيرة على السكان نتيجة تبعثر الجثامين في مختلف أرجاء القطاع، لا سيما في الجزء الشمالي، إضافة إلى وجود أكثر من 75 ألف طن من النفايات المكدسة في الأزقة المدمرة التي تحولت مع حرارة الصيف إلى أعشاش للقوارض والأفاعي والعقارب.
نظرة تفحصية لأبعاد تصور الكيان الجديد لغزة تكشف أن خطورته تكمن في إنطلاقه من حتمية الهزيمة المفترضة لحركة حماس، ما ينعكس على جبهة جنوب لبنان حيث يقاتل حزب إيران منذ 8 تشرين الأول الماضي إسرائيل ويربط توقفه عن القتال بوقف حرب غزة، لا بهزيمة حلفاء إيران في غزة.
هذه الخطورة فاقمت الضغوط على لبنان مع إقتراب البحث في الأمم المحدة بتجديد مهمة اليونيفيل، التي طلب لبنان تجديدها كالمعتاد لمدة عام وبالإستناد إلى قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701، على الرغم من توافر معطيات توحي بأنّ بعض الدول ستطلب تجديد الولاية لستة أشهر فقط، لا لسنة، كما جرت العادة بإنتظار تبيان ما إذا كان حزب إيران سيوافق على الإنسحاب من جنوب لبنان إلى شمالي نهر الليطاني.
وكانت بعض القوى التي تدور في فلك حزب إيران قد طالبت بإنسحاب إسرائيل من المناطق التي تسيطر عليها جنوبي الخط الأزرق إما إلتزاماً بإتفاقية الهدنة لعام 1949 أو لتأمين التوازن على جانبي الحدود رداً على مطالبة إسرائيل بإقامة منطقة عازلة على أرض لبنان تبعد عنها قوات حزب إيران.
أجواء محادثات الأمم المتحدة في نيويورك تفيد بأنه تم التوضيح للبنان بأنّ إسرائيل لا تحتفظ بقوة ميليشيا جنوبي الخط الأزرق، وبالتالي لا يمكن سحب جيشها النظامي من مستوطناتها مقابل سحب ميليشيا حزب إيران من جنوب لبنان، إلا إذا صدر عن الحكومة اللبنانية بيان يعلن أنّ قوات حزب إيران هي قوات نظامية لبنانية، عندها يتجاوز البحث مسألة من سينسحب وإلى أين، ويدخل الوضع في متاهة لا يظهر نور في آخر نفقها المظلم جداً.
وما زاد المسألة تعقيداً أنّ أمين عام حزب السلاح السيد حسن نصر الله أعلن في خطبة عاشورائية أنه “في حال توقف العدوان وأتت الوفود المفاوضة لتفاوض على مستقبل الجنوب… الجهة التي تُفاوض باسم لبنان هي الدولة اللبنانية، وأبلغنا كلّ من اتصل بنا أنّ الجهة المعنية بالتفاوض وبإعطاء الأجوبة هي الدولة اللبنانية.”
موقف نصر الله يفتح الباب عريضاً لطرح تساؤلات بديهية ليس أقلها: على ماذا يفترض بالدولة اللبنانية أن تفاوض، وبأي صفة تفاوض الدولة التي لا تملك قرار الحرب والسلم وليست هي التي تحارب من جنوب لبنان؟
هل يعكس موقف السيد نصر الله التهمة التي توجهها قوى معارضة لحزبه بأنه “يتحكم ولا يحكم” كي لا يتحمل عبء الحكم وارتداداته؟
هل ستقبل الدولة اللبنانية التفاوض نيابة عن حزب إيران المقاتل الذي يفترض أن يتحمل هو مسؤولية ونتائج قراراته؟؟؟
عهد الرئيس ميشال عون المدعوم من الحزب أمضى 6 سنوات ولم يقدم على التفاوض بإسم لبنان نيابة عن الحزب، فهل ستفعل منظومة النجيب ما لم يقدم عليه الرئيس العنيد؟
وفي آخر كلمة عاشورائية له خلص نصر الله إلى طمأنة شعبه بقوله إنّ “مستقبل الوضع في الجنوب سيتقرّر على ضوء نتائج هذه المعركة التي ستنتصر فيها جبهات المقاومة إن شاء الله.”
هل التساؤل يقتصر على مستقبل الوضع في الجنوب حصراً أم يتسع إطاره ليشمل مستقبل كل لبنان؟؟
الجواب يأتي على أجنحة الآتي من الأيام.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لا يطلب وقف النار إلا الخاسر | هديتان من سوريا في نفس اليوم | فوز ترامب أسقط مهمة هوكشتاين في لبنان |