“فريديريك دومون”.. مفتاح النجاح في عالمي الإعلام والإنتاج
خاص “هنا لبنان”:
رجل طموح، فضولي، يبحث عن المعرفة ويسعى للابتكار والخلق. بهذه الكلمات يمكن رسم صورة فريديريك دومون، المواطن الفرنسي الذي أدمن لبنان حتى أتقن بعض مصطلحات شعبه، فكان يردّدها في مجالسه الخاصة، وغاص في السياسة اللبنانية حتى ذاب بها، ومنها حلّق إلى الدول العربية!
فريديريك، أو فريد، كما يحلو لأصدقائه أن ينادوه، كان شخصية استثنائية، استفاد من الخصوصية اللبنانية ومن العلاقة التاريخية مع فرنسا وسعى إلى تطويرها إعلامياً، واستسلم أيضاً لصوت القلب، فعشق هذا البلد بتقاليده وأحبّ ابنته، عروس بكفيا سينتيا غانم التي قضى معها أجمل السنوات ورزق منها بفلذة كبده، ابنه الوحيد فالنتين الذي أصبح لامعًا اليوم في عالم الإنتاج السينمائي، قبل أن يهزمها السرطان.
لهذا المرض اللعين محطات مريرة في حياة فريد، فبعدما سرق منه حبيبة العمر عاد ليداهمه، ورغم المقاومة، إلا أنّ فريد قرر على غفلة أن يغمض عينيه. ربما اشتاق لشريكة عمره، التي أوصى أن يحتضنها بعد الموت، فكانت أمنيته الأخيرة أن يدفن في بكفيا، وتحديداً بجوارها.
لبنان والإعلام، كانا هاجسي فريد، كان يريد أن ينقل الصورة كما هي، أن ينقل الصوت، وأن يسمع ويُسمع كافة الآراء، شخص وسطي، لا عداء له مع أحد، يحاور الجميع وقادر على تكوين الصداقات مع جميع الأفرقاء.
“لن تجد مواطناً فرنسياً يعشق لبنان بالشكل الذي أحبّه فريد”، بهذه الكلمات يتحدث عنه أصدقاؤه.
عطاء فريد لا حدود له، وطموحه لا يتوقف، كان شغوفاً لا يقبل الاستسلام، وكان لديه القدرة على خلق النجاح وعلى دفع المحيطين به لقطف نجاحاتهم الخاصة.
صديق فريد، المحلل السياسي بديع قرحاني يسترجع في دردشة ذكرياته مع فريد، هو الذي عمل معه في شركة “Median” المتخصصة بالإعلام والإنتاج والاتصالات، فيحدثنا عن زياراته إلى طرابلس وأطباق “ورق العنب”، والكبة النية، والمشاوي التي يحبها، وعن ترويقة “الفول”، وكيف كان يطلب منه اللحم بعجين وزنود الست.
هذه الشخصية الفرنسية الغارقة بتفاصيل لبنان، لولاها لما كانت اليوم إذاعة “مونت كارلو” الدولية، ففي وقت كانت تتحدث الحكومة الفرنسية عن إغلاقها، كان فريديريك دومون وفريقه يعملون على إيصالها للأردن، العراق، ليبيا والإمارات، رغم الصراعات والحروب التي كانت دائرة.
بحيويته، ودبلوماسيته، وحنكته، ذلّل فريد العقبات، وساهم في توزيع فرانس 24 وإذاعة مونت كارلو، كما درّب المراسلين وقدم لهم من خبرته ومما يحمله بجعبته من أسرار السياسة اللبنانية والدولية.
فيلم القضية رقم 23، من بطولة عادل كرم وإخراج زياد دويري، كان محطة فاصلة في تاريخ فريد، فوصوله إلى المنافسة النهائية للفوز بجائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي، جعله فخوراً، ومشاركته بإنتاج هذا الفيلم لم تكن نابعة إلا من إيمانه بلبنان وبإيصال السينما اللبنانية إلى العالمية.
حياة فريد كانت مليئة بالمطبات وبالأزمات، غير أنّ شخصيته كانت تسمو بالتفاؤل والعطاء، فلم يتوقف يوماً عن التبرع لمركز سرطان الأطفال في بيروت، ولم يكن يردّ أيّ سائل، فمدّ اليد للآخر كان من شيمه.
ببساطة كان “إنساناً”، بكل ما تحمله هذه الكلمة من تفاصيل، هكذا يصفه عارفوه، وكان وفياً للبنان، لترابه، ولزوجته الراحلة والتي لم تغب عنه يوماً رغم هالة الموت، فسخّر حياته لذكراها ولإبنه.
في شركة “Median”، عرف فريد التصميم والإرادة، ونقل هذه الروحية لفريقه، كان يقرأ الشخص من نظراته، وكان يستطيع إدارة النجاح، لم تكن البداية سهلة في عالم مليء بالخضات، ولكن الروح التي خلق منها الفريق وطموح فريد كانا عاملين لتخطّي أيّ عقبات، ولقطف النجاحات.
نجاحات فريد أوصلته للـ”president” أنطون صحناوي، فنشأت صداقة وثقة بين الرجلين، وترك صحناوي أثراً إيجابياً في حياة فريد، فكان يقول لأصدقائه: “بفضل أنطون صحناوي بدأت بتحقيق طموحاتي في عالم الإنتاج والسينما”.
كما ترك فريد أثراً كبيراً في حياة رفيق دربه ناشر موقع “هنا لبنان” طارق كرم، الذي تخونه الكلمات وسط غصّة الفراق، فيقول عنه: “إنه حياتي كلها، إنه بيتي وعائلتي وسندي، إنه ملهمي وأخي الأكبر وبغيابه انشطر قلبي ولكن سنكمل المسيرة وفاءً لذكراه ولاسمه اللامع”.
أما لارا قزي، مديرة مكتب فريد ففي جعبتها الكثير من التفاصيل، فسبعة عشر عاماً من العمل مع هذه الشخصية التي لن تتكرر كفيلة بصنع ذكريات وأرشيف ومحطات.
تتحدث لارا عن إنجازاته بإسهاب، من مساهماته بعالم الإعلام، وصولاً إلى “Median”، والخدمات الأساسية التي قدمها لفرانس 24 ومونت كارلو، ولا تنسى جائزة سمير قصير التي كان له الفضل في تأسيسها والإشراف عليها لـ6 سنوات.
هو شخصية فرنسية خدمت لبنان والدول العربية، هكذا تعرّف عنه لارا شريكة العمل والنجاح، ففريد تميّز بثقافته، واستطاع أن يكون صلة وصل بين لبنان وفرنسا، وأن ينقل الخبر بروحيته وبقراءته له من خلال عمله الإعلامي.
لم ينقل فريد فقط صورة لبنان وصوته، ولم يأخذ فرنسا فقط إلى دول عربية كالأردن والإمارات وليبيا والعراق، بل أيضاً استقطب فرنسيين للعمل في لبنان، كان يعمل في حلقة دائرية محورها الإنتاجية والخلق، لم يكن يتوقف، لم يفكر يوماً في الساعة بل كان يفكر ماذا سيحقق بعد عام.
من شغف، إلى طموح، إلى عائلة، هكذا تدرجت علاقة فريد مع الأرض اللبنانية، كان يعشق ليل لبنان ويحرص على عقد الجلسات مع المفكرين والسياسيين، وكان لبنانياً في الكثير من المواقف.
فريد، الذي حاز على جنسية هذا البلد، يملك جواز سفر أهم بكثير من الرسمي، وهو “الروح”، هذه الروح وإن غادرت الجسد عن عمر 57 عاماً، إلا أنّها تركت إرثاً، بدأ بـ “Median”، وامتد إلى مساهماته بتأسيس منصات “هنا لبنان” و “Ici Beyrouth” و”This is Beirut”، فهو كان يريد للخبر أن يصل بكل اللغات، وللثقافة العربية أن تنتشر في بلاد الغرب كافة، وللثقافة الغربية أن تشقّ طريقاً بالإعلام نحو المشرق العربي.
باختصار، هذا هو فريديريك دومون، الصديق، والحبيب، والزوج، والمدير. هو الفرنسي الهوية واللبناني الهوى، هو حبيب الإعلام وشاب المعرفة ورجل الإبداع والعطاء
وسيصلّى عل جثمانه في كاتدائية Saint Ferdinand des Ternes في باريس يوم الأربعاء الساعة الثالثة على أن ينقل إلى لبنان حيث ستقام الصلاة في كنيسة مار مارون الصيفي يوم الجمعة الساعة الثانية بعد الظهر على أن يوارى الثرى في مدافن مار عبدا بكفيا بعدها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
بالتفاصيل: إنذار إسرائيلي للضاحية.. وإنذاران للجنوب! | تعميم لوزير الداخلية: ممنوع إقامة أو توسعة مخيمات النازحين | راجي السعد لبيار الجميل: حلمنا سيتحقق ولو بعد حين |